صَنائِعُ المَعْروفِ وَالْمُشارَكَةُ فِي حَمْلَةِ
التَبَرُّعاتِ لِإِخْوانِنا في السُّودانِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيُّها
الناسُ: اتقُوا اللهَ تَعالَى، وابْذُلُوا الْمَعْرُوفَ،
وَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، واعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العِبادِ إِلَى
اللهِ أَنْفَعُهُمْ. قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ
تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي العُمُرِ ). والْمَعْرُوفُ: هُوَ الإحسانُ إلى عِبادِ اللهِ بِعَمَلِ الْمَعْرُوفِ،
وَذلكَ بِالدَّعْوَةِ والنُّصْحِ والتَّوْجِيهِ، وَإِرْشادِ الجاهِلِ،
وَالبِرِّ، والصِّلَةِ، والصَّدَقَةِ، وَإِغاثَةِ الْمَلْهُوفِ،
وَقَضاءِ حَوَائِجِ الناسِ، وَسَدَادِ الدُّيُونِ،
وَالوَضْعِ عَنْ الْمُعْسِرِينَ، وَتَنْفِيسِ الكُرُبَاتِ،
والسِّعَايَةِ عَلَى الأَرامِلِ، وَكَفالَةِ الأيْتامِ،
وإصْلاحِ ذَاتِ البَيْنِ، حَتَّى الْمَسْؤُولُ،
أَوِ الْمُوَظَّفُ الذي يُؤَدِّي عَمَلَه بِأَمَانَةٍ وإخْلاصٍ،
وَيَحْرِصُ عَلَى حُسْنِ التَّعامُلِ مَعْ الْمُراجِعِين،
والتَلَطُّفِ مَعَهُمْ، وَإِنْجازِ مُعامَلَاتِهِم،
وَعَدَمِ تَعْطِيلِهِم، أَوِ التَغَيُّبِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ،
يُعْتَبَرُ ذلِكَ مِن صَنَائِعِ المَعْرُوفِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ صَنائِعِ المَعْرُوفِ يا عِبادَ اللهِ، أَنْ
تَقِفُوا مَعَ إخْوانِكُمْ الْمُسْلِمينَ في شِدَّتِهِمْ وَمِحْنَتِهِمْ
وأَزَماتِهِمْ، وَمِنْ ذلكَ: مَا يَمُرُّ بِهِ إخْوانُنَا في السُّودانِ في هذِه
الأيَّامِ مِنْ أَوْضاعٍ مُؤْلِمَةٍ تَتَطَلَّبُ مِنَّا ومِنْ إِخْوانِنَا الْمُسلمينَ
الوَقْفَةَ مَعَهُمْ بِقُلُوبِنا وأفْعالِنا، وَذلكَ بِالدَّعاءِ لَهُمْ أَنْ
تَزُولَ عَنْهُمْ هَذِهِ الأَزْمَةُ، وَيَعُودَ لَهُمْ الأَمْنُ والاِسْتِقْرارُ.
وَكذلكَ الْمُساهَمَةُ في الحَمْلَةِ الْمُبارَكَةِ
الْمَبْنِيَّةِ عَلى التَّوجِيهِ الكَريمِ مِنْ وُلاةِ الأَمْرِ حَفِظَهُمْ اللهُ،
وَذلكَ مِن خِلالِ التَبَرُّعِ عَبْرَ مَنَصَّةِ ساهِمْ، لِلتَّخْفِيفِ مِنْ آثارِ
الأَزْمَةِ الصَّعْبَةِ التي تَشْهَدُها جُمْهورِيَّةُ السُّودانِ.
وَصَدَقَةُ السِّرِّ: هِيَ الصَّدَقَةُ التي تَكُونُ فِي الخَفَاءِ.
وَالصَّدَقَةُ عُمُومًا سَوَاءً كانت سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً شَأْنُها عَظِيمٌ،
وَتَدُلُّ عَلَى كَرَمِ النَّفْسِ، وَحُبِّ الخَيْرِ لِلْغَيْرِ،
وَعَدَمِ التَعَلُّقِ بِالدنيا والدِّينارِ والدِّرْهَمِ. وَلَكِنَّ فَضْلَ
الصَّدَقَةِ يَتَفاوَتُ، وَأَعْظَمُهُ إذا بَذَلَها صاحِبُها سِرًّا
فِي الخَفَاءِ حِينَ لَا يَرَاه أَحَدٌ إِلَّا اللهُ. لِأَنَّها تَحْتاجُ إِلَى
عَمَلٍ وَبَذْلٍ، وَتَدُلُّ عَلَى الإخلاصِ وَكَمالِ
الأُخُوَّةِ الإيمانِيَّةِ، لِأَنَّ صاحِبَها يَتَفَقَّدُ إخوانَه،
وَيَتَحَرَّى الْمُسْتَحِقَّ، وَلِأَنَّها تُغْنِي الفَقِيرَ عَنْ
التَعَرُّضِ لِلناسِ. فَإِنَّ الْمَساكِينَ يَتَفَاوَتُونَ،
فَمِنْهُم مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلناسِ وَيَسْأَلُ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِإِعْطائِهِ،
وَعَدَمِ رَدِّهِ وَإِهانَتِهِ. وَمِن الْمَساكِينِ مَنْ هُوَ مُتَعَفِّفٌ وَلَا
يَسْأَلُ الناسَ شَيْئًا، وَلَا يُفْطَنُ لَه. وَقَدْ أَرْشَدَ النبيُّ
صَلَى اللهُ عليه وسلم إِلَى تَفَقُّدِ هذا النَّوْعِ مِن الْمَساكِينِ، قال
رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( لَيْسَ
الْمِسْكِينُ الذي يَطُوفُ عَلَى الناسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمتَانِ،
وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ، وَلَكِنَّ المِسْكينُ الذي لا يَجِدُ غِنًى
يُغْنِيه، ولا يُفْطَنُ له فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ
الناسَ ). وَهذا النَّوْعُ مِن الْمَساكِينِ،
هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِه تَعالَى: ( وَفِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ). فَالسَّائِلُ: هُوَ الذي يَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ
وَيَسْأَلُهُم. وَالْمَحْرُومُ: هُوَ الذي لَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ،
وَلَا يَسْأَلُهُمْ.
وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ: فَإِنَّها تَزِيدُ فِي العُمُرِ،
كَمَا سَمِعْتُمْ فِي الحديثِ. فَالصِّلَةُ سَبَبٌ لِطُولِ العُمُرِ،
وَبَرَكَتِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ في ذلِكَ: الوَالِدانِ،
ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ. وَالصِّلَةُ تَكُونُ بِالزِّيارَةِ،
والإِحسانِ، وَحُسْنِ الْمُعامَلَةِ، وَبَذْلِ الْمَعْروفِ،
بِالنَّصِيحَةِ وَتَفَقُّدِ الأَحْوالِ. وَهَذِهِ الصِّلَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ
نَحْوَ أقارِبِهِ، سَوَاءً كانُوا وَاصِلِين لَهُ،
أَوْ قاطِعِين.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا
إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عِبادَ اللهِ: إِنَّ مِن الناسِ مَنْ لَا يَصِلُ إلَّا مَنْ
وَصَلَه. وَبَعْضُ الناسِ لَا يَصِلُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَحْناءُ،
أَوْ اخْتِلَافٌ. قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكافِئِ، إِنَّمَا الوَاصِلُ الذي إذا
قُطِعَتْ رَحِمُه وَصَلَها ).
وَقالَ رَجُلٌ لِلنبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ لِي رَحِمًا أَصِلُهُمْ
وَيَقْطَعُونَنِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِم وَيُسِيئُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ
عَلَيْهِم وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ لَه النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( إِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُم الْمَلَّ،
وَلَا يَزالُ مَعَكَ مِنْ اللهِ عَلَيهِم ظَهِيرٌ، ما دُمْتَ عَلَى ذلك ). والْمَلُّ: هُوَ الرَّمادُ الحارُّ.
وَيَكْفِي فِي فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النبيُّ صلى اللهُ عليه
وسلمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، أَنَّ اللهَ تعالَى قال: ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ). وَكَمَا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبٌ
لِطُولِ العُمُرِ وَبَرَكَتِهِ، فَهِيَ أَيْضًا سَبَبٌ لِسَعَةِ الرِّزْقِ
وَبَرَكَتِهِ، يَقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي
أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه ). وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الخُلُقِ وَحُسْنُ الجِوارِ يُعَمِّرانِ
الدِّيارَ وَيَزيدانِ فِي الأَعْمارِ ). وَمِنْ لَوازِمِ ذلك: أَنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ سَبَبٌ لِخَرابِ
الدِّيارِ وَضِيقِ الرِّزْقِ، وَمَحْقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَالْعُمُرِ.
وَقَدْ دَلَّتْ نُصُوصُ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ، عَلَى أَنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ سَبَبٌ
لِلْعُقُوبَةِ فِي الدنيا وَحُلُولِ اللَّعْنَةِ، والعَذابِ فِي الآخِرَةِ، قالَ تَعَالَى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ).
اللهم اهدِنا لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرف عنّا
سيئها لا يصِرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَن
زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا
مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال
المسلمين، اللهم أنزل على الْمسلمين رحمة عامة وهداية عامة، اللهم أعزَّ الإسلام
والْمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم
ارفع البلاء عن الْمستضعفين من الْمؤمنين في كل مكان، اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم عليك بأعدائها
في الداخل والخارج، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات، اللهم وفق ولاة أمرنا
بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، واجعلهم أنصاراً لدينك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة
يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |