التَّعَدُّدِيَّة والآحادِيَّة
إن الحمدَ لله نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هادي له؛ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد:- أيها الناس:
اتقوا الله تعالى, وعظموا شعائر الله, واعلموا أن من تعظيم الله, إجلالَ العلماء, والرجوعَ إليهم في مسائل العلم, واحترامهم بما يحملونه من العلم الذي فضلهم الله به, فهم الأمان للناس بعد الله من الضلال.
إن من الفتن المعاصرة التي أفسدت على الناس تصَوُّرَهم لمسائل العلم, كثرة المتكلمين في أمور الشريعة, والتصدي لمناقشة الأقوال العلمية من قِبَلِ غير المختصين,
وهؤلاء المتكلمون على قسمين:
الأول: من تَصَدَّى لذلك مِمَّن ينتسبون إلى الدعوة, من غير أهل العلم, فأقحموا أنفسهم في إفتاء الناس قبل التحصيل الذي يؤهلهم لذلك, فوقعوا وأوقعوا غيرهم في الحرج ـ قصدوا ذلك أو لم يقصدوا ـ وهؤلاء مسؤوليتهم أَمامَ اللهِ عظيمة, ما لم يَلزَموا حدودَهم العلمية, ويُشْغِلوا أَنفُسَهم فيما يَقْدِرُون عليه, ويتركون الفتوى لأهلها, لأن أمرها عظيم, والخطأ فيها كبير.
القسم الثاني: من يُسَمَّوْن بالمثقفين وَكُتَّابِ الصُّحُف, الذين جَنَّدُوا أنفسهم لِمُناطحة العلماء, وانتقادِهم عَلَناً باسم حُرِّية الفِكر والرأي, والتَّعَدُّدِيَّة, ولِغَرَضِ ترويجِ ما يَحْمِلُونه من الباطل الذي لا يجني منه المجتمع إلا الإنسلاخَ من تعاليم الإسلام, وزعزعةَ ثِقَتِهم بِأَحكامِ الشريعة,
ولِهذا الصنفِ جُهْدٌ كبيرٌ وكثير في هذه الأيام, أَشْغَلُوا به عوامَّ المسلمين, وأوقعوا كثيراً منهم في الحَيْرَةِ, فيما يتعلق بِأمورِ دينِهم, وَمِن علامةِ هؤلاء, كثرةُ انتقادِهم لِعُلَماء الشريعة, وتسفيهُ آرائِهم, واتهامُهم بالآحادِيَّة والظَلامِيَّة والتَحَجُّر.
والواجب على المسلمين, أن يَعُوا ذلك جيداً, وأن يعلموا بأن أخطر الفتن التي تواجههم هي ما يتعلق بدينهم, وأن لا يفتحوا آذانَهم وقلوبَهم, لكل من هَبَّ ودَب, وأن يَرْجِعُوا فيما يتعلق بعقيدتهم وعبادتهم إلى أهل الإختصاص.
ألا ترون أننا في أمور دنيانا لا نرجع إلا إلى أهل الإختصاص, سواء كان في الطب, أو الهندسة, أو غيرها من فنون العلم, بل حتى في البناء والسباكة والكهرباء, وإصلاح المَرْكَبَات والسيارات.
فلو رأينا رجلاً غير مختص بالطب قد فتح عيادةً وقال, ما دامت الكتب والمراجع موجودة, فأنا سأفتح عيادة, وإذا جاءني من يشتكي, فتحت الكتب والمراجع ونَقَّبْت عن حالة هذا المريض وعالجتُه من خِلالِها, والأمر لا يحتاج إلى مزيد كلفة, فهل نَقْبَلُ دعواه وَنَثِقُ بما يقول؟.
لقد ابتُلِيَت الأمة بأمثال هذا المُدَّعِي في أَعَزِّ ما نملك, ألا وهو ديننا. لقد ابتُلِينا بمن يظهر في الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت, يَصُولُون ويَجُولُون في مسائل الشريعة, ويُبْهِرُون القارئَ أو المُسْتَمِعَ أو المُشَاهِدَ بِذِكرِ الخلافات في المسائل, ليُظهِروا للمُتَابِع أنهم على عِلْم واطلاع ودراية, وأنهم قد أَشْبَعُوا المسائل التي يتكلمون عنها بحثاً وتنقيباً, كي يَغْتَرَّ بهم الناس فيثقون بما يقولون, ثم يدعمون أقوالهم بالرد على أحد الراسخين في العلم, فيقولون: قال الشيخ فلان هداه الله وعفا الله عنه ـ كي يستقرَّ عند المُتابع أنهم ممن يُقارِعُون الحجج ويُقَرِّرون المسائل, وبعدها يَبُثُّون السُّمُوم التي لا يصمد أمامها إلا من رحم الله.
لقد حُورِبَت عقيدة الولاء والبراء, من خلال هؤلاء, فالمسلمون والكفار شيء واحد عندهم. وانتشرت فتاوى الإختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل من خلال هؤلاء, وَكَثُرَت الإعتراضات على إغلاق المحلات لأداء الصلاة بلادنا من قِبَلِهِم, وانتشرت الفَوْضى الأسرية وضعفت قِوَامَةُ الرجال داخل البيوت باسم الحرية والإستقلالية وعدم التدخل في شؤون الآخرين, وحرية المرأة, فلا ينبغي للرجل المُتَحَجِّرِ أن يُتَابِع من يعول في بيته, ولا يفرض عليهم ما يحمي أفكارهم وأخلاقهم, كي لا يَتَعَقَّدُون, ولا يجب على المرأة أن تخدم زوجها, فتتعطل عن ميادين الحياة, لأن المسألة خلافية, ولأنها كالرجل, وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: ( المرأة راعية في بيت زوجها ).
إن خدمة المرأة لزوجها في بيته, أمرٌ مُسَلَّمٌ في الشريعة, لم يكن يُناَقَشُ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, بل لم يكُن يُفَرَّق فيه بين الشريفة والوضيعة, والغنية والفقيرة,
فهذه سَيِّدَة نساء أهل الجنة, فاطمةُ رضي الله عنها, بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم, تشتكي ما تلقى من الخدمة في البيت, حتى أثر ذلك في يديها, فلم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم, إن الخدمةَ ليست واجبةً عليكِ, ولم يُعاتِب زوجها عليّاً رضي الله عنه, في ذلك.
وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ( كنت أخدم الزبيرَ خدمة البيت كُلِّه, وكانت له فرس فكنت أَسُوسُه, وكنت أَحْتَشُّ له, وأقومُ عليه ), ولما رآها النبي صلى الله عليه وسلم والزبيرُ معه, والعَلَفُ على رأسِها, لم يقل له لا خدمة عليها وأن هذا ظلم, ويُروى في مسنَدِ أحمدَ والبزار أن النبي صلى الله ليه وسلم سُئِلَ ما حقُّ الزوجِ على زوجتِه؟ فقال: ( مِن حَقِّهِ لو سال مِنخَرَاه دَماً وقَيْحاً فَلَحِسَتْه بِلِسانِها ما أدَّت حَقَّه, لو كان لِبَشَر أن يسجد لبشر, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ عباد الله:-
إن ما يُنْشَرُ في الصُحُفِ اليوم, والذي سمعتم بعضاً منه, يُكتب بكل جرأة, دون محاسبة أو رقابة, والمسلم الحريص على دينه لا ينساق لهؤلاء بحجة أنه مسكوتٌ عنهم بل يقف موقف المسلم الثابت.
وبيوت المسلمين, مهما تكلم المتكلمون, وكتب المفكرون والمربون, فإنها لا تصلح إلا بتطبيق تعاليم الإسلام. وتعاليمُ الإسلام لا نستعين على فهمها إلا من طريق علماء الشريعة.
فاتقوا الله عباد الله, وتمسكوا بتعاليم دينكم, واعلموا أنه لا عزة لكم إلا بذلك.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فقهنا في دينك، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|