وقفة مع آية ( 1 )
قال تعالى ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) )
قال ابن كثير رحمه الله : يبين تعالى كيف يخلق السحاب التي ينزل منها الماء فقال: { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } ، إما من البحر على ما ذكره غير واحد، أو مما يشاء الله عز وجل. { فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ } أي: يَمُدّه فيكثّرهُ ويُنَمّيه، ويجعل من القليل كثيرا، ينشئ سحابة فترى في رأي العين مثل الترس، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق.
وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة ماء، كما قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 57]، وكذلك قال هاهنا : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا } . قال مجاهد، وأبو عمرو بن العلاء، ومطر الوَرّاق، وقتادة: يعني قطعا.
وقال غيره: متراكما، قاله الضحاك. وقال غيره: أسود من كثرة الماء، تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض.
وقوله { فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } أي: فترى المطر -وهو القطر -يخرج من بين ذلك السحاب، { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي: لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم.
وقوله: { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } ، معنى الكلام: أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قَنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم، جاءهم على فاقة - حاجة -، فوقع منهم موقعا عظيما.
قال: { فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ } يعني: المطر { كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } .ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها، فقال: { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى } أي: إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات، { إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . اهـ
----------------------------------------------------------------
بقلم الشيخ : وليد بن سالم الشعبان
رئيس مركز هئية قفار
|