لا تغضب
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي } لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ { ، له الحمد سبحانه رغم أنف من كفر به وجحد .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، رفع السماء بلا عمد ، وبسط الأرض ومهد .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله للناس كافة ، فمن أطاعه وعمل بسنته اهتدى ورشد .
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، تقوى الله جل جلاله ، كما قال تبارك وتعالى : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ عباد الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
جاء رجل إلى النبي r ، يطلب الوصية من رسول الله ، يريد أن يدله النبي r على ماهو خير له في دنياه وآخرته ، فقال : أوصني يارسول الله ، فقال له رسول الله r : (( لا تغضب )) فردد مرارا ، قال r : (( لا تغضب )) والحديث رواه البخاري عن أبي هريرة t .
وفي رواية عند الحاكم والبيهقي ، أن هذا الرجل ، الحريص على ما ينفعه ، والحذر مما يضره ، قال يارسول الله ، علمني شيئًا ينفعني الله به وأقلل لعلي أعي ما تقول ، فقال له رسول الله r : (( لا تغضب )) وفي رواية لابن أبي شيبه ، قال الرجل ، يارسول الله : علمني عملا أدخل به الجنة وأقلل لعلي أعقل . قال رسول الله r : (( لا تغضب )) .
أيها الأخوة :
ففي هذا الحديث ورواياته المتعددة ، يتبين لنا خطورة الغضب ، بل هو كما جاء عن النبي r : جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ، فيغلي القلب ، ولذلك يحمرّ وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يقف شعره.
فالغضب يكفيه ذما ومقتا أنه من فعل الشيطان بابن آدم ، وأنه وسيلة من وسائله الخبيثة ، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن سليمان بن صُرَدِ t قال : أستب رجلان عند النبي r ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي r : (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )) فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي r قال : إني لست بمجنون .
تأمل مقدار استجابة هذا الرجل لرسول الله r ، من تأثير الغضب لا يريد أن يقول ما نصحه به رسول الله r ، فقال : إني لست بمجنون ، فهذا أثر من آثار الغضب السيئة .
وما أكثرهم هؤلاء ، تقول لأحدهم : الله يهديك ، تدعو له بالهداية ، فيقول : الله يهديك أنت ، فهو لا يريد هداية الله من شدة الغضب ، بل بعضهم والعياذ بالله يخشى عليه من الكفر ، أحدهم قيل له تعوذ من الشيطان ، قال : إني بحاجته . بل بعضهم يقتل أو يطلق أو يضرب ، أحدهم طلق زوجته بسبب عشرين ريالا ، ولذلك قال النبي r للرجل : (( لا تغضب ، لاتغضب ، لاتغضب )) كررها مرارا .
أيها الأخوة المؤمنون :
فحري بالمسلم أن يحذر الغضب ، فنتائجه سيئة ، وثماره مرة ، وعواقبه وخيمة ، وهو من مسببات بعض الأمراض الخطيرة ، كالجلطة والضغط والسكر والسكتة القلبية ، بل ذكر لي أحد المختصين ، انه من مسببات مرض السرطان ـ والعياذ بالله ـ لأن جسم الإنسان تكون فيه بعض الخلايا السرطانية ، ولكن يكافحها الجسم كي لا تثور ولا تنشط ، فإذا غضب الإنسان ، انشغل جسمه لمكافحة مشاعر الغضب ، فنشطت الخلايا السرطانية ، فقاتل الله الغضب ما أخطره وما أضره .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن كمال الدين ، أنه أرشدنا ماذا نفعل عند الغضب ، لكي لا نقع بنتائجه الخطيرة ، ومن ذلك : الاستعاذة بالله من الشيطان ، كما جاء في الحديث السابق ، ولقول الله تعالى : } وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ { فالاستعاذة من الشيطان من الأمور المهمة اللازمة ، وخاصة حال الغضب ، وكذلك ـ أيها الأخوة ـ تغيير الحال ، فعلى من بلي بالغضب أن يغير من الحال الذي هو عليه ، وهذه وصفة نبوية للسلامة من تبعات الغضب ، ففي المسند بسند ثابت ، عن أنس بن مالك t عن النبي r أنه قال : (( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليقعد فإذا سكن غضبه وإلا فليرقد أو فليضطجع )) والسكوت وعدم الكلام ، مهم حال الغضب ، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي r قال : (( إذا غضب أحدكم فليسكت ، إذا غضب أحدكم فليسكت )) ، فإذا غضبت أخي إياك أن تتكلم بما تندم عليه .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ الوضوء من الأشياء المفيدة التي تسكن الغضب وتهدي صاحبه ، يقول النبي r في الحديث الحسن : (( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )) .
أيها الأخوة :
بعض الناس عندما يغضب ، ويتصرف بعض التصرفات السيئة ، كأن يضرب أو يتسبب بضرر لغيره ، يعتبر ذلك رجولة وشجاعة ، وهو بالحقيقة سذاجة وضعف ، فالشديد الشجاع ، ليس بالصرعة ، كما قال النبي r ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يجنبنا الغضب ونتائجه وأضراره ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
لاشك أن الغضب عادة ذميمة ، تغضب الله U وترضي الشيطان ، وتؤدي إلى التقاطع وإفساد ذات البين ، وتولد الحقد والحسد والبغضاء ، وتؤثر على البدن والصحة ، وتسبب نفرة الخلق وكره الناس ، ولذلك قال مجاهد ـ رحمه الله ـ : قال إبليس لعنه الله : ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث : إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا ، وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم ، ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه .
أيها الأخوة :
ونحن نحذر من الغضب ، ينبغي لنا أن نعرف أنه أمر لابد منه ، وأن المسلم معرض له ، فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، يستحيل أن تكون الأمور كما يريد الإنسان ، فقد يجد ما يغضبه من أقرب الناس إليه وأحبهم لديه ، قد يكون من أخ شقيق ، أو رفيق صديق ، أو زوج أو ابن أو جار ، أو زميل عمل ، وهنا يأتي امتثال المسلم لأمر ربه U وتوجيهات نبيه r واختبار نفسه ، فليكن الغضب عند ذلك وسيلة لرفع الدرجات ، والحصول على أكبر قدر من الحسنات ، وكما قال تبارك وتعالى : } ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ { .
وأخيرا ـ أيها الأخوة ـ يجدر بنا أن نشير إلى أن الغضب المذموم ، لا يدخل فيه الغضب لله U ، لأن الغضب لله من الأمور المطلوبة شرعا ، وهو من عمل النبي r ، تقول عائشة رضي الله عنها : ما غضب رسول الله غضبا ينتقم من أحد لنفسه قط إلا أن يكون شيئا هو لله فيغضب لله وينتقم .
اسأل الله U لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وعملا صالحا ، إنه سميع مجيب .
اللهم يامن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وجوارحنا من الخيانة برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم وحد صفهم ، وقوي شوكتهم ، اللهم اجعلهم يحكمون بكتابك وبسنة نبيك محمد r .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا تعز فيه أولياءك ، وتذل فيه أعداءك ، ويعمل فيه بطاعتك ، وينهى فيه عن معصيتك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|