إيقاظ الأذهان بموت سلطان
الحمد لله موقظ القلوب الغافلة ، جاعل الأيام بالعبر والعظات حافلة ، يتقرب إليه بالفريضة والنافلة ، وعد الجنة من آثر الآخرة على العاجلة ، يجيب سائله ، وبأمره ومشيئته تكون كل واقعة ونازلة .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه للناس كافة ، وأعلى بين خلقه منازلة ، لا تحصى مناقبه ، ولا تحصر فضائله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
في هذه الأيام تمر بنا أحداث كثيرة ، ووقائع مثيرة ، ومناسبات عظيمة كريمة جليلة ، وكل حدث وواقعة ومناسبة ، بحاجة لحديث مستقل ، للتذكير بعظمة الله وقدرته وكرمه ، وهو الأمر المطلوب من المسلم ، بأن يدرك ما حوله ، ويتعظ بمتغيرات هذه الحياة ، ومن ثم يندفع إلى طاعة الله U وعبادته ، يقول سبحانه : } وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ، أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ { .
أيها الأخوة :
ولعل من هذه الأحداث والمتغيرات ، وفات ثاني رجل بهذه الدولة ، سلطان بن عبد العزيز ـ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ـ فلنا مع هذا الحدث حديث ـ أيها الأخوة ـ فسلطان قد مات ومات غيره من الناس ، وما أكثر الذين يموتون في هذه الأيام ، فالموت صار بالجملة ، مئات الناس يموتون ، ولكن العبرة على ماذا يموتون ، وماذا يتركون بعد موتهم :
لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حُرٍّ
يموت بموته خلق كثير
فهذا الموت الذي لا يرحم ضعفا ، ولا يقدر ظرفا ، سوف يذوقه كل واحد منا ، كما ذاقه سلطان وغيره ، بل كما ذاقه أفضل البشر النبي e ، كما قال تبارك وتعالى : } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ { فالموت أمر لا بد منه ، ولكن ينبغي للمسلم أن لا يغفل عنه ، وعن لحظة نزوله به ، بل وعن ما بعده ، فقد رأينا ـ أيها الأخوة ـ أحياء يتمنى الناس موتهم ، بل رأينا من يفرح بموته ويضرب بالأحذية ، ورأينا من مات وبكت عليه أعماله الصالحة ، ويتمنى الناس لو أطال الله بعمره ، لتنعم الأرض بخيره وعطائه .
نعم ـ أحبتي في الله ـ قد يموت المسلم ، فيفتقده أهل بيته ومسجد حيه ، يفتقده الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين ، يفتقده مصحفه وسجادته وعود سواكه ، يفتقده جيرانه وزملاؤه وأصحابه وإخوانه ، ومن الناس من يموت فتفتقده القنوات والأغاني والاستراحات والمسارح والملاعب والمدرجات ، بل يفرح من حوله بموته ، حتى أهل بيته ، فالمرأة قد تنتظر من يسعدها بعده ، والأبناء يفرحون لتقسيم تركته ، وكما قال تبارك وتعالى : } كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ { يقول الإمام ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره : } فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ { أي لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .
فحري بالمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن لا يغفل عن نفسه ، ولا ينقاد خلف ملذاته وشهواته ، التي تجعله يعرض عن آخرته ، وما أكثرهم ـ أيها الأخوة ـ الذين هم في غفلة عن أنفسهم ، وإعراض عن آخرتهم ، من الناس من تقدمت به السن ومضى فيه العمر ، وهو لم يكمل حتى أركان إسلامه ، فضلا عن نفع غيره أو ترك أثر له بعد موته ، والله U يقول : } وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { والرسول e يقول في الحديث الصحيح : (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان )) ويقول عمر بن الخطاب t : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار ، فينظروا كل من له جده ـ يعنى غنى ، يعني لديه مال ـ ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين . ويقول علي ابن أبي طالب t : من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى البيت ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا .
أيها الأخوة :
فينبغي للمسلم ، أن يحرص في حياته ، على ما يسعده بعد وفاته ، بل ينبغي له أن يحرص على ما يجري عليه أجره حتى بعد موته ، فيموت ولكن أعماله الصالحة باقية ، تشهد له وتدر عليه الحسنات وهو في قبره ، كما في الحديث الحسن عن النبي e : (( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناتهِ بعد موته علماً علمه ونشره ، وولداً صالحاً تركه ، أو مصحفاً ورثه ، أو مسجداً بناه ، أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ))
اسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن المناسبات العظيمة ، التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها قبل أن يودع هذه الحياة ، ويذوق ما ذاقه سلطان ـ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ـ الأيام القليلة القادمة ، التي أول أيامها هذا اليوم ، لأنها أيام أقسم الله U بها لمكانتها ، وعظيم قدرها ، يقول سبحانه : } وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ { ، فعظموا هذه الأيام ، واعمروها بالأعمال الصالحة ، فإن العمل فيها ليس كالعمل في غيرها ، العمل فيها من المحبوبات عند الله ، يقول الرسول e : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) . قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال e : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله e : (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
وأذكر من أراد أن يضحي في هذا العام ، وأنتم إن شاء الله كذلك ـ أذكركم بأن من أراد أن يضحي فأن عليه أن يحرم إحرام الأضحية ، فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئا ، منذ دخول الشهر حتى يذبح أضحيته ، هذا هو هدي النبي e ، ففي الحديث يقول : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )) وفي رواية : (( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي )) .
اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والإقتداء بسيد المرسلين ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم أحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا مجللا ، عاجلا غير آجل ، اللهم اسق بهائمك وبلادك وعبادك ، اللهم انشر رحمتك على بلدنا الميت ، اللهم اسقنا سقيا رحمة تدر بها الضرع ، وتنبت بها الزرع ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين
} ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار { .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( .
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
إدارة الموقع : تذكير أيها الإخوة بأنه ستقام صلاة استسقاء يوم الاثنين القادم بمشيئة الله تعالى فاحتسبوا الأجر في إحياء هذه السنة واطلبوا وادعوه لعل الله أن يغيث البلاد والعباد إن الله على كل شيء قدير