السفر آداب وأحكام
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، أيها الناس:
اتقوا الله تعالى, واذكروا نعمة الله عليكم فإن نِعَمَ اللهِ لا تُحْصَى, واشكروه عليها بقلوبكم وألسنتكم وأعمالكم. وتَفكَّروا فيها دائماً فإن التفكر فيها يقود إلى شكرها.
ومِن هذه النعم: تسهيلُ أمرِ السفر على الناس, بَعدَما كانوا يَتَكَبَّدون المسافات الطويلة, سيراً على الأقدام أو الرَوَاحِل. ويُقاسُون شِدَّةَ الحر, أو البرد, والجوع والعطش, وطول مدة الغيبة عن الأهل والبلاد, ويتعرضون لِكثيرٍٍ من المَخاوِف والمَخاطِر. أصبحوا يَتَجَوَّلون في بقاع الأرض آمِنِين مُطْمئنين, بِلا عَناء أو كَلَفَةٍ تُذْكَر, وفي وقت قصير جداً, فَنَحْمَدُ اللهَ على ذلك, ونسأله أن يديم هذه النعمة وأن يرزقنا شكرها واستعمالَها فيما ينفعنا في أمر ديننا ودنيانا.
عباد الله: للسفر آداب وأحكام ينبغي معرفتها:
أولها: الحرص على دعاء السفر في الذهاب والعَوْدَة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كَبَّرَ ثلاثا ، ثم قال: ( سبحان الذي سَخَّرَ لنا هذا وَما كُّنَّا له مُقْرِنِين, وَإِنا إلى ربِّنا لَمُنْقَلِبون, اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى, اللهم هََوِّن علينا سفرَنا هذا, وَاطْوِ عنَّا بُعْدَه, اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل, اللهم إني أعوذ بك من وَعْثاءِ السفر وكَآبَة المنظر، وَسُوءِ المُنْقَلَب، في المال والأهل ). وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ).
ثانياً: التَّحَلِّي بتقوى الله, والبُعْدِ عما يسخطه, مع المحافظة على الواجبات وعدم التهاون فيها. كما سمعتم في دعاء السفر: ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى ).
ثالثاً: إذا كان المسافرون ثلاثةً فأكثر, ينبغي أن يُؤَمِّرُوا أَحَدَهم, لِأَمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بقوله: ( إذا خرجَ ثلاثةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحدَهم ), ولأن في ذلك, جمعاً لِكَلِمَةِ الرِّفقة وانضِباطِ أُمُورِهِم, وعدمِ ظهورِ الفوضى في رحلتهم. وينبغي أن يكون أميرهم في السفر أكثرَهم صلاحاً وعلماً وفقهاً, وكان عليه الصلاة والسلام إذا بعث سرية في سفر أمَّر عليهم أكثرَهم أَخْذاً لِلقرآن.
رابعاً: إذا كانوا اثنين فأكثر وحضرت الصلاة, فلا بد من تعيين مؤذن يؤذن بالصلاة, وإمام يصلي بهم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا خرجتما فليؤذن أحدُكُما وَلْيَؤُمُّكُما أكبَرُكُما ).
خامساً: معرفة الرُّخَصِ التي رَخَّصَ اللهُ بها للمسافر, وهي قَصْرُ الصلاة الرباعية, والفِطْرُ بالنسبة للصائم في شهر رمضان, وزيادةُ المدة في المسح على الخف والجورب إلى ثلاثة أيام بلياليها. وأحكام السفر بالنسبة لقصر الصلاة, والفطر, ومدة المسح, تبدأ بِمُفارَقَةِ البنيان بِنِيَّةِ السفر. فإذا كان المسافر جادّاً في السير, أي: في الطريق, فإن له الجمع بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء. على حسب ما يتيسر له, سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير. أما إذا وصل إلى البلد التي سافر إليها وأقام فيها فإنه يصلي الصلاة في وقتها قصراً من غير جمع, ولا يُشْرَع له الجمعُ إلا عند الحَرَج. وَكثيرٌ من المسافرين يَجْمَعون في كُلِّ حال وهذا خلافُ هَدْيِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
سادساً: ينبغي للمسافر أن لا ينسى ذكرَ الله أثناءَ سَيْرِه, خصوصا, في المُرْتَفعات, والمُنْخَفَضات, قال جابر رضي الله عنه: ( كُنَّا إذا صَعِدنا كَبَّرنا, وإذا نَزَلنا سَبَّحنا ), وهذا عام حتى في الطائرة, فإنه يُشْرَع التكبيرُ عند إِقْلاعِها, والتسبيحُ عند هُبُوطِها إلى الأرض, ولا ينبغي رفعُ الصوت في التكبير والتسبيح في هذه الحال لِنَهْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
سابعاً: إذا أَطَالَ المسافرُ الغَيْبَة عن أهلِه, وأراد أن يَعُودَ فلا ينبغي له أن يُفَاجِئها برجوعه, بل ينبغي أن يُخْبِرَها بذلك, كي تَستَعِدَّ له, ولأن ذلك يُحْرِجُها, فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن يَطْرُقَ الرَّجلُ أهلَه حتى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَة, وتَسْتَحِدَّ المَغِيبَة ). والشعثة والمغيبة: الزوجة. والمقصود, كي تستعد لزوجها, بالتنظف وإزالة الأذى وتسريح الشعر.
ثامناً: يُستحب لمن قدم من سفر أن يبدأ بالمسجد أولاً قبل دخول البيت, لما رواه البخاري ومسلم عن كعب بن مالك رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ عباد الله:-
لِيَحذَرَ المسلمُ من أن يسافر سَفَرَ معصية, لما في ذلك من إنفاق المال وبذل الجهد فيما يسخط الله, ولما في ذلك من كُفْرِ النِّعمة. ولِيَعلَمَ المسلم أن أفضل السفر ما كان في طاعة الله, كالسفر من أجل الحج والعمرة, أو الدعوة إلى الله.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم استعملنا في طاعتك وما يقربنا لمرضاتك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكّاماً ومحكُومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد .
|