وجوب لزوم الجماعة
الحمد لله الذي أتم علينا النّعمة، وجعلنا أمّة الإسلام خير أمة، وهدانا إليه صراطاً مستقيماً وسبيلاً قويماً، نحمده جلّ وعلا حمد الشاكرين، ونثني عليه ثناء الذاكرين، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله عزّ وجل فإنها العُدّة في الشدة والرخاء، والذخيرة في السراء والضراء، بها تكشف الغموم وتزال الهموم وتجلب الأرزاق، وتتيسر الأمور وتعظم الأجور، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ الطلاق:٢–٣ ، ويقول تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ الطلاق:٤–٥ , وبركات التقوى وعوائدها على المتقين لا تعد ولا تحصى، وتقوى الله عباد الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن ترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
عباد الله إن نعمة الله جلّ وعلا علينا بهذا الدين عظيمة، حيث إنه سبحانه وتعالى جعل هذا الدين مبارك على أهله، به تنتظم أمورهم ويجتمع شملهم، وتتحقّق مصالحهم، وتزول به عنهم الشرور والآفات والمحن والرزيات، فنعمة الله على عباده بهذا الدين عظيمة.
عباد الله وإنما يتحقق للمسلمين من خيرات وبركات بهذا الدين، إنما تتحقق لهم باستمساكهم به ومحافظتهم عليه، ورعايتهم لآدابه وخلاله الرشيدة، وتوجيهاته المباركة الحميدة، وسنقف عبادَ الله وقفة مباركة مع حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لنرى من خلاله جمالَ توجيه هذا الدين, وحسن إرشاده لأمّة الإسلام لتنتظم مصالحهم، ولتتحقق لهم الخيرية، ولتزول عنهم الشرور والآفات، وتندفع عنهم الرزايا والبليات، ولنستشعر عباد الله ونحن نسمع هذا الحديث وغيره من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أن دين الله عزّ وجل كله خير وبركة، ومصلحة للناس وتحقيق لغايات حميدة يعيشون في ظلالها، ويسلمون من الآفات والشرور، فنبينا عليه الصلاة والسلام لا يدعو إلا لخير، ولا ينهى إلا عن شر، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ خَرَجَ عِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَتَنْصُرُ لعَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ".
تأملوا رعاكم الله هذا الحديث العظيم المبارك عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وقد انتظم هذا الحديث ثلاث وصايا عظيمة، وتوجيهات كريمة لأمة الإسلام، لتتحقق لهم بذلك الخيرية، وليسلموا من الشرور والآفات التي إن وقعت اختل صفهم، ووقعت فيهم أنواع الشرور والبلايا والرزيات، ثلاث وصايا ما أعظمها وأجلَّ قدرها عباد الله فلنتأملها .
فأما الوصية الأولى عباد الله، فإنها وصية بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين, وتحذيرٌ من الخروج على جماعة المسلمين، فإن يد الله على جماعتهم، والله عزّ وجل حافظٌ جماعةَ المسلمين ما حافظ المسلمون عليها، يقول عليه الصلاة والسلام :" مَنْ خَرَجَ عِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ", والخروج عن الطاعة يكون بنزع اليد عن الطاعة لولاة أمر المسلمين، والافتيات عليهم وعدم السمع والطاعة لهم، والخروج على جماعتهم، ونزع اليد وعدم السمع والطاعة، فإذا كان نهج الإنسان كذلك فإنه بذلك يشق صف المسلمين، ويخلخل وحدتهم، وينشر بينهم الشقاق والصراع، وما لا يحمدون عاقبته لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ولهذا جاءت الأحاديث المتكاثرة والنصوص المتضافرة إلى الدعوة للسمع والطاعة لولاة المسلمين، والسمع والطاعة إنما تكون بالمعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عزّ وجل، وإذا كان - عبادَ الله - أهل الإيمان يسمعون ويطيعون لولاتهم، دون استنكاف أو استكبار، فإن مصالحهم بذلك تتحقق، لأن مصالح الناس لا تتحقق إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بأمير ولا أمير إلا بسمع وطاعة، فإذا تحققت هذه الأمور انتظمت مصالح المسلمين، والتأم شملهم وتحقّقت بينهم التعاون وزالت عنهم الشرور والآفات .
وأما الوصيّة الثانية عباد الله فهي تحقيق الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية، بحيث يكون اجتماع المسلمين وتآخيهم على الإيمان بالله والحبِ في الله والبغضِ في الله، شأنهم كذلك، لا أن يكون أمرهم مبنياً على تعصبات عِرْقية وحميات جاهلية وحزبيات بغيضة, تشتت ولا تجمع، وتفرّق ولا تألف وتنشر بين الناس التطاحنَ والتدابرَ، وإذا كان شأن الناس في تآخيهم لا يراعون هذا المبدأ العظيم التآخي في الله و لأجل الله، فإنه تنتشر بينهم العداوات بسبب العصبيات الجاهلية والنزعات العرقية التي تشتت ولا تؤلف، وتفرق ولا تجمع، وتأمل قول النبي عليه الصلاة والسلام : "وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَتَنْصُرُ لعَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ", فالدعوة ليست للعصبة وإنما الدعوة لدين الله عزّ وجل، والتآخي ليس على عرقيات، وإنما على دين الله تبارك وتعالى كما قال جلّ وعلا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ الحجرات:١٠ ، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في تآخيهم وتوادهم وتعاونهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى", فالتآخي يكون في الله جلّ وعلا، والتعاون يكون على طاعة الله، فإذا خرج الناس عن هذا السبيل وابتغوا غير هذه الجادة، انتشر بينهم العداوة والبغضاء.
وأما الوصية الثالثة عباد الله، فإنها حفظ وحدة المسلمين وحماية بيضتهم ورعاية جماعتهم، ومراعاة حرماتهم والبعد عن إيذائهم، وحفظ عهودهم ومواثيقهم، وتأمل هذه الوصايا، وتأمل هذه التوجيهات مجتمعة في قوله صلى الله عليه وسلم محذّرًا ومنذّرًا:" وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ", أي أن النبي صلى الله عليه وسلم براء ممن كان هذا نهجه وسبيله, ألا فلنتقي الله ـ عبادَ الله ـ ولنستمسك بهذا الدين العظيم، وبتوجيهات الكريمة لتتحقق لنا الخيرية، ولنفوز برضا الله تبارك وتعالى، ولتزول عنا المحن والآفات.
وإنّا لنسأل الله عزّ وجل أن يصرف عن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقهم لكل خير وأن يعزّ دينه ويعليَ كلمته، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى، وعلموا أن تقوى الله عزّ وجل عزّ وسعادة وفلاح ورفعة في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائما وأبدا مع المتقين، واعلموا رعاكم الله أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة, ومن شذ شذ في النار، واعلموا رعاكم الله أن الكيس من عباد الله، من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:٥٦، وقال صلى الله عليه وسلم : "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا", اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصّحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله وألبسه ثوب الصحة والعافية وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأموالنا وأزواجنا وذريتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾، عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر لله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|