عدوانية الشباب
الحمد لله الكريم المنان ، القوي السلطان ، من أطاعه فله الجنان ، ومن جحده وعصاه ، توعده بجحيم النيران .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، على ما أولاه من الإحسان ، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لأهل الشكران .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الإلهُ الملكُ الديان .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المبعوث للإنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، أهل الفضل والعرفان ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لخلقه الأولين والآخرين ، يقول تبارك وتعالى :} وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله عباد الله ، أفعلوا ما أمركم به ، واتركوا ما نهاكم عنه جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
ظاهرة العدوانية ، ظاهرة سيئة ، بل خطيرة ، من أخطر الظواهر الموجودة في أوساط الشباب ، والعدوانية من العداء ـ أيها الأخوة ـ وهو تجاوز الحد والظلم ، يقول المناوي : العدوان أسوأ الاعتداء ، في قول أو فعل أو حال . ويقول الجرجاني : العداوة : أن يتمكن في القلب ، قصد الإضرار والانتقام .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ واقع بعض الشباب ، أو من هم في عقولهم ، تمكنت العداوة في قلوبهم ، وقصدوا الإضرار في غيرهم ، وأساءوا في أقوالهم وفي أفعالهم وفي أحوالهم ، والواقع ـ أيها الأخوة ـ أكبر شاهد وبرهان ، فما تمر فترة من الزمن ، إلا ونسمع بحادثة يندى لها الجبين ، بل بحوادث تهز المجتمع ، من عظمها ، وشناعتها ، تبلغ الآفاق ، وتصير حديثا للناس في مجالسهم .
كم سمعنا ـ أيها الأخوة ـ بقضايا الاختطاف والاغتصاب ، والشذوذ والانحراف ، أطفال قد لا يتجاوز أحدهم سن السابعة ، يذهب ضحية لعدوانية الشباب .
السرقات ـ أيها الأخوة ـ صار الواحد منا ، يخرج من بيته ويده على قلبه ، ولا يأمن على سيارته ولا على دكانه ، بل ولا على ما في جيبه ، صار بعضهم ، يسرق ما في جيبه ، وهو حامل لجنازة أمه أو أبنه .
الضرب ـ أيها الأخوة ـ لا يمشي بعض الشباب إلا وسكينه معه ، حتى في بعض المدارس ، يأتي بعض الطلاب وسكاكينهم معهم .
بل ـ أيها الأخوة ـ عدوانية بعض الشباب ، لم تتوقف على الاختطاف والاغتصاب والسرقات والضرب ، بل تعدت ذلك إلى القتل والعياذ بالله .
أيها الأخوة المؤمنون :
إنها ـ والذي نفسي بيده ـ لظاهرة سيئة خطيرة ، حذر الله منها ، وأمر بالقضاء عليها ، وحث بالبعد عنها ، وتوعد من اتصف بها بالنار ـ والعياذ بالله !
يقول تبارك وتعالى في سورة المائدة : } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { فنهى الله U في هذه الآية ، عن التعاون على العدوان ، فكيف بالعدوان نفسه ؟ لا شك أنه كبيرة من كبائر الذنوب ، ومعصية لله عظيمة ، بل يخشى على صاحبه من النار ، يقول تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ { الذي يسرق أموال الناس ، يأكلها بالباطل } إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً { أي لا يقتل بعضكم بعضا ، ثم قال U : } وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً { يقول ابن كثير في تفسيره ، عند قوله تعالى : } فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً { يقول : وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، فليحذر منه كل عاقل لبيب ، ممن ألقى السمع وهو شهيد .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول النبي r في الحديث المتفق عليه : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) ، فهذه الظاهرة الخطيرة السيئة ، يجب أن لا توجد في مجتمعات المسلمين ، وحيث وجدت يجب الاهتمام بها ومعالجتها ، والتعاون على القضاء عليها ، وهي مسؤولية الجميع ، الآباء في بيوتهم ، والمعلمون في مدارسهم ، والخطباء في منابرهم ، والأئمة في مساجدهم ، فمن أسباب ظاهرة العدوان ، قلة التربية ، أو التربية الخاطئة ، كما يفعل بعض الآباء ، حيث يربي أبناءه ، على العدوانية ، يذكر لهم قصصا ، قد تكون من نسج الخيال ، أو قد يرى مع ابنه سلاحا ما ، فيسر بذلك ، لأنه حمل السلاح مثله ، فهذا الأب وأمثاله ، يحتاجون هم إلى تربية .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ التعصب للأندية ، والتشجيع الخاطئ ، ورفقاء السوء ، وما تعرضه بعض القنوات ، كل ذلك وراء هذه الظاهرة الخطيرة ، وهي كما ذكرت مسؤولية الجميع .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا في الدين ، إنه سميع مجيب .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن الاعتداء على أموال الناس أو على أعراضهم ، أو على دمائهم ، من الظلم الذي حرمه الله وجعله بين الناس محرما ، يقول تبارك وتعالى : } إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ { يقول ابن كثير في تفسيره : } إِنَّمَا السَّبِيلُ { أي إنما الحرج والعنت : } عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ { أي يبدءون الناس بالظلم ، كما جاء في الحديث الصحيح : (( المستبان ما قالا فعلى البادئ مالم يعتدي المظلوم )) .
فلنتق الله يا عباد الله ، ولنتعاون على البر والتقوى ، ولننصر بعضنا بعضا ، كما قال النبي r في الحديث الصحيح : (( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما )) فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوما ، أرأيت إن كان ظالما ! كيف أنصره ؟! قال r : (( تَحْجُزُه ـ أو تمنَعُهُ ـ من الظلم فإن ذلك نصرُهُ )) .
أسأل الله U أن يصلح ذرياتنا } رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً { .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { وفي الحديث عنه r قال : (( من صلى علي صلاة واحده صلى الله عليه بها عشرا )) فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين ، وتابعي التابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وغفرانك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم وفق إمامنا ، وولي أمرنا ، خادم الحرمين الشريفين لهداك ، واجعل عمله برضاك ، وارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء ، أو بما لا يرضيك ، أو بما يخالف كتابك وسنة نبيك r ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا رب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|