فضل العلم والقلم
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد
أيها المسلمون : اتقوا الله حق التقوى ، فبالتقوى تنفتح لكم أبواب الخيرات . التقوى عباد الله مفتاح العلم ، وسبب الفقه والفهم ، قال الله جل وعلا : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا )) فبالتقوى يفرق المرء بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والخطأ والصواب .
وبالتقوى تستنير البصائر ، وتهتدي العقول : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ )) .
عباد الله :
أمتكم أمة علم وقراءة ، فاقرؤا يا أمة الإسلام ، اقرؤا كباراً وصغاراً ، اقرؤا ذكوراً وإناثاً .
اقرؤا القرآن وتفسيره خير الكتب وأبركها أصل العلوم .
اقرؤا السنة وشرحها ،،، اقرؤا العلوم النافعة والمعارف المفيدة .
اقرؤا فأمتكم أمة ( اقرأ ) ... أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ، وأول أمر هي كلمة ( اقرأ ) ، فهي أول أمر نزل ، ضمن خمس آيات : (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) .
فاقرأ يا كل مسلم مستعيناً بربك الذي خلقك لا تعلم شيئا ً وجعل لكم السمع والبصر والفؤاد أدوات للتعلم .
اقرأ يا كل مسلم بنية صالحة وسيكرمك الأكرم بالعلم والفهم .
أيها المسلمون : أحبوا القلم والكتاب ، فربكم الأكرم الذي علمكم الكتابة بالقلم يحب القلم ، فلقد شرف الله القلم :
فخلقه بيده ضمن أول المخلوقات قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( خلق الله بيده أربه أشياء : العرش وجنة عدن والقلم وآدم ) أثر صحيح له حكم الرفع .
وأنزل ذِكْرَه كوسيلة للعلم في أول خمس آيات أنزلها من القران .
وجعل في القرآن سورة تسمى باسمه ، وافتتحها بالقسم الله به فقال: (( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)) .
فما أشرف القلم ، وما أرفع شأنه ، وما أعظم منة الله على عباده بالقلم .
فلقد حُفظ بالقلم الكتاب الأعظم ، كلام ربنا الأكرم .
ودونت بالقلم السنن فكتبت أحاديث النبي الذي لا ينطق إلا عن وحي يوحى .
وكتب بالقلم آثار الصحابة الذين فسروا بأقوالهم وأفعالهم مرادات الله ومرادات رسوله صلى الله عليه وسلم .
وكتب بالقلم تاريخ الأمم ، وأخبار الحضارات وعلومها ومعارفها على مر الزمن . فبالقلم حفظ العلم ودونت الدواوين ،
أيها المسلمون :
• العلم ميراث الأنبياء ( فالأنبياء ورثوا العلم فمن أخذ العلم أخذ بحظ وافر ) فإن أردت أن يقسم لك من الميراث فاحضر مجالس العلم ، وارتد محاضنه
• بالعلم فضل الله آدم عليه السلام على الملائكة ، رغم أنهم لا يفترون عن الطاعة ولا يعصون ، فأمرهم الله بالسجود لآدم تكريماً .
• وتضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم ، ( وإن طالب العلم يستغفر له كل شي حتى الحيتان في البحر ) .
• و ( فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) .
عباد الله :
• بالعلم والإيمان ترتفع الدرجات : (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) .
• وبالعلم يُسَهَّل الوصول إلى الجنة : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة ) رواه مسلم .
• وبالعلم تتحقق النجاة ، فيسأل الملكان الميت في القبر : ( من ربك ؟ ، ما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فإن أجاب المؤمن ، يقول الملكان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ) .
عباد الله : العلم شرط من شروط لا إله إلا الله (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) فبالعلم نعتقد في ربنا المعتقد الصحيح ، ونحقق التوحيد ، ونعرف الِإيمان (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
فتعلموا عباد الله ، فبالعلم تزداد قلوبكم معرفة بربكم وله خشية (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) ، وبالعلم تُعْصَمُون من مضلات الفتن ، وتسلمون من الشبهات ، وبالعلم تقيمون الفرائض كما يرد الله ، وتعبدون الله على بصيرة ، وبالعلم تفرقون بين الحلال والحرام ، وبالعلم تتقنون فنون تسيير الحياة ، وقيادة الذات .
بالعلم والإيمان ترتقي الأمم ، بالعلم تهتدي البشرية في الظلم ، وتسود حياتهم القيم .
فتعلموا يا عباد الله ، فـ ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) [ رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، صحيح الجامع ( 3914 ) ] .
وهذا الخطاب والنداء كما أنه موجه للأبناء والبنات ، هو أيضاً خطاب موجه للآباء والأمهات ، والكبار والصغار ، والرجال والنساء ، فليس على العلم كبير : (( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ )) (( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وفهماً .. وحبب إلينا العلم والقراءة والكتابة . بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من المواعظ والحكمة ، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مَالكِّ يَومَ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أنَّ محمدًا خاتم النبيّين وأفضل المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
أيها المسلمون : لا شيء يعدل فضل العلم إذا صحَّت النية ، قال ذلك الإمام أحمد ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ) أخرجه الترمذي بإسناد حسن .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن طالب العلم تحفه الملائكة وتظله بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب ) حديث حسن ، صحيح الترغيب ح ( 71 ) ..
فيا أبناء المسلمين : هل تستحضرون هذا وأنتم خارجون كل صباح إلى المدارس ؟ .
أحبوا الدراسة والمدارس يا أبناءنا من أجل ذلك ، ومن أجل الفضائل التي سمعتم ، ففي المدارس تلقون العلم ، وفيها تعلمتم القراءة والكتابة بالقلم ، أفلا تحبون ما يحبه الله ؟ فالله يحب العلم ، ولا يستوي عنده الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، والملائكة تحب طلبكم للعلم ، والأنبياء ما ورثوا لكم إلا العلم ..
فافتحوا نفوسكم للعلم والدراسة ، واستحضروا الفضائل ، وحفزوا أنفسكم بها نحو الجد في طلب العلم .. فمتى تقرؤون إن لم تقرؤا في المدارس ؟ ومتى تتعلمون إن لم تهتموا بعلم المدارس ؟ .
وإنكم تدرسون ضمن مناهجكم منهاج شرعية فيها علم الكتاب والسنة الذي جاءت فضائله في النصوص ... وتتعلمون العلوم الدنيوية ، ولكم فيها خير إن صلحت نياتكم ، ودرستموها لتعدوا أنفسكم لنفع أمتكم ومجتمعاتكم وأهليكم ، وتكونوا عباداً لله صالحين مصلحين أمينين مهما كانت اختصاصكم .
قال الشافعي رحمه الله ( لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من علم الطب ، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه ) .
فاللهم حبب إلينا العلم والقراءة والكتابة ، وقو عزائمنا وعزائم أبنائنا نحو تعلم العلم النافع يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الفقر والغـنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضى بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فـتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعـلنا هداة مهتدين يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك، ونحن غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن ، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا متين .
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف
اللهم يا غني يا حميد يا كريم يا جواد لا رب لنا سواك فندعوه , ولا إله لنا غيرك فنرجوه , اللهم أغثنا , اللهم أغثنا , اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئا مريعاً سحاً غدقاً عاماً مجللآ نافعاً غير ضار ..
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأغثنا ، يا رحمن رحمتك نرجو فارحمنا وأغثنا .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت , أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث , واجعل ما أنزلت قوة لنا على طاعتك ومتاعاً إلى حين .
اللهم يا رحمن يا رحيم يا رزاق ارْحَم وارزق عبادك وبهائمك , واسق بلدك الميت وانشر رحمتك يا من عظم فيك رجاؤنا لا تردنا خائبين ولا من رحمتك يائسين يا حيي يا كريم
يا حيي يا كريم لا تقلبنا محرومين أنت حسبنا فجُدْ علينا برحمتك ورزقك وامتنانك يا أرحم الراحمين ويا خير المسئولين ويا أكرم المعطين .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.