الجود في شهر الجود
الحمد لله واسع الفضل والإحسان ، الكريم المنان ، مضاعف الحسنات لأهل الإيمان ، وغافر الذنب للتأبين من العصيان ، أحمده من إله ، أمر بالإنفاق ، ووعد بالمزيد والخلف لذوي الشكران .
قريب مجيب يستجيب لمن دعا
جواد إذا أعطى العطا يتجزل
يسح من الإحسان سحا على الورى
وهوب جواد محسن متفضل
أ سأله U ، في هذا الشهر العظيم ، أن يعتق رقابنا من النار ، وأن يجعلني وإياكم جميعا من المقبولين الفائزين . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، دائم الملك والسلطان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله إلى الإنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والجود والوفاء والإحسان ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد قال سبحانه من قائل : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( . فاتقوا الله يا عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ r أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ )) .
فالجود في رمضان ، من خلق نبينا e ، ومن الجود الذي ينبغي للمسلم أن يعود نفسه عليه ، الإنفاق في سبيل الله تعالى ، الإنفاق ـ إيها الأخوة ـ هذه العبادة العظيمة ، التي صارت تتلاشا من بعض مجتمعات المسلمين ، حتى صار المنفق ، يشار إليه بالبنان ، ويتحدث عنه على كل لسان ، من ندرته ، ومن قلته . صار الإنفاق ـ أيها الأخوة ـ من الأمور النادرة ، في وقت كثرت فيه الأموال ، وتنوعت فيه مجالات الإنفاق ، وتعددت الحاجة إليه .
صار المسلم على استعداد بأن ينفق آلاف الريالات ، لا نقول مئات ، بل عشرات الآلاف ، ينفقها من أجل شهوة في نفسه ، ولكنه لا يستطيع أن ينفق مبلغا بسيطا في سبيل الله تعالى ، قد يكون بسببه ، يدخل الجنة .
أيها الأخوة المؤمنون :
فالإنفاق من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يعود نفسه عليها ، وهو أمر حث الله عليه ، وأمر بالمبادرة إليه ، وحذر من تأخيره وتأجيله ، يقول تبارك وتعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ( ويقول أيضا : ) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( .
إن التأخر عن الإنفاق ، له علاقة وطيدة بالإيمان ، ولذلك أهل الإيمان هم أكثر الناس إنفاقا ، هم كما وصفهم الله : ) يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً ( فماذا لهم جزاء لذلك عند الله ؟ قال تعالى : ) فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( . أخي المسلم ! عبد الله ! عندما تجد في نفسك عزوفا وصدودا عن الإنفاق ؛ بادر وسارع إلى ما يزيد في إيمانك ! فالمؤمنون الكمل ، لايتأخرون عن الإنفاق ، بل هم كما وصفهم الله تعالى : ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( وهم اغنياء ينفقون ، بل حتى في حال الحاجة ينفقون ، صار الإنفاق لهم عادة ، مهما صارت أحوالهم فهم ينفقون .
فعود نفسك أخي على الإنفاق .
أيها الأخوة المؤمنون :
وقد ذكر الله لنا في كتابه ، صنفا من الناس ، لنحذر من سلوك سبيلهم ، ومن عاداتهم السيئة ، ومنها عدم الإنفاق ، فقال عن المنافقين : ) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( المنافقون والمنافقات ، رجال ونساء بعضهم من بعض ، ماهي صفاتهم ؟
قال تعالى : ) يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ( يقبضون أيديهم عن الإنفاق ، لا يستطيع أحدهم أن يرد يده إلى جيبه ، تعجز يده عن فتح محفظته ، ليخرج مبلغا من المال ليتصدق به . أتدرون لماذا ؟ لأنهم يخافون الفقر ! ليس عندهم إيمان يدفعهم للإنفاق ! ليس عندهم تصديق جازم بأن ما أنفقوا سوف يخلف عليهم . يقول تبارك وتعالى : ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( .
أيها الأخوة المؤمنون :
إنها دعوة صادقة ، لنعود أنفسنا على الإنفاق ، فهذا شهر الإنفاق ، ولنعود أنفسنا على الجود ، فهاهو شهر الجود ، ولنكن على يقين بأننا إذا أنفقنا فإنما ننفق لأنفسنا ، هذا الذي تتصدق به على الفقير والمحتاج هو لك . يقول الله تبارك وتعالى : ) وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن باب الذكرى ، والذكرى كما قال جل جلاله : ) تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ( ونحن في شهر رمضان ، ينبغي للمسلم أن يحذرمن كل شيء يخل بصومه ، أو ينقص من ثوابه ، من ذلك بعض المفطرات المعنوية ، كالغيبة والنميمة ، وقول الزور ، والشتم والسب ، والنظر إلى الحرام واستماعه .
يقول النبي e : (( إذا كان يوم صوم أحدكم ، فلا يرفث يومئذ ، ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امروء صائم )) وفي حديث آخر يقول e : (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) . فالله ... الله أيها الأخوة ، احفظوا صومكم ، واعملوا على تمامه وكماله .
اسأل الله U أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل ، ويجنبني وإياكم الضلال والزلل ، ويجعلني وإياكم في هذا الشهر من المقبولين ، إنه جواد كريم .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، أن تعتق رقابنا من النار ، اللهم أعتق رقابنا من النار ، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر ، اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من الفائزين .
اللهم اقنا شح أنفسنا ، ووفقنا لهداك ، واجعل عملنا في رضاك ، وجنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [
عباد الله :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|