الْحَيَاءُ مِنَ اللَّـهِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّـهِ : اتَّقُوا اللَّـهَ تَعَالَى حَقَّ تَقْوَاهُ ، وَرَاقِبُوهُ سُبْحَانَهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ، وَمَنِ اتَّقَى اللَّـهَ وَقَاهُ ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى خَيْرِ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ خِلَالِ الدِّينِ وَمِنْ أَعْظَمِ أَوْصَافِ عِبَادِ اللَّـهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ أَجَلِّ شُعَبِ الْإِيمَانِ: الْحَيَاء وَهُوَ خَصْلَةٌ عَظِيمَةٌ وَخَلَّةٌ كَرِيمَة تَبْعَثُ عَلَى التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالتَّخَلِّي من الرَّذَائِلِ.
وَالْحَيَاءُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مَعْدَنُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَمَنْبَعُ الْمُعَامَلَاتِ الْكَرِيمَةِ وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرِ ، ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ )) ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((مَرَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ)) ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ -عِبَادَ اللَّـهِ- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ ))
وَالْحَيَاءُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مُشْتَقٌّ فِي أَصْلِهِ مِنَ الْحَيَاةِ ؛ فَكُلَّمَا عَظُمَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ عَظُمَ الْحَيَاءُ ، وَكُلَّمَا ضَعُفَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ وَالرُّوحِ ضَعُفَ الْحَيَاءُ ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: " مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ ".
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّـهِ : الْحَيَاءُ مِنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَكْمَلِ الْخِلَالِ وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا وَأَكْبَرِهَا عَائِدَةً ، وَكُلَّمَّا كَانَ الْعَبْدُ مُتَحَلِّيًّا بِالْحَيَاءِ كَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لَهُ وَسَائِقًا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ ، فَمَنْ كَانَ ذَا حَيَاءٍ حَجَزَهُ حَيَاؤُهُ عَنِ الرَّذَائِلِ وَمَنَعَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ .
وَأَمَّا مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ - عِبَادَ اللَّـهِ- فَهُوَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ لَا يُبَالِي أَيَّ رَذِيلَةٍ اَرْتَكَبَ وَأَيَّ كَبِيرَةً اقْتَرَفَ وَأَيَّ مَعْصِيَةٍ اجْتَرَحَ ؛ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيَ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ )) .
مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ -عِبَادَ اللَّـهِ- لَا يُبَالِي فِي أَعْمَالِهِ وَلَاَ يَتَوَقَّى فِي أُمُورِهِ ؛ فَهُوَ لَا يَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ ، وَلَا يَسْتَحِي مِنْ عِبَادِ اللَّـهِ ، فَمِنَ النَّاسِ - عِبَادَ اللَّـهِ - مِنْ قِلَّةِ حَيَائِهِ لَا يُبَالِي بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ ، وَمِنْهُمْ - عِبَادَ اللَّـهِ - مَنْ يُشِيعُهَا وَيُشْهِرُ نَفْسَهُ بِهَا وَيَتَحَدَّثُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَطْيَبِ الْخِلَالِ !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبَادِ اللَّـهِ : وَأَعْظَمُ الْحَيَاءِ وَأَوْجَبُهُ وَأَجَلُّهُ قَدْرًا وَأَفْضَلُهُ الْحَيَاءُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، الْحَيَاءُ مِمَّنْ أَوْجَدَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ وَمَنَّ عَلَيْكَ بِصُنُوفِ النِّعَمِ وَأَلْوَانِ الْمِنَنِ ، الْحَيَاءُ مِنَ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا رَبِّ الْعَالَمِينَ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ : (( أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي . قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّـهِ كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِحاً مِنْ قَوْمِكَ )) .
عِبَادَ اللَّـهِ : وَيُحَرِّكُ فِي الْقَلْبِ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: تَعْظِيمُ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَحُبُّهُ سُبْحَانَهُ ، وَالْعِلْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ ؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثُ مُحَرِّكَاتٌ لِلْقُلُوبِ ، مَتَى مَا كَانَ الْقَلْبُ مُعَظِّمًا لِرَبِّهِ غز وجل ، مُحِبًّا لَهُ سُبْحَانَهُ، عَالِمًا بِاطِّلَاعِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ تَحَرَّكَ الْقَلْبُ حَيَاءً مِنَ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا .
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) ؛ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ فِيهَا جِمَاعُ الْخَيْرِ - عِبَادَ اللَّـهِ- :
الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: حِفْظٌ لِلرَّأْسِ ، وَحِفْظٌ لِلْبَطنِ ؛ وَهُمَا أَثَرُ الْحَيَاءِ حَقًّا وَنَتِيجَتُهُ وَثَمَرَتُهُ .
فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُفْعَمًا بِالْحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا بَعَثَهُ حَيَاؤُهُ وَسَاقَهُ إِلَى حِفْظِ رَأْسِهِ ، وَحِفْظُ الرَّأْسِ -عِبَادَ اللَّـهِ- يَشْمَلُ حِفْظَ الْبَصَرِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ ، وَحِفْظَ السَّمْعَ مِنْ سَمَاعِ الْحَرَامِ ، وَحِفْظَ اللِّسَانِ مِنَ الْكَلَامِ الْحَرَامِ ، وَحِفْظَ الْوَجْهِ عُمُومًا مِنْ مُقَارَفَةِ خَطِيئَةٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ . وَحِفْظُ الْبَطْنِ - عِبَادَ اللَّـهِ - يَتَنَاوَلُ عَدَمَ إِدْخَالِ مُحَرَّمٍ فِي الْجَوْفِ ، وَيَتَنَاوَلُ كَذَلِكَ حِفْظَ الْقَلْبِ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَتَجْنِيبَهُ رَدِيئَهَا وَسَيِّئَهَا ، وَيَتَنَاوَلُ كَذَلِكَ حِفْظَ الْفَرْجِ مِنْ غِشْيانِ الْحَرَامِ .
وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ فِي الْحَدِيثِ - عِبَادَ اللَّـهِ - وَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (( وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) ؛ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِأَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ إِذَا اسْتَقَرَّا فِي الْقَلْبِ تَحَرَّكَتِ الْفَضَائِلُ فِيهِ؛ فَمَنْ تَذَكَّرَ - عِبَادَ اللَّـهِ - أَنَّهُ سَيَمُوتُ وَيَبْلَى، وَأَنَّهُ سَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَنَّ اللَّـهَ عز وجل سُيُحَاسِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا قَدَّمَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَخِصَالٍ مَشِينَةٍ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّـهِ عز وجل إِقْبَالًا صَادِقًا بِإِنَابَةٍ وَحُسْنِ عِبَادَةٍ وَتَمَامِ إِقْبَالٍ.
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا مَنَّانُ يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ يَا مُحْسِنُ ارْزُقْنَا أَجْمَعِينَ الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ . اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.
أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّـهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَظِيمِ الْإِحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالامْتِنَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّـهِ : اعْلَمُوا رَعَاكُمُ اللَّـهُ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّكُمُ الْكَرِيمُ (الْحَيِيَّ) ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الاسْمُ فِي السُّنَّةِ ؛ فَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رضي لله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِنَّ اللَّـهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا )) ، فَـ(الْحَيِيُّ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَالْحَيَاءُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَمَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ اسْتَحْيَا اللَّـهُ مِنْهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: (( وَأَمَّا الثَّانِي، فَاسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَحْيَا اللَّـهُ مِنْهُ )) فِي قِصَّةِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّـهِ : اللَّـهُ جَلَّ وَعَلَا حَيِيٌّ يُحِبُّ الْحَيَاءَ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى عَبْدِ اللَّـهِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْهُ وَعِلْمِهِ بِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، مُعَظِّمًا لِجَنَابِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ ، مُقَدِّمًا مَحَابَّهُ عَلَى كُلِّ الْمَحَابِّ.
وَالْكَيِّسُ - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مِنْ عِبَادِ اللَّـهِ مَنْ دَانَ نَفْسَه وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّـهِ الْأَمَانِيَّ . وَاعْلَمُوا أَنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّـهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ .
اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلَا تُعِنْ عَلَيْنَا ، وَانْصُرْنَا وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْنَا ، وَامْكُرْ لَنَا وَلَا تَمْكُرْ عَلَيْنَا ، وَاهْدِنَا وَيَسِّرِ الْهُدَى لَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ ، لَكَ ذَاكِرِينَ ، إِلَيْكَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ . اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا ، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا ، وَثَبِّتْ حُجَّتَنَا ، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا ، وَاهْدِ قُلُوبَنَا ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صُدُورِنَا . اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْقَاتِنَا وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَعِنْهُ عَلَى طَاعَتِكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لَنَا ذَنْبَنَا كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَنَهُ . اللَّهُمْ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ . ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد .
وهذه خطبة سابقة للشيخ عبدالرزاق البدر بعنوان الحياء من الله تعالى:
http://www.islamekk.net/play-539.html
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا
http://www.islamekk.net/catsmktba-125.html
|