الطوام في فعلة سفهاء الأحلام
18/12/1436هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون : عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثهم فَقَالَ : ((إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا )) الحديث أخرجه مسلم . اللهم إنا نستعين بك ونستهديك .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا (( أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ ، قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : (( إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ ، قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ومَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قَالَ: لَا . إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُم الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ )) ، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ، اللهم اعصمنا من مضلات الفتن ، لقد رأيناه وشهدناه في زماننا ، فما أصدق هذا الحديث على حادثة الأسبوع الماضي .
حادثة والله شنيعة ، وجريمة بشعة فظيعة ، هزت مشاعرنا ، وعكرت علينا روحانيتنا وفرحتنا في عيدنا .
إنها حادثة قتلِ شابين حَدَثيْن لابن عمهما ، وقتلِ أربعةٍ آخرين من المؤمنين .
اجتمع في فعلة هؤلاء ، قبائح موبقات ، وعظائم من المحرمات ، وانتهاك لحرمات ، ظلمات بعضها فوق بعض .
فما دافع هؤلاء الأحداث السفهاء ؟ .
كما صرحوا وسجلوا، كان دافعهم - وهو أول طوامهم وقبائحهم - : انتحالهم نحلة الخوارج المارقين ، ومبايعتهم لخليفتهم المزعوم ، فكفروا ولاة هذه البلاد ، وكفروا كل من يعمل معهم في العسكرية ، فكفروا ابن عمهم لأنه عسكري واستحلوا دمه ، وأعلنوا استحقاقه للقتل واستحقاق كل عسكري .
وبهذا يكونون قد خرجوا من دائرة أهل السنة ودخلوا في دائرة أهل الضلال والبدعة ( الخوارج المارقة ) (( شر الخلق والخليقة )) و (( شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) .
أيها المسلمون : وللعلماء قولان في الخوارج هل هم كفار ؟ أم فقط مبتدعة ضُلَّال ؟ جَمْعٌ منهم يذهبون إلى القول بكفرهم ومن الأئمة المعاصرين القائلين بذلك الشيخ ابن باز رحمه الله ، وذلك للنصوص النبوية التي يدل ظاهرها على خروجهم من الإسلام ، كقولة صلى الله عليه وسلم فيهم في الصحيحين : (( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية )) وفي صحيح مسلم : (( يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة )) وغير ذلك من الألفاظ النبوية .
عباد الله : ويكون هؤلاء القتلة بانضمامهم لفرقة الخوارج قد نقضوا بيعة إمامهم وخرجوا من الطاعة وفارقوا الجماعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين يقول: (( من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية )) وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: (( من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) .
قال الله تعالى بعد ذكر البيعة : ((فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) .
فاثبتوا يا أهل السنة وثبتوا أولادكم وأهليكم على البيعة والسمع والطاعة والجماعة لتموتوا ميتة أهل الإسلام ، وسيؤتيكم ربكم أجراً عظيما .
أيها المسلمون : ثاني القبائح والمحرمات والطوام التي اشتملت عليها فعلة هؤلاء : قتلهم أنفساً مسلمة بغير حق ، وإراقتهم الدم الحرام ، وهو من الموبقات ومن أعظم المحرمات ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا )) [أخرجه النسائي وصححه الألباني] .
-وحرمة دم المؤمن أشد من حرمة الكعبة المشرفة كما جاء في الحديث عن الكعبة : (( ما أعظمك وأعظم حرمتك ، ولَلْمؤمن أعظم حرمة منك عند الله )) حديث صحيح . ولم يأت وعيد على ذنب دون الشرك مثلما جاء من الوعيد على القتل ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) .
عباد الله : وزادوا فعلهم للقتل قبحاً وشناعة وإثما ، وهي الطامة الثالثة من طوامهم : تكفيرهم بغير علم ولا برهان ، للمسلم الذي قتلوه ، ثم استحلالهم لدمه ، بل وتقربهم إلى الله بإراقته ، ، فاستحلال المحرم المجمع على تحريمه ناقض من نواقض الإسلام ، إلا إذا كان الاستحلال بشبهة أو تأويل . وتكفير المسلم يقول فيه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق : (( أيما رجل قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه )) .
أيها المسلمون : الرابعة من طوام فعلتهم : أنهم انتهكوا حرمة الشهر الحرام ، شهر ذي الحجة أعظم الأشهر الحرم حرمة ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )) .
وحرمة أخص قد انتهكوها وهي: حرمة أعظم الأيام عند الله يوم عيد الأضحى يوم النحر ، خاتمة الأيام العشر المعظمات من شهر ذي الحجة ، فالويل لمنتهك حرمات الله ، فالله العظيم يغار على حرماته إذا انتهكت ، وبطش الله شديد .
فاتقوا الله عباد الله وعظموا حرماته ((وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ )) .
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين ، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مَالكِّ يَومَ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أنَّ محمدًا خاتم النبيّين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
أيّها الناس : الخامسة من قبائح وطوام فعلة سفهاء الأحلام : أن قتلهم كان ( غيلة ) ، جاء في قرار هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبدالله بن حميد وعضوية ابن باز وجمع من إخوانهم العلماء رحمهم الله قالوا : [ قتل الغيلة هو ما كان عمدا وعدوانا على وجه الحيلة والخداع ... كأن يخدع إنسانٌ شخصا حتى يأمن منه ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد ، ثم يقتله ، لذا قرر المجلس بالإجماع - ما عدا الشيخ صالح بن غصون - أن القاتل قتل غيلة يقتل حداً لا قصاصا ، فلا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد ، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى : أما الكتاب : فقوله تعالى: (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أو يصلبوا.... )) الآية ، وقتل الغيلة نوع من الحرابة فوجب قتله حدا لا قودا . ] أ.هـ.
عباد الله : السادسة من قبائحهم وموبقاتهم : قطيعة الرحم ، وأي قطيعة أعظم من سفك دم ذي الرحم وقتله ظلما وعدوانا ، فقد قتلوا ابن عمهم ، وقد قال الله عز وجل قي الرحم: ((خَلَقْتُ الرّحِم وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اْسِمي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ)) أي قطعته [ حديث قدسي صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود ] ، وقال الله في الكتاب : ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )) إي والله إنهم عمي البصائر سفهاء الأحلام ، يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء .
فاللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام رادين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم إنا نسألك رحمة تصلح بها شأننا وتعصمنا بها من مضلات الفتن ، اللهم لا تقطعنا من رحمتك ، واجعلنا ممن يصلون ما أمرت به أن يوصل يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا واستقرارنا ، اللهم احفظ بلادنا من شر الأشر وكيد الفجار، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا ، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا ، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|