اَلْنِّعْمَةُ اَلْجَلِيَّة فِيْ وُجُوْدِ
اَلْمَمْلَكَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلْسُّعُوْدِيَّة
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ ، الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ، وَمِنْ هَذِهِ النِّعَمِ : نِعْمَةُ وُجُودِكُمْ وَانْتِمَائِكُمْ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ ، الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ ، وَحَدِيثُنَا الْيَوْمَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مِنْ بَابِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ ، وَمِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ؛ حَثُّنَا لِبَعْضِنَا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى نِعْمَةِ هَذِهِ الْبِلاَدِ ، وَتَذْكِيرُ الْغَافِلِ مِنَّا بِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِ وَحَرَمَ مِنْهُ غَيْرَهُ ، وَالذِّكْرَى ﴿تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَمَنْ وُلِدَ وَتَرْعَرَعَ وَشَبَّ وَكَبِرَ فِيمَا نَنْعَمُ بِهِ ؛ يَجْهَلُ الْقِيمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِهَذِهِ الْبِلَادِ ، فَكُلُّ مَا نَجِدُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَمَا نَعِيشُهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ؛ مِنْ وَفْرَةِ أَمْنٍ وَوَحْدَةِ صَفٍّ وَصِحَّةِ عَقِيدَةٍ وَسَلَامَةِ مَنْهَجٍ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَةٍ ؛ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْمُبَارَكَةِ ، بَلْ كَانَ الْمَوْجُودُ نَقِيضَهُ وَخِلَافَهُ ، كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ ، تَقْطُنُهَا قَبَائِلُ مُتَنَاحِرَةٌ ، وَتَسُودُهَا مُعْتَقَدَاتٌ بَاطِلَةٌ وَمَبَادِئُ فَاسِدَةٌ ، الْوَلَاءُ وَالْبَرَاءُ لِلْقَبِيلَةِ ، وَالْحُبُّ وَالْكُرْهُ لِأَجْلِ الْعَشِيرَةِ ، بَلْ إِلَى مَا هُوَ أَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ ؛ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى ، فَقَدْ بُنِيَتِ الْقِبَابُ عَلَى الْقُبُورِ ، وَوُجِدَ مَنْ يَتَوَسَّلُ بِأَصْحَابِهَا لِجَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ، بِاخْتِصَارٍ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ كَانَ الْوَضْعُ مُزْرِيًا بِجَمِيعِ جَوَانِبِهِ وَأَحْوَالِهِ ، حَتَّى وَفَّقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ مِنَ الْأَرْضِ رِجَالًا لَمْ يَأْلُوا جُهْدًا ، وَلَمْ يَدَّخِرُوا وُسْعًا لِإِعَادَتِهَا إِلَى مَا افْتَقَدَتْهُ مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ ، فَبَذَلُوا الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ ، فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ شَرْعِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، وَنُصْرَةً لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى صَارَتْ إِلَى مَا نَنْعَمُ بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَكَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾.
فَبِلَادُكُمْ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - قَامَتْ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَالْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ السَّلِيمِ ، شِعَارُهَا قَوْلًا وَعَمَلًا ؛ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَقَامَتْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ . الشِّرْكُ فِيهَا لَا أَثَرَ لَهُ ، وَلَا دَاعِيَ إِلَيْهِ ، وَلَا نَاصِرَ لَهُ ، رَايَةُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَرْفُوعَةٌ ، وَالْبِدْعَةُ فِيهَا مُحَارَبَةٌ مُحَاصَرَةٌ مَقْمُوعَةٌ ، فَهِيَ أَفْضَلُ دَوْلَةٍ مُنْذُ أَلْفِ سَنَةٍ ، فَلَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ دَوْلَةٌ أَفْضَلُ مِنْهَا ، شَرَّفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخِدْمَةِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ خَيْرَ قِيَامٍ ، فَلَا يُوجَدُ نَظِيرٌ لِمَا قَامَتْ بِهِ عَبْرَ التَّارِيخِ مُنْذُ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَلِذَلِكَ يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ ابْنُ بَازٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ وَأَسْكَنَهُ وَوَالِدِينَا فَسِيحَ جَنَّاتِهِ ـ يَقُولُ : السُّعُودِيَّةُ أَفْضَلُ دَوْلَةٍ سَلَفِيَّةٍ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ ، لَا يُوجَدُ دَوْلَةٌ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ نَشَرَتِ التَّوْحِيدَ وَالْعَقِيدَةَ السَّلَفِيَّةَ أَفْضَلَ مِنَ السُّعُودِيَّةِ . السُّعُودِيَّةُ بِلَادُ الْحَرَمَيْنِ وَمَأْرِزُ التَّوْحِيدِ وَمُنْطَلَقُ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ ، الْعَدَاءُ لِلدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ عَدَاءٌ لِلدِّينِ . وَقَدْ صَدَقَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّاتِهِ ، ائِتُونِي بِدَوْلَةٍ تَهْتَمُّ بِدِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْمُبَارَكَةِ ، الَّتِي مِنْ أُولَى اهْتِمَامَاتِهَا ، وَأَهَمِّ مُكَوِّنَاتِهَا ؛ وَزَارَاتٌ وَهَيْئَاتٌ ، تُنْفِقُ عَلَيْهَا الْأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ ، مِنْ أَجْلِ الدِّينِ وَخِدْمَتِهِ وَإِعْزَازِهِ وَنَشْرِهِ ، وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ ؛ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ ، الَّتِي كِبَارُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ فِيهَا ، وَالَّتِي لَهَا مَكَانَتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا ، وَتِلْكَ الْوَزَارَةُ الْعِمْلَاقَةُ ، وَزَارَةُ الشُّؤُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ ، الَّتِي هَمُّهَا وَشُغْلُهَا الشَّاغِلُ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَاخِلِ الْمَمْلَكَةِ وَفِي خَارِجِهَا ، وَمِثْلُهَا وَزَارَةُ الْعَدْلِ ، وَمَحَاكِمُهَا الَّتِي تَحْكُمُ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَسْتَوِي فِيهَا الشَّرِيفُ وَالضَّعِيفُ ، وَالْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ ، وَهَذَا لَا تَجِدُ لَهُ مَثِيلًا فِي زَمَانِنَا هَذَا إِلَّا فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ :
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
مَآثِرُ هَذِهِ الْبِلَادِ ، وَنِعَمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا لَا تُحْصَى ، وَلَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الذِّكْرَى ، وَكَمَا ذَكَرْنَا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، فَيَنْبَغِي لَنَا وَيَجْدُرُ بِنَا مِنْ هَذَا الْبَابِ ، تَذْكِيرُ أَبْنَائِنَا وَمَنْ يَجْهَلُ مِنَّا بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ ، وَكَيْفَ كَانَتْ وَمَا إِلَيْهِ آلَتْ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ » ، وَمِنْ شُكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتُهُ ، وَامْتِثَالُ أَمْرِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ أَمْرَنَا بِيَدِهِ ، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ، وَالدُّعَاءُ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ لَهُ ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم » وَمَعْنَى تُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ؛ أَيْ : تَدْعُونَ لَهُمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ : لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً لَصَرَفْتُهَا لِلسُّلْطَانِ .
وَمِنْ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشُكْرِهِ عَلَى نِعْمَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ : إِصْلَاحُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ ، وَالْحَذَرُ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي هَلَاكِ مُجْتَمَعِهِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ : « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا » .
وَأَخِيرًا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مِنْ شُكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ ، حَذَرُ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَوًى لِأَعْدَائِهِ وَالْمُتَرَبِّصِينَ بِهِ وَالشَّامِتِينَ بِأَهْلِهِ ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ - أَيْ : رَوَاهُ تَابِعِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ ، اللهَ اللهَ لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِهِ » ، الْعَاقِلُ لَا يَكُونُ سَبَبًا فِي الْإِسَاءَةِ إِلَى بَلَدِهِ ، وَخَاصَّةً إِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ قَدْ تَمْتَدُّ إِلَى دِينِهِ وَوَلِيِّ أَمْرِهِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِالسَّمْعِ لَهُ وَطَاعَتِهِ ، وَجَعَلَ فِي الْأَعْنَاقِ بَيْعَتَهُ .
اللَّهُمَّ أَوْزِعْنَا شُكْرَ نِعَمِكَ ، وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِينَ شَاكِرِينَ ، عَابِدِينَ حَامِدِينَ ، مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْمُخْلَصِينَ الْمُخْلِصِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا دِينَنَا وَعَقِيدَتَنَا وَتَوْحِيدَنَا وَوَحْدَتَنَا وَبِلَادَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، وَجَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.
عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: