لا للفساد الإداري
الحمد لله رب العالمين ، القائل في كتابه المبين : } وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ عباد الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الفساد بأنواعه وأشكاله ، وصوره وأوضاعه ، أمر لا يحبه الله U ، وظاهرة سيئة في المجتمع المسلم ، وسمة هلاك للأمم ، يقول تبارك وتعالى : } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ { فالفساد أمر ممقوت شرعا ، لا يحبه الله U ، ولا يحب أهله ، كما قال تبارك وتعالى : } وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { بل ـ أيها الأخوة ـ الله U بسبب الفساد وانتشاره وكثرته ، عذب أقواما وأبادهم عن آخرهم ، كما قال تعالى : } الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ { فالفساد أمر مرفوض شرعا مهما كان نوعه ، سواء كان فسادا أخلاقيا أو فسادا ماليا أو فسادا إداريا أو غير ذلك ، فهو الفساد الذي ضد الصلاح ، ويكفيه ذلك سوءا ومقتا وذما .
أيها الأخوة :
ومن أنواع الفساد الذي تعاني منه البلاد ، ويشتكي منه العباد : الفساد الإداري ، الذي لا ينكر وجوده عاقل ، وما أمر خادم الحرمين الشريفين ، بتتبع أهله ، وتأسيس هيئة لمكافحته ، إلا الدليل الواضح على وجوده وكثرته وانتشاره ، فنشكر له ـ حفظه الله ـ حرصه وتقديره لمسؤوليته.
أيها الأخوة :
الفساد الإداري ، ظاهرة نشاز ، وقضية خطيرة ، بلي بها عباد المناصب والدراهم ، وعانى من ويلاتها كثير من الجهات ، سببها ضعف الإيمان ، وعدم استشعار المسؤولية ، والاستهانة بالأمانة ، وحب الثراء ، أما أدواتها ووسائلها ، فالرشوة والتزوير ، والسرقة والاختلاس والاحتيال ، ونفع الأقارب والأصدقاء على حساب غيرهم ، ولذلك ـ أيها الأخوة ـ تعطلت كثير من المصالح ، وضاعت الحقوق ، وتوقفت المشاريع ، واصطيد بالماء العكر ، وتجرأ السفهاء للنيل من ولاة أمرنا بسبب أرباب الفساد الإداري لا كثرهم الله ، بل حصلت العديد من الكوارث والنكبات ، وهذا كله على حساب الوطن والمواطن ، وهو نتيجة خيانة الأمانة ، التي أخبر بها النبي r في الحديث الصحيح ، حينما سأله الأعرابي ، فقال يا رسول الله : متى الساعة ؟ قال r : (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )) - قال كيف إضاعتها ؟ قال r : (( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )) فضياع الأمانة ، الذي هو عنوان الفساد الإداري ، سببه أن الأمور وكلت إلى غير أهلها ، وأسندت المسؤوليات لمن هو ليس بكفء لها ، وقد ذكر الله لنا في كتابه ، أمورا هامة يجب أن تتوفر في كل مسؤول ، من ذلك القوة والأمانة ، كما قال تبارك وتعالى على لسان ابنة شعيب ـ عليه السلام ـ : } قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ { وكذلك الحفظ والعلم ، كما قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام : } قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ { فالقوة والأمانة ، وحفظ الحقوق والعلم ، صفات ينبغي بل يجب أن تتوفر في كل مسؤول ، وهو ما افتقده الإداريون الفاسدون ، فهم علماء بشهاداتهم ، أقواي في مؤهلاتهم ، ولكنهم خونة لأماناتهم ، يستغلون مناصبهم لتلبية رغباتهم الخاصة ، وتحقيق شهواتهم الخاطئة ، فليبشروا بمحاسبة الله لهم ، وسؤالهم عن استغلال مناصبهم ، وأكلهم لأموال المسلمين بالباطل ، يقول النبي r : (( ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك ، إلا أتى الله مغلولا ، يده إلى عنقه ، فكه بره ، أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة ، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزي يوم القيامة )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن كل معاناة يعاني منها المجتمع ، من سوء الخدمات ، وقلة الإنجازات ، وتأخر في المتطلبات الحياتية ، وراؤه الفساد الإداري ، والمسئولون الذين لا يبالون في مسؤولياتهم ، فما أمر ولي أمرنا ـ خادم الحرمين الشريفين ـ إلا إنجاز كبير ، وخطوة رائدة ، أتت نتيجة فكره النير ، وتأكيدا لما قال أبان بيعته ، حيث قال : أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستورا والإسلام منهجا وان يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة .
فنسأل الله U أن يوفقك يا خادم الحرمين ، وأن يسددك وأن ينفع بك البلاد والعباد ، وأن يجعلك سيفا سليطا على الفساد والمفسدين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولاة الأمر ، وهيئة مكافحة الفساد ، ليسو شمسا شارقة ، ولا يخفى عليكم اتساع البلاد ، فلابد من التعاون في محاربة الفساد والمفسدين ، وكما قال U : } وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { فنحن بحاجة لنقف صفا واحدا ، ونكون يدا واحده ، مع ولاة أمرنا ، أمام هذا الفساد المنتشر ، ليسلم لنا مجتمعنا ، ونحصل على حقوقنا ، ولا تتعطل مصالحنا .
أيها الأخوة :
إن محاسبة المفسدين ، أمر يقتضيه ديننا ، ويأمر به شرع ربنا ، وهو ما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين ، بأمره المتعلق بالفساد ، فالمفسد كائنا من كان ، لا بد من محاسبته ، وكما قال النبي r في الحديث الصحيح : (( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا جميعا في هذا الدين ، وأن يمن علينا بصلاح أحوالنا إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أيد إمامنا ـ خادم الحرمين ـ بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله برضاك ، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم من أرادنا بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|