خطبة: خطوات الشيطان في إغواء العبد
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتذكّروا قول الله جل وعلا: ( إِنِّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنِّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير ). لقد أقسم الشيطان بعزة الله على إغواء بني آدم وإضلالهم بكل ما أوتي من إمكانات ليشاركوه في المصير الذي ينتظره يوم القيامة.
وللشيطان طرق وخطوات يسلكها في إغواء العبد:
أولها: إيقاعه في الشرك والكفر, فإن أوقعه فيه, اطمأن وارتاح وتركه في كفره ولم يشغله بغيره, لأنه ليس بعد الكفر ذنب. فلا يشغله غالبا بما يشغل به عصاة المؤمنين فيما بينهم, كالحسد والضغينة والبغضاء وما شابه ذلك.
وبناء على ذلك فلا ينبغي للمؤمن أن يستغرب عندما يرى الكفار أحياناً سالمين من بعض ما يقع فيه بعض المسلمين اليوم. لأن الشيطان لما أوقعهم في الكفر, استغنى به عن غيره.
الخطوة الثانية: إذا لم يتمكن من إيقاع العبد في الكفر, فإنه ينتقل إلى الذنب الذي بعده, ألا وهو البدعة.
والبدعة: هي الاعتقاد أو العمل الذي لم يشرعه الله. فمن تقرب إلى الله بعمل لم يشرعه الله فإنه بدعة مردودة على صاحبها. قال السلف: ( الشيطان أفرح بالبدعة من المعصية, لأن المعصية يُتاب منها, والبدعة لا يُتاب منها ). والسبب في ذلك: هو أن المبتدع يرى أنه يتقرب إلى الله بعمله فلا يتوب, بل يغضب إذا نُصِح عنها, وربما يعادي من ينكر عليه في ذلك ويتهمه بالصد عن سبيل الله ومحاربة الخير. بخلاف المعصية فإن صاحبها يعلم أنه مخطئ في عمله ومذنب, ولذلك يكون أقرب للتوبة من صاحب البدعة. ومن أراد أن يتأكد من ذلك فلينظر إلى الروافض ليلة عاشوراء. وإلى المتصوفة في إحياء الموالد، وإلى الخوارج وما يفعلونه بالناس باسم الجهاد وطلب الشهادة, نعوذ بالله من الضلال.
الخطوة الثالثة: إذا لم يتمكن من إيقاع العبد في البدعة, أوقعه في الكبيرة, فحببها إليه, وزينها في قلبه, وحثه على الوقوع في خطواتها, والطرق المؤدية إليها.
الخطوة الرابعة: إذا لم يتمكن من إيقاعه في الكبيرة فإنه يسعى لإيقاعه في الصغائر, والتهاون في عواقبها, حتى يجتمعن عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ( إيّاكِ ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه ).
الخطوة الخامسة: إذا لم يتمكن من إيقاعه في الصغائر, فإنه يشغله بالمُباحات وبالإكثار منها والغلو في ذلك حتى تكون همَّهُ الأكبر وحتى ينشغل بها عن التزود بالطاعات والإكثار من الحسنات.
وهكذا تكون حال الشيطان مع ابن آدم, كلما عجز عن خطوة انتقل إلى التي تليها, فإما أن يخرجه عن الملة, وإما أن يجعله من أهل البدع، وإما أن يلحقه بالفساق وأهل الكبائر, فإن عجز سعى لإشغاله عن الأعمال التي تلحقه بالمقربين والأبرار, لأنه لابد وأن ينال منه بأي طريقة كانت. يقول الله جل وعلا: ( إِنِّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا )، ويقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتِّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدَاً وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم ). فاتقوا الله عباد الله, وابذلُوا أسباب السلامة من نزغات الشيطان, وحصّنوا أنفسكم بسلامة العقيدة, والإخلاص, ولزوم الذكر والاستغفار. وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن أبواب التشاؤم لا يفتحها إلا الشيطان، خصوصا ما يؤثر في نفسية العبد ويحزنه ويقلقه, ولذلك كثيرا ما يخوف العبد من الفقر والجوع والضياع, قال تعالى: ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقَرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم ).
وفي هذا الزمان كثرت المخاوف لدى كثير من الناس مع الأسف خصوصا وهم يرون الفتن وما يصيب العالم من حولهم. حتى صار بعضهم يرى فقره بين عينيه, ويشعر بأن مستقبله مظلم له ولأسرته, إن كان يعول أسرة, حتى وصل هذا الشعور إلى الطالب في مدرسته, مما جعله لا يهتم بدراسته ولا يحرص على ما ينفعه.
وهذا كله بسبب ضعف الإيمان وضعف الثقة بالله, والاستجابة لوساوس الشيطان وتثبيطاته. ولا يسلم من ذلك إلا من كان صادقا في إيمانه, متوكلا على الله, وواثقا بالله وبوعده الصادق لعباده وأوليائه. لأن وعد الله صادق, وسننه في عباده وأوليائه ثابتةٌ لا تتبدل ولا تتحول, سُنَّةَ الله ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَْبدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ). المؤمن موقنٌ بقوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ). وبقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَقِّ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجَاً ). وبقوله تعالى: ( أَلآ إِِنِّ أَوْلِيآءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون ). وبقوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ).
المؤمن الصادق موقن حق اليقين بأن من فعل الأسباب المذكورة في هذه الآيات يستحيل أن يخذله الله أو يتخلى عنه.
فيجب على المسلم أن يتقي الله وأن يعلق قلبه بالله وأن يتوكل عليه, وأن يجعل الآخرة همه كي يسعد في دنياه وأخراه .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين. اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين ، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا رب العالمين ، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|