أثر العبادة في حياتنا
الحمد لله الذي } لَا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ { ، يعلم ما كان وما يكون ، ومالم يكن لو كان كيف يكون ، }
لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم
سلطانه ، }
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا
وَحِينَ تُظْهِرُونَ ، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ
مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ {.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك
له }
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه
وخليله وخيرته من خلقه ، أرسله : }
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ،
عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لكم ولمن كان
قبلكم ، يقول سبحانه : }
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها
الأخوة المؤمنون :
إن
للعبادة في حياة المسلم أثر عظيم ، ولن تكون العبادة ذات ثمرة ، إذا لم يكن لها
أثر في حياة المسلم ، وهذا أمر ـ أيها الأخوة ـ دلت عليه الأدلة الشرعية ، وبينته
نصوص الكتاب والسنة ، فإذا عدم الأثر فإن العبادة تكون محل نظر ، يستحيل ـ أيها
الأخوة ـ أن يعبد العبد الله U ، عبادة حقيقية ، عبادة مثمرة
، ولا يجد لعبادته أثرا في حياته .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ الصلاة ، التي هي
عمود الإسلام ، وأول ما يحاسب عنه العبد ، والتي بصلاحها يصلح سائر العمل ،
وبفسادها يفسد العمل كله ، ذكر الله U أثرها في حياة المسلم فقال :
}
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ { يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ، يعني:
أن الصلاة تشتمل على شيئين: على ترك الفواحش والمنكرات . وقد جاء في الحديث من
رواية عمران ، وابن عباس مرفوعا : ((
مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا )) .
فإقامة الصلاة ، وتأديتها على الوجه
المطلوب ، هو أنفع علاج للبعد عن الفواحش والمنكرات ، وهذا أثر عظيم من آثار هذا
النوع من أنواع العبادة .
أيها
الأخوة :
ومثل الصلاة الزكاة ، فإن لها أيضا أثر
عظيم في حياة المسلم ، يقول تبارك وتعالى : } خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا { تطهرهم ،
يقول ابن سعدي في تفسيره : أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة . وتزكيهم : أي تزيد
في أخلاقهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي ، وتنمي
أموالهم .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ بقية العبادات ،
لها تأثير بالغ في حياة المسلم ، بل قد يخص الله U من شاء من عباده ، بسبب
عبادتهم ، ويميزهم عن غيرهم بسبب طاعتهم !
ففي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة t عن النبي e قال
: (( بينما رجل بفلاة من الأرض ،
فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحي ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة ،
فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في
حديقة يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ما أسمك ؟
قال :
فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله لم تسألني ؟ فقال : إني
سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان لا سمك ، فما تصنع فيها
؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلي ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا
وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه )) . وفي رواية له : (( وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن
السبيل )) .
مساكين بعض الناس ـ أيها
الأخوة ـ يضنون لجهلهم أن العبادة عملا شاقا ، وتكليفا مضنيا ، وأنهم لا يستفيدون
منها ، ولذلك لا يبالون بها ، ولا يأبهون لها ، فيتهاونون في أمر هم أول من يستفيد
منه ، بل أول وآخر من يجني ثماره ، يقول تبارك وتعالى : } وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ
مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ
يَكْسِبُونَ { فبركات السماء والأرض ، أثر من آثار الإيمان والتقوى ، بل يقول U : } وَلَوْ
أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ
رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ { أي لو عملوا
بما أنزل الله U ، }
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ { لأدر الله U عليهم أرزاقهم ، وكثرت عليهم أمطارهم في هذه
الدنيا ، وأما في الآخرة فكما قال تبارك وتعالى : } وَلَلآخِرَةُ
أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً { .
أيها
الأخوة :
فنحن بحاجة لعبادة ربنا عبادة
حقيقية مبنية على علم وإخلاص لله U ومتابعة
للرسول e للنعم بالحياة الطيبة ، والحياة الكريمة ، لنسعد في هذه الحياة ، بل
ونسعد حتى بعد الممات ، لأننا إذا لم نكن كذلك فإن الشقاء سوف يكون مصيرنا دنيا
وأخرى يقول U : }
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ { ويقول U : } وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ
بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ
تُنسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ
وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى {
بارك الله لي ولكم بالقرآن
العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر
الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ،
والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما
لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها
الأخوة المؤمنون :
إن
من الآثار الهامة للعبادة ، ونحن بحاجة لها في هذه الحياة ، انشراح الصدر وراحة
البال ، وكذلك سعة الرزق والسلامة من الشرور والراحة والطمأنينة ، والأدلة على ذلك
كثيرة لا نستطيع حصرها في هذا المقام ، ولكن من ذلك قول الله تعالى : }
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا { وهذه
عبادة ، ثم ذكر الأثر المترتب على ذلك بقوله : } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزًا عَظِيمًا { فصلاح الأعمال
في الدنيا ، ومغفرة الذنوب في الآخرة من الآثار المترتبة على العبادة .
أيها
الأخوة :
إن الأدلة التي تدل على أثر
العبادة ، في حياة المسلم كثيرة ، كما ذكرت ، ولا يتسع المجال لذكرها ولعل ماذكرنا
فيه الكفاية ، وكما قال تبارك وتعالى : } سَيَذَّكَّرُ
مَنْ يَخْشَى { فحري بالمسلم
أن يحرص على عبادته لربه ، وأن يعمل على إتقانها بأن تكون كما شرع الله U وبين رسوله e ، لأن العبادة
إذا لم تأثر في حياة المسلم فإنه يخشى من فقدان أثرها في الآخرة .
اسأل الله أن يهدي ضال
المسلمين ، وان يفقهنا في هذا الدين ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا
مضلين إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى
والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء
برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك
والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ، يا عزيز يا غفار .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك ، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المخلِصين المخلَصين برحمتك يا أرحم
الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في
عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء لرحمتك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من
القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا ،
عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا
عذاب ولا هدم ولا غرق .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا
، اللهم أغثنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
}
رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله
:
}
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا
تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ
عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا { .
فاذكروا الله العظيم يذكركم
، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، }
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
{ .
|