ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد، أيها المسلمون: اتقوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا
أنَّ كُلاً مِنْكُم راعٍ، وَكُلاً مِنكُم مسئولٌ عن رعِيَّتِه، فلا تَغْفَلًوا عن
ذلِكَ، كَيْ لا تُضَيِّعُوا مَسْئولِيَّاتِكُم وأَماناتِكُم. أَلاَ وإِنَّ مِنْ
أعْظَمِ مَسْئولياتِ المُسلِم، ما وَرَدَ في قولِهِ تعالى: ( يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ). فهذِهِ الآيةُ التي تُسَمَّى آيةُ الحِجاب، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَسْئُولِياتِ الرَّجُلِ تُجاهَ نِسائِه، أَمْرَهُنَّ بالحِجابِ، ونَهْيَهُنَّ عَن كُلِّ ما يكونُ سَبباً في أذِيَّتِهِن
وإِثارَةِ الرِّيبَةِ حَوْلَهُن، وَسَدَّ كُلِّ بابٍ يَدْخُلُ منهُ أصحابُ
القُلوبِ المَريضة، وَذلِكَ بِأَنْ ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلالِيبِهِن )، التي فوق الثِّيابِ مِنْ مِلْحَفَةٍ وَخِمارٍ وَرِداءٍ ونَحْوِه، أيْ: يُغَطِّينَ
بِها وَجُوهَهُنّ وَصُدُورَهُن، وقَدْ ذَكَرَ اللهُ حِكْمةَ ذلك فقال: ( ذلكَ
أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ )، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنه لابُدَّ
مِنْ وُجُودِ أَذِيَّةٍ إذا لَمْ يَحْتَجِبْن، لأنهُنَّ إذا لَمْ يَفْعَلْنَ ذلك، رُبَّما ظُنَّ أَنَّهُنَّ غَيْرُ عَفيفات، فَيتَعَرّضُ لَهُنَّ مَنْ في قلبِهِ
مَرضٌ فَيُؤْذِيَهُن. وهذا هُوَ مَعْنَى قولِهِ: ( أَن يُعْرَفْن )، أي يُعْرَفْنَ
بِعَدَمِ العِفَّة، ولَيْسَ الْمُرادُ أَنْ يُعْرَفَ أَهْلُهُنَّ وأسماؤُهُن.
فالاحْتِجابُ حاسِمٌ لِمَطامِعِ الطامعين. وفي هذِهِ الآيةِ الكريمةِ فوائد: أَوَّلُها: أن الرَّجُلَ يبدأُ بأهلِه
وأقارِبِه في الإصلاحِ والنصيحة، لقولِهِ تعالى: ( قُلْ لِأزواجِكَ وبناتِك ).
وَغَفْلَةُ الآباءِ والأزواجِ عنِ تَوْجِيهِ بناتِهِمْ وزوجاتِهِم أَمْرٌ خطير، وَقَدْ يُجَرِّيءُ الْمَرْأةَ على التَّبَرُّجِ أوِ التَساهُلِ في أَمْرِ الْحِجاب، لِأَنَّ المَرْأةَ ضعيفةٌ، وتَتَأثَّرُ بِما تَرَى وتَسْمَع. وكثيرٌ مِنَ النساءِ
اليومَ تَجَرَّأْنَ على كَثْرَةِ الْخُروجِ، وَلُبْسِ بَعْضِ الألبِسَةِ
الْمُخالِفَةِ لِشُرُوطِ الحِجاب، بِسبَبِ قِلَّةِ النصيحةِ والتَّقصيرِ في
الرَّقابَة. ومِنْ فوائِدِ الآية: وُجُوبُ الْحِجابِ
وَوُجوبُ الأَمْرِ بِه، قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهُما في تفسيرِ الآية: "
أَمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنين إذا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ في حاجَة، أنْ
يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ بالْجَلابِيبِ، وَيُبْدِينَ
عَيْناً واحدة "، وقالت أُمُّ سَلَمَةَ رضي اللهُ عنها: " لَمَّا نزلَت
هذه الآية: ( يُدْنِينَ عليهِنَّ مِنْ جلابِيبِهِن ) خَرَجَ نساءُ الأنصارِ
كَأَنَّ على رُؤوسِهِنَّ الغِربانُ مِنَ السَّكِينَة، وعَلَيْهِنَّ أَكْسِيَةٌ
سُودٌ يَلْبَسْنَها ". ذَكَرَ ذلكَ ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ في تفسيرِه. وإِنَّ
مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ ما نَراهُ اليومَ في وسائِلِ الإعلامِ مِنْ تَشْوِيهٍ
لِمَفْهُومِ الحِجاب، حَيْثُ تَظْهَرُ بَعْضُ النساءِ فيه بِحِجابِها
الإِعْلامِيِّ، أمامَ الْمُشاهِدينَ رجالاً ونِساءً، وَقَدْ اكْتَفَتْ بِمِنديلٍ أو
قِطْعَةِ قُماشٍ تُدِيرُهُ عَلَى حَنَكِها، وتَكْتَفِي بِذلِك، ثُمَّ لا يَضُرُّها
ما لَبِسَتْ مَعَهُ مِنَ الأَلْبِسَةِ، حَتَّى لَو كانَ بِنْطالاً أو ضَيِّقاً
أوقَصيراً أو مُلْفِتاً، وقَدْ تُجَمِّلُ وَجْهَها بالمِكياجِ، وَتَعْتَبِرُ
نَفْسَها بِذلِكَ مُحَجَّبَةً بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِرْقَةِ التي تَحَنَّكَتْ بِها، لأَنَّ هذا هُو العَلامَةُ الفارِقَةُ بَيْنَ الْمُحَجَّبَةِ وغَيْرِها مَعَ
الأَسَف، والْمُصيبَةُ هي قناعَةُ كَثِيرٍ مِن نساءِ المسلمينَ بذلِك، حَيْثُ
يَعْتَبِرْنَ هذا الصِّنْفَ مِنَ النساءِ بالْمُحَجبات!. فإذا كانت هذِهِ المَرْأةُ
مُحَجَّبَة، فَمَنْ هيَ المُتَبَرِّجَةُ إذن؟!!!. فاتَقُوا اللهَ أَيُّها
المسلمونَ، وقومُوا بما أوجَبَ اللهُ عليكُم تُجاهَ هذِهِ الأمانة، واحرصُوا
أَشَدَّ الحِرْصِ على إِصْلاحِ نِسائِكُم، وبَيانِ صِفَةِ الْحجابِ المَشروعِ
وشُروطِه، وإياكُمْ والتساهُلَ في ذلك، فإنكم غيرُ مَعْذورين. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين,
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً
عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً. أما بعد: عباد الله: ويُسْتَفادُ مِنَ الآيةِ مَنْعُ
المَرْأَةِ مِنْ كُلِّ ما يَلْفِتُ أَنْظارَ الأجانِبِ إليها، ولَوْ كانَ
تَحْريمُهُ غَيرَ ظاهر، لِأَنَّ اللهَ تَعالى مَنَعَ المَرأةَ إذا كانت تَلْبَسُ
خِلْخالاً أَنْ تَضْرِبَ بِرِجْلِها الأرضَ وَهِيَ تَمْشي، فقال: ( وَلا
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِن لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِن )، مَعَ
العِلْمِ أَنَ الضَّرْبَ في الأرضِ مباحٌ، لكِنَّه لَمَّا كان وَسيلَةً
لِمَعْرِفَةِ الزينَةِ الخفِيَّةِ والمَسْتُورَةِ لَدَى المَرْأَةِ وَلَفْتِ
أَنْظارِ الرجالِ وقُلُوبِهِم لِلْخَلاخِيل التي تَلبَسُها مُنِعَتْ مِنْه. ويُسْتفادُ مِنَ الآيَة: أَنَّ الْمَرْأَةَ
هِيَ السَّبَبُ الأَوَّلُ فِي وُقُوعِ الأذِيَّةِ عَليها، لِقَوْلِه: ( ذَلِكَ
أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ )، فَإِنَّ أَهْلَ الْمُعاكساتِ وَمَرْضَى
القُلُوبِ، تَقِلُّ شُرُورُهُم وَأَذِيَتُهُم وَتَحَرُّشاتُهُم إِذا لَمْ يَرَوْا
ما يُغْرِيهِم. أَمَّا أَنْ تُتْرَكَ الْمَرأةُ عَلَى راحَتِها، فَتُكْثِرَ مِنَ
الخُروج، ولا تُحافِظُ عَلَى حِجابِها، وَقَدْ يَصْدُرُ مِنْها ما يَدُلُّ على
جُرْأتِها، كَكَثْرَةِ الكلامِ أو الضَّحِك، أوِ اللَّعِبِ بالجوَّالِ والآيفون، أَوْ يَكونُ خُروجُها معَ زَميلاتِها وَلَيْسَ مَعَ أهلِها، أَوْ تَكونُ وَحْدَها.
فَلا تَعْجَبْ حِينما تَتَعَرَّضُ لِلأَذَى. وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مِمَا يُقالُ في
وَسائِلِ الإعلامِ والصُّحُفِ، مِن الكَلامِ عَنِ تَحَرُّشِ بَعْضِ الشباب
بِبَعْضِ الفَتَيات، مَعَ إغْفالِ الكلامِ عَن مَنْبَعِ الفِتْنَةِ
وَأَصْلِها. نَعَمْ، التَّحَرُّشُ جَريمَة، يَجِبُ
مُعاقَبَةُ صاحِبِها، ولكنَّ جَرِيمَةَ الْمَرْأَةِ المُتَسَبِّبَةِ أَكْبَرُ
وَأخْطَر. وَصَدَقَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذْ يَقُول: ( ما تَرَكْتُ
بَعْدي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى
الرجالِ مِنَ النساء ). اللهم
احمِ أعْراضَنا واحْفَظْ فُروجَنا وَطَهِّرْ قُلُوبَنا. وأَصْلِحْ شبابَ المسلمينَ
ونِساءَهُم يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن،
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا
سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها,
أولها وآخرها, علانيتها وسرها، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها,
أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا
تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم
أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين،
اللهم أنزل على المؤمنين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف
بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور
وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم
احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين في كل
مكان، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم
ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريّا،
اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع الظلم والطغيان عنهم،
اللهم اكشف كربتهم، اللهم اجعلهم من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء
عافية، اللهم اكسهم وأطعمهم، اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم، وفك أسراهم وردهم إلى
وطنهم رداً جميلاً يا أرحم الراحمين، اللهم
أنزل عذابك الشديد وبأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين على من تسلّط عليهم وظلمهم
يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت
أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ
لبلادنا دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها واستقرارها يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامنا وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام
والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|