خطوات لعلو الهمة
الحمد لله موقظ القلوب الغافلة ، ومعلم العقول الجاهلة ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الدائم إلى الأبد ، يبقى وحده والخلائق زائلة .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ {
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المعدُّ لكل ما يتوقع
يا من يرجَّى للشدائد كلها
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه في قول : كن
امنن ، فإن الخير عندك أجمع
اللهم إنا نسألك سلامة قلوبنا ، وصلاح أحوالنا ، وطمأنينة نفوسنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
تقوى الله U ، هي وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين
أيها الأخوة المؤمنون :
علو الهمة أمر مطلوب شرعا، وهنا بعض الأسباب والوسائل، التي تعين على علو الهمة ، متى ما حرص عليها المسلم ، صار ذا همة عالية بإذن الله تعالى .
منها ، بل من أهمها ـ أيها الأخوة ـ عدم الغفلة عن الآخرة ، لأن الغفلة عن الآخرة ، أمر يودي بهمة المسلم ، بل يجعله يعيش عيشة البهائم ، بل ـ والله ـ إن البهائم لخير منه ، يقول تبارك وتعالى : } وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ { فتذكر الآخرة ، أمر يعين على علو الهمة ، ويدفع بالإنسان إلى استغلال لحظات حياته ، ويجعله من خير الناس ، كلما طال عمره كلما حسن عمله ، ووالله ـ أيها الأخوة ـ ما ضعفت الهمم ، إلا عندما ضعف الإيمان بالآخرة ، يقول U : } وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ { يقول ابن سعدي في تفسيره : أي متجنبون منحرفون عن الطريق الموصل إلى الله ، وإلى دار كرامته ، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات .
فكلما قوي إيمان المسلم ، بأمر الآخرة ، كلما هانت في قلبه الدنيا ، وصار ذا همة عالية ، عمير بن الحمام t لما سمع النبي r يقول : (( قوموا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض )) وكان في يده تمرات ليأكلهن ، قال : والله! إنها لحياة طويلة إن عشت حتى آكل هذه التمرات ، ثم ألقاهن وقاتل حتى استشهد رضي الله تعالى عنه . وكذلك ـ أيها الأخوة ـ سحرة فرعون لما أيقنوا بلقاء الله واليوم الآخر ، لم يأبهوا بفرعون وهو يتوعدهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم ، وأن يصلبنهم في جذوع النخل ، إنما قالوا : } فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا { ، فتذكر الآخرة ، يبعث إلى علو الهمة ، وهو ما يحتاجه ضعاف الهمم ، الذي يعجز الواحد منهم عن المحافظة على صلاة الجماعة ، وعن طلب العلم ، وعن المحافظة على السنن الرواتب وعن تأدية الزكاة والصدقة والصيام .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأسباب الخطيرة ، التي تقضي على علو الهمة ، مصاحبة ضعاف الهمم ، وكما قيل : الطيور على أشكالها تقع ، ولله در القائل :
ومن يكن الغراب له دليلا
يطوف به على جيف الكلاب
فمصاحبة أصحاب الهمم الضعيفة ، والطموحات الرديئة ، تجعل المسلم لا همة له ، إنما هو كما قال النبي r في الحديث الذي صححه الألباني : (( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل )) وكثير هم ـ أيها الأخوة ـ المثبطون ، أعداء النجاح والتميز بما يرضي الله تعالى ، الذين لا هم لهم إلا إضاعة الوقت والثرثرة ، فإذا أردت أخي أن تكون من ذوي الهمم العالية ، فلتحذر هؤلاء ، ولتنصرف إلى من يعينك على نفسك ، ويقوي همتك ، وفي الحديث المرفوع : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا )) والسفاسف ، هي الأمور الحقيرة والرديئة من كل شيء .
إذا صحبت القوم فاصحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
فلتحذر الذين لا هم لهم إلا بطونهم وفروجهم ، الذين حالهم كحال فقير النصارى ، لا دنيا ولا دين.
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
علو الهمة أمر مطلوب كما ذكرت ، وعلى المسلم أن يسعى في ما يجعله ذا همة عالية ، وقد ذكرت أن ضعف الهمة هو داء الأمة ، وهذا لا يعني أن نستسلم ونقول كما يقول بعض الجهلة : مع الخيل يا شقراء ، إنما نوطن أنفسنا ، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي r : (( لا يكون أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس فأحسنوا وإن أساؤوا تتجنبوا إساءتهم )).
وفي حديث آخر صححه الألباني ـ رحمه الله ـ قال النبي r لشداد بن أوس : (( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة ؛ فأكثر هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسْألُكَ الثَّباتَ في الأمْرِ، والعَزِيمَةَ على الرُّشْدِ ، وأسْألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ ، وعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ ، وأسْألُكَ شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وأسْألُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ، ولِسَانًا صَادِقًا ، وأسْألُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَعْلَم ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَم ، وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَم ؛ إنَّكَ أنْتَ عَلاَمُ الغُيُوبِ )) .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنحرص على ما يرفع درجاتنا ، ويعلي منازلنا ، ولنحذر الغفلة عن الآخرة ، ومجالسة أصحاب الهمم الضعيفة والرديئة ، ولا ننخدع بكثرة الكسالى العاجزين ، الذين لا يحرصون على ما ينفعهم ، ولنوطن أنفسنا ، فإذا أحسن الناس أحسنا ، وإذا أساءوا فلا كرامة ، وكما قال تبارك وتعالى : } قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ { .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، كما أمركم اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل علميا : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه )) فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك عز الإسلام ونصر المسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ، وبالنصارى الحاقدين ، وبكل من عادى عبادك المؤمنين .
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك وتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|