سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
الخطبة الأولى:
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من
يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
كثيراً. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.
{ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.{ يَا أَيُّهَا
الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا }. أما بعد:-
فإن خير
الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر
الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عن أبي هُريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه
معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة
ذات منصب وجمالٍ، فقال: إني أخافُ الله ، ورجلٌ تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم
شماله ما تنفق يمينهُ، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) متفقٌ
عليه.
( سبعة يظلهم الله في
ظله يوم لا ظل إلا ظله )، وليس هذا على سبيل الحصر، هناك أناس آخرون يظلهم الله غير
هؤلاء، لورود ذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأول:
إمام عادل: بدأ بالإمام العادل الذي يعدل بين الناس، وأهم عدل في الإمام أن يحكم بين
الناس بشريعة الله؛ لأن شريعة الله هي العدل، وأما من حكم بالقوانين الوضعية
المخالفة للشريعة؛ فهو من أشد الولاة جوراً- والعياذ بالله- وأبعد الناس من أن يظله
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس من العدل أن تحكم بين عباد الله بشريعة
غير شريعة الله. ومن ذلك أن يقتص الحق حتى من نفسه ومن أقرب الناس إليه؛ لقول الله
تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ). ومن ذلك أيضاً ألا يفرّق بين القريب أو الشريف وغيره، فتجده
إذا كان الحق على الشريف أو القريب تهاون في تنفيذه، وإذا كان على غيره شدد في
تنفيذه. فإن هذا ليس من العدل . والعدل في ولي الأمر له فروع كثيرة وأنواع كثيرة ليس
هذا مقامها.
أما
الثاني: فهو ( شاب نشأ في عبادة ربه )، المراد صغير السن الذي نشأ في طاعة الله واستمر
على ذلك، محافظا على الصلاة ، حريصا على تطبيق السنة, باراً بوالديه, حسن
الخُلُق, سليم القلب عفيف اللسان, بعيدا عن مواطن الفواحش والشبهات.
والثالث: ( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) رجلان
تحابا في الله ، يعني ليس بينهما صلة من نسب أو غيره، ولكن تحابا في الله. كل واحد منهم رأى
أن صاحبه ذو عبادة وطاعة لله عز وجل، وقيام بما يجب لأهله ولمن له حق عليه ، فرآه
على هذه الحال فأحبه. ( اجتمعا عليه وتفرقا عليه ).
يعني اجتمعا عليه في الدنيا ، وبقيا على ذلك إلى أن
ماتا فتفرقا على ذلك، هذان أيضاً ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وكثير من الشباب اليوم
لا يهتمون بهذه الخصلة, ألا وهي الحب في الله والبغض في الله,
والحرص على مصاحبة أهل الخير, الذين يذكرون بالله ويعينون على طاعة الله. وينبغي أن
يُعلَم بأنه ما من انحراف يقع فيه الشاب غالبا إلا وسببه الأول هو جليس السوء,
لقوله عليه الصلاة والسلام: ( الرجل على دين
خليله فلينظر أحدكم من يخالل ).
والرابع:( رجلٌ قلبه معلق بالمساجد ) يعني أنه يألف المسجد والمكث
فيه, ويواظب على الصلاة فيه, ويحبها, وكلما فرغ من صلاة إذا هو يتطلع إلى الصلاة
التي تليها، ويحرص على التبكير في الذهاب إلى الصلاة, ولا تفوته تكبيرة الإحرام.
وهذا يدل على قوة صلته بالله عزّ وجلّ، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، فإذا
أحبها الإنسان وألفها فهذا يعني أنه يحب الصلة التي بينه وبين الله، فيكون ممن يظلهم
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
نسأل
الله أن يجعلنا هداة مهتدين، بارك الله لي ولكم في
القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون
واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه
؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
والخامس: ( رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال ) يعني دعته لنفسها
ليفجر بها، ولكنه كان قوي العفة، طاهر العرض ( قال إني
أخاف الله ) فهو رجل ذو شهوة، والدعوة التي دعته إليها هذه المرأة توجب أن يفعل؛ لأنها هي
التي طلبته، والمكان خال ليس فيه أحد، وهي جميلة, وذات منصب, أي: لا خوف عليه من
المخلوقين, ولكنه قال إني أخاف الله، لم يقل: أخشى أن يطلع علينا أحد، ولم يقل
إنه لا رغبة له في الجماع، ولكن قال: ( إني
أخاف الله ). لأن الله يراني. ( إني أخاف
الله ) لأن الله حرم الزنا. ( إني أخاف
الله
), لأن الله أعد للزناة عذابا أليما, فقد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يعذبون في مثل التنور,
أعلاه ضيق, وأسفله واسع, وفي أسفله نار, نعوذ بالله من النار. فهذا الرجل تهيأت له جميع دواعي الزنا,
فامتنع خوفا من الله!!!
فأين الذي يبذل الغالي والنفيس من
أجل تتبع العورات والوقوع في الفواحش, وقد يسافر إلى الخارج, ويضحي بوقته وماله, ويتعرض للمخاطر من
أجل ذلك نعوذ بالله.
والسادس:
( رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
يمينه ). وهذه علامة على كمال الإخلاص, تصدق بصدقة مخلصاً بذلك لله عزّ وجلّ،
حتى إنه لو كان أحدٌ عن يساره ما علم بذلك من شدة الإخفاء فهذا عنده كمال
الإخلاص، فيظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهذا ما لم يكون إظهار الصدقة فيه
مصلحة وخير، فإذا كان في إظهار الصدقة مصلحة وخير كان إظهارها أولى، لكن إذا لم
يكن فيه مصلحة فالإسرار أولى.
السابع:
( رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) ذكر الله
خالياً مخلصا لله، في مكان لا يراه فيه أحد من الخلق، خالياً قلبه من التعلق
بالدنيا، فخشع من ذلك وفاضت عيناه.
فهؤلاء السبعة يظلهم
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قد توجد صفتان فأكثر في شخص واحد، وقد لا يوجد في الإنسان إلا
صفة واحدة وهي كافية.
نسأل الله أن يظلنا في ظله يوم لا
ظل إلا ظله .... |