مع بداية الدراسة النظامية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً،
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .
أيها الإخوة
المسلمون: بعد غدا هو أول أيام الدراسة النظامية لهذا العام الجديد, فماذا عسى لمتحدث
أن يتحدث فيه, وماذا عسى لخطيب أن يخطب عنه, من أي زاوية يمكن أن ينظر إلى التعليم,
وفي أي مرحلة من المراحل يحلو الكلام, وكل ما يمكن أن يتحدث عنه في التعليم النظامي
يمكن أن يقوض بالقول: نحن محكومون بقرارات وزارية لا يسوغ لنا التقدم عليها أو التأخر
عنها قيد أنملة, فما على الطالب أو العامل في مجال التعليم ألا أن ينفذ ما يطلب منه
وربما لو اقتصر على ذلك لكان مشكورا مأجورا, ولكن هيهات والعوارض كثيرة, والهمم ضعيفة
, والروتين قاتل .
أيها الإخوة: ما أكثر التساؤلات التي تدور في
خلج المفكرين والعقلاء من الناس حول التعليم والتعلم خصوصا في بداية كل عام دراسي,
يأتي في طليعة تلك التساؤلات السؤال بـ: لماذا مخرجات التعليم ليست بالمستوى المرجو
سيما ونحن في عصر المعلوماتية والتقنية الحديثة, وانتقاء وتنقية المعلومة, ووضعها
بين يدي الطالب بأبهى حلة وأحسن أسلوب؟ والسؤال بـ: لماذا التعليم في الحاضر تغير عنه
في الماضي تغيرا يكاد يكون جذريا من كل زواياه ؟
فتأتي إجابات كثيرة وكثيرة على هذه التساؤلات لعل من أهمها: القول بفقدان العملية
التعليمية لاهم مقوماتها وأسسها ذلكم هو الإخلاص في الطلب وحسن التدبير لدى المعلم
والمتعلم, وكذلك فقدان التعليم هيبته ومكانته في النفوس, والثالث فقدان البركة العلم
وحسبكم بهذه الأسباب مفسدة ومدمرة للعملية
التعليمية, حيث أنه من المعلوم أن ما بني على شيء قام عليه قوة أو ضعفا, صحة أو سقما,
فإذا تقرر هذا وجب على الجميع العمل على إعادة التعليم في نصابه الصحيح, والسير به
إلى شط النجاة كل بحسبه وإلا جنى الجميع تناج التقصير والإهمال فعمت الخسارة وعظمت
الفداحة0 ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
للعلم – أيها الإخوة – أهميته ومكانته التي لا
تخفى على العقلاء وأصحاب الحجا , بل قد لا يخفى شيء منها حتى على البسطاء , فالله تعالى
قد أثنى على العلماء بقوله ( شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائما
بالقسط ...) وقال سبحانه ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقال سبحانه
( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ونحو ذلك من الآيات الكثيرة التي واحدة منها كافية
في إقامة الحجة, وحسب العلم شرفا أن كلا ينتسب إليه, وحسب الجهل ذما أن كل يتبرأ
منه. لو قدر لأحدنا بعد غدا ليسأل كل القادمين إلى المدارس بأبنائهم الصغار في المرحلة
الابتدائية قائلا لكل واحد منهم: لماذا أتيت بابنك إلى المدرسة؟ ليسمعن من الإجابات
العجب العجاب ولاستغرب أشد الغرابة, وليأسفن أشد الأسف على الحال التي وصل إليها بعض
أبناء المجتمع , هذا يقول: قد أشغلنا هذا الصبي في البيت فأردنا أن يقضي نصف النهار
في المدرسة حتى نرتاح منه ومن لعبه وشقاوته هذا الوقت. وذاك يقول: أريد أن يتعلم ابني
حتى يحصل على الشهادات العالية فيتقاضى مرتبا كبيرا ويحصل على رتب عالية. وآخر يقول:
أريد أن يتخرج ابني فيحصل على وظيفة ذات وجاهة ومكانة عالية في المجتمع . وغير ذلك
من الإجابات التي لا تخفى, ولعل القليل منا من يقصد بتعليم أبنائه وجه الله والدار الآخرة أولا
ولو جاءت ثمرة التعليم الدنيوية عاجلة فليست هي الهدف الأول لديه .
ومن هنا فإن الواجب علينا جميعا – أيها الإخوة
- ونحن في بداية هذا العام الدراسي الجديد
استحضار النية الصالحة في تعليمنا لأبنائنا حينما نلحقهم في معاقل التعليم ودور التربية
فننوي بذلك أداء المسؤولية التي في أعناقنا تجاه أبنائنا, وننوي بتعليمهم رفع الجهل
عن أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم وأن يعبدوا الله على بصيرة من أمرهم , نبتعد عن النوايا
السيئة أو المادية البحته , نختار لأبنائنا المدارس التي تميز معلموها بالعلم والعمل
والأدب والجد والاجتهاد , نختار لهم الرفقة الصالحة, فإن المدارس اليوم جامعة لأناس
كثر مختلفي الأنساب والأعراق والثقافات والعادات والتقاليد, يتأثر بعضهم ببعض , ولذا
فإن تحصين الأبناء عن جلساء السوء واجب في أعناق الأولياء. كما يجب علينا تعاهد الأبناء
في مدارسهم باستمرار ومتابعة أحوالهم أولا بأول, فإنه وجد من الآباء من لا يعرف في
أي مدرسة يدرس ابنه ولا في أي مرحلة فضلا عن أن يعرف مدى مستواه وتحصيله العلمي.
فلنتق الله – أيها الإخوة – ولنحّسن مع النية العمل
فإحسان النية فقط لا يكفي, كما أن إحسان العمل وحده لا يكفي , فإحسان النية والعمل
كالجناحين للطائر إذا انكسر احدهما تعذر الانتفاع بالآخر, والأسوأ من ذلك كله سوء النية
والعمل جميعا , كيف وقد قال الله تعالى ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا
ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )
أعاذنا
الله وإياكم من الشرور كلها, وأصلح إعمالنا
ونياتنا وذرياتنا , بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله
وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
, كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له , وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الإخوة: يهتم الجميع من الآباء والأمهات
في بداية الدراسة بتوفير كل ما يحتاجه أبنائهم للمدرسة من الملابس والكتب والأقلام
ونحو ذلك, ولا يرضى أحدهم بأن يتأخر ابنه عن وقت الدوام الرسمي دقيقة واحدة ويسعى في
إيصال أبنائه في الوقت المحدد أو قبل ذلك, وهم بإذن الله بذلك مأجورين وعلى ما يقدمون
مشكورين, ولكن العجيب في الأمر أن الكثير من الأولياء هدانا الله وإياهم اهتمامه بأمر
الدين والعبادة والصلاة تجاه أبنائه ضعيف وأضعف من الضعيف بل عند البعض عياذا بالله
معدوم, يسكنون بجوار المساجد يسمعون النداء في اليوم والليلة خمس مرات ولا يشهدون الصلاة
مع المسلمون, يرون حلقات تحفيظ القرآن يرتادها الطلبة ولا يلحقون أبنائهم بها ولا يحثونهم
على الإتحاف بها. فيامن هذا حاله لتتقي الله في نفسك وأبنائك, ولتجمع بين الحسنيين,
ضم إلى اهتمامك في دنيا أبنائك اهتمامك في دينهم, وأبشر بالعاقبة الحميدة من الصلاح
والبر والإحسان, ولو اهتممت بصلاح نفسك أولا ثم بأمر دينهم فقط فسيكفيك الله أمر دنياك ودنياهم , وقد قال الله تعالى مبينا أن صلاح الاب
كفيل بحفظ حق الابن قال سبحانه ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان
تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا .......) فصلاح الآباء بأنفسهم يحفظ حقوق الأبناء
في حياتهم وبعد مماتهم .
أيها الإخوة: التعليم النظامي في بلادنا من أعظم
النعم علينا قد وفرت الدولة وفقها الله كل ما يلزم للعملية التعليمية من مدارس وكتب
ومدرسين وغير ذلك كثير وكثير وكله بالمجان ودون مقابل, وهذه النعمة الم تقابل بالشكر
فاقل سلبياتها نزع البركة منها الذي هو حاصل الآن عند بعض الناس, فإن الملاحظ على الطلبة
بغضهم للمدرسة وإصدارهم التأفف من مقدمها,
وربما بعضهم يسب المدارس ويتكلم على المدرسين وربما اعتدى عليهم وعلى مرأى ومسمع وعلم
من آبائهم , ولم يبينوا لهم أهمية هذه النعمة التعليمية والحفاظ عليها ولم يذكروا لهم
مميزاتها وإيجابياتها, ويحثونهم على بذل أسباب حفظها أو يأطروا من يند منهم عن الحق
أطرا ويردوهم إلى معرفة النصوص الشرعية في شان العلم والتعليم ويلتزموها تعبدا لله
وطمعا في تحصيل كل المصالح ودفعا لكل المفاسد.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا ،
اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم اهد شباب المسلمين اللهم احفظ شباب المسلمين ،
اللهم أصلح دور التعليم، ووفق القائمين عليها لكل خير، اللهم أقرّ أعيننا بصلاح
المجتمع صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً يا سميع الدعاء، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا
الجلال والإكرام، إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد
ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد : أن تحفظ بلادنا من كل شر ومكروه، اللهم احفظ بلادنا
من كيد الفجار وشر الأشرار ، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا، ولا تسلط علينا
بذنوبنا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه
على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن العام الدراسي تجدها
هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=133 |