الشباب بين الأمس واليوم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله عز وجل القائل: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [آل عمران:102].
واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن انحراف الشباب وفسادهم وسوء أخلاقهم من المخاطر العظيمة التي تهدّد أمن المجتمع، وتسبّب ضياع الأمة. إذا كان المجتمع ـ أيها الإخوة ـ يعاني من تبعات البطالة وآثار المخدرات ونتائج التكفير فإن انحراف الشباب لا يقلّ خطورة عن ذلك؛ لأن الشباب هم رجال المستقبل، وهم رصيد الأمة، فإذا فسد الرجال وضاع الرصيد فعلى الأمة السلام.
أيها الإخوة المؤمنون، لقد اهتمّ الدين بالشباب، وأمر بالاعتناء بهم، وحذر من إهمال تربيتهم، ففي يوم القيامة يحاسب الإنسان عن عمره فيما أفناه، ثم يحاسب عن شبابه فيما أبلاه، وفي هذا دليل على أهمية مرحلة الشباب وخطورتها، فالإنسان يسأل ابتداء عن عمره جملة واحدة، ثم يسأل ويحاسب عن أيام شبابه، ((وعن شبابه فيم أبلاه؟)).
فمرحلة الشباب مرحلة خطيرة، مرحلة مهمة، وهي المرحلة التي يتشكل فيها منهج الإنسان، ومن شب على شيء شاب عليه، ومما يزيد الأمر خطورة وسائل الفساد في هذه الأيام، التي أثرت في كثير من شبابنا، وأفسدت فطرهم السليمة. انظروا ماذا يفعلون بسياراتهم، تصفحوا رسائل جوالاتهم، زوروا المواقع التي تنال إعجابهم، تأملوا اهتماماتهم وهواياتهم، والنتيجة ها هي بين أيديكم:
هجروا المسـاجد والصلاة وطلّقوا سنن الرسول ومنهج القـرآن
أمـا التـلاوة فالغنـاء لديهـم لعب البلوت وجلست الدخان
والله ـ أيها الإخوة ـ إن القلب ليتقطع حسرة وألما ويذوب كمدا مما عليه بعض شبابنا من فساد وانحراف وغير ذلك، ولا شك ـ أيها الإخوة ـ أن هذا نتيجة من نتائج إهمال الآباء لأبنائهم، انشغل بعضهم عن تربية أبنائه بمنصبه أو بمتجره أو بمزرعته أو بوظيفته أو بغير ذلك من أمور الدنيا.
ومن رعـى غنما في أرض مسبعة ونـام عنها تولى رعيها الأسد
اهتمّ بعضهم بتوفير ما لذ من المآكل وما زان من اللباس لأبنائه، وترك تربيتهم للقنوات الفضائية ورفقاء السوء والشوارع ومواقع الإنترنت، وإن شئت قل: البنات للسائق والبنون للخادمة.
أيها الإخوة المؤمنون، إن شباب اليوم أو أكثرهم إذا لم ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم ويعودوا إلى دين ربهم فإنهم سوف يُكوِّنوا مجتمعًا فاشلاً ضائعًا فاسدًا، لا تسأل عن حاله ومآله، } فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ{ [غافر:44].
أيها الإخوة المؤمنون، ولكي ندرك بوضوح وجلاء سوء حال بعض شبابنا نتأمل كيف كان شباب سلفنا الصالح الذين تربوا على كتاب الله عز وجل وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا مقارنه.
خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين، فلما اصطفّ الجيش قام النبي صلى الله عليه وسلم يستعرضه، فهو القائد، فرأى في الجيش صغارا لم يبلغوا الحلم حشروا أنفسهم مع الرجال، يريدون الجهاد في سبيل الله تعالى، يريدون إعلاء كلمة الله، لم يصطفوا للتفحيط أو تبادل الرسائل عبر الجوال، إنما اصطفوا للجهاد وللشهادة، فأشفق عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أشفق عليهم الرحيم بأمته، فرد من استصغر منهم، وكان فيمن رده عليه الصلاة والسلام رافع بن خديج وسمرة بن جندب، ثم أجاز صلى الله عليه وسلم رافعا لما قيل: إنه رام يحسن الرماية، فبكى سمرة وقال لزوج أمه: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا وردني مع أني أصرعه، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان الغالب سمرة، فأجازه عليه الصلاة والسلام.
نموذج آخر: في غزوة بدر يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى ـ أي: يختبئ في الجيش ـ، فقلت: ما لك يا أخي؟! قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. يريد الشهادة! تدرون كم عمره؟ ستة عشر عاما، ماذا يفعل بعض الأبناء اليوم في هذه السن؟ الله المستعان.
قال سعد رضي الله عنه: فعرض عمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده لصغره، فلما رده بكى فأجازه صلى الله عليه وسلم ، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره ـ طفل صغير ـ، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة رضي الله عنه. نال الشهادة في سبيل الله تعالى، لم يمت تحت عجلات سيارته لأنه يفحّط، ولم يمت كالذين يموتون في دورات المياه بالإبر المخدرة، إنما مات شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.
انظروا ـ إخوتي في الله ـ على ماذا يتنافس القوم، ومن أجل ماذا تسيل دموعهم، إنهم يتسابقون على الشهادة في سبيل الله، فهم حقًا محط الفخر والاعتزاز. ولو أردنا أن نفتخر بشباب اليوم، بالله عليكم ماذا عسانا أن نقول؟ أنصفوني من أنفسكم. نعم، قد نقول: إن أحدهم لا يجارى في تسريحته ولا يشابه في لبسته ومشيته وميوعته، وليس له مثيل في لعبه بكرته وتفحيطه في سيارته. هل هناك غير هذا؟ كلا إلا من رحم الله.
أيها الإخوة المؤمنون، نموذج آخر: كان لعمر بن عبد العزيز ولد صغير، فرآه عمر في يوم العيد وعليه ثوب خلق قديم متمزق، فدمعت عيناه، تدمع عيناه وهو أمير المؤمنين؛ لأنه لا يستطيع أن يكسو ابنه ثوبا جديدًا للعيد، فلما دمعت عيناه رآه ولده فقال: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟! يسأل الولد أباه، قال: يا بني، أخشى أن ينكسر قلبك إذا رآك الصبيان بهذا الثوب الخلِق، قال: يا أمير المؤمنين، إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه أو عق أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله راضيا عني برضاك. لا إله إلا الله، ما أجمل هذه التربية، وما أحلى هذه التنشئة:
وينشأ نـاشئ الفتيان فينا على ما كـان عوده أبوه
إنها تربية عمر بن عبد العزيز، التربية الإيمانية المستمدة من مدرسة النبوة.
نموذج آخر: دخل على عمر أيضا ـ عمر بن عبد العزيز ـ دخل عليه في أول خلافته وفود المهنئين من كل جهة، فتقدم من وفد الحجازيين للكلام غلامٌ صغير لم تبلغ سنه إحدى عشرة سنة، فقال له عمر: ارجع أنت أيها الغلام، وليتقدّم من هو أسن منك، فقال الغلام: أيّد الله أمير المؤمنين، المرء بأصغَريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا وقلبا حافظًا فقد استحقّ الكلام، ولو أن الأمر ـ يا أمير المؤمنين ـ بالسن لكان في الأمة من هو أحقّ منك بمجلسك هذا، فتعجّب الخليفة من كلامه.
أيها الإخوة المؤمنون، نماذج والله لا تُمَلّ، فالله الله، أدركوا خطر انحراف شبابنا، واهتموا بأبنائكم، فسوف تسألون عنهم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
أسأل الله عز وجل أن يصلح لي ولكم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون، اتقوا الله عز وجل، واعملوا على تربية أبنائكم تربية صحيحة، أدبوهم على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب القرآن والدين، اجعلوا شباب السلف هم قدواتهم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقول أحدهم: كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن.
واحذروا ـ يا عباد الله ـ إهمال تربيتهم، وإياكم والمبالغة في تزكيتهم، فبعض الناس مبالغته في تزكيته لأولاده صارت سببا لانحرافهم وفسادهم. لقد وجد ـ أيها الإخوة ـ من يدعي صلاح أولاده وهو لا يعرف شيئا عنهم؛ لأنه لا يشاهدهم إلا عند النوم أو عند الطعام، وعندما يلام على انحراف أولاده لا يكاد يصدق ذلك، بل تجده يدافع عنهم، بل يلوم ويوبخ من يقدم له النصيحة.
أيها الإخوة المؤمنون، فنشئوا أولادكم على العبادة، ليعتادوا أدائها والقيام بها منذ نعومة أظفارهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروا أولاكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)). عوّدوهم على الصيام، وأدبوهم على حفظ القرآن وتلاوته واستماعه والعمل به. علموهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقنوهم سيرته ومغازيه. اربطوهم بذكر الله عز وجل، وربوهم على مراقبة الله جل جلاله، ورغبوهم بالجنة وحذروهم من النار. امنعوهم ـ يا عباد الله ـ من مخالطة الأشرار صغارًا وكبارًا.
أسأله عز وجل أن يصلح ذرياتنا، اللهم هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. اللهم أصلح شباب المسلمين ذكورًا وإناثًا. اللهم اجعلهم هداة مهتدين، بالقرآن عاملين وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم متمسكين. اللهم جنّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |