احذروا الميل العظيم
الحمد لله ، يعلم الظاهر والمكنون ، أحاط علما بالحركات والسكون ، الحكيم الذي قرب بعيدا وأبعد قريبا ، وأذل عاصيا وأعز طائعا منيبا ، } لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه :
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد ، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه } إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ { وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله ربكم ، بفعل أوامره ، وبالبعد عما نهاكم عنه ، فتقوى الله وصيته سبحانه لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
قضية المؤامرة على المرأة المسلمة ، لإبعادها عن تعاليم دينها ، وتمردها على شرع ربها ، قضية خطيرة ، يتولى كبرها ، من أشار الله U إليهم بقوله : } وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً { الذين يتبعون الشهوات ، هم كما ذكر ابن كثير في تفسيره : أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة .
نعم - أيها الأخوة - هؤلاء وأذنابهم ، ومن تأثر بهم ، ومن اتبع ملتهم ، وراء هذه المؤامرة الخطيرة .
أيها الأخوة :
إن العاقل ليدرك تماما ، ماذا يريد هؤلاء ، وماهو الشيء الذي يخططون من أجله ، والهدف الذي يسعون للوصول إليه.
القضية - أيها الأخوة - هي أبعاد المرأة عن هذا الدين العظيم ، وإخراجها عن حشمتها وعفافها ، والقضاء على أخلاقها وحيائها .
العاقل - أيها الأخوة - يدرك ماذا يريد هؤلاء ، ليست القضية قضية عمل ، أو مسرح أو ملعب رياضي ، لا - والذي نفسي بيده - إنما هي قضية تهدف إلى إخراج المرأة من بيتها ، والزج بها بين الرجال الأجانب عنها ، والغاية من ذلك : أن تتجرد من حيائها وحجابها ، لتصبح ألعوبة بأيديهم ، وأداة لتحقيق مآربهم ، فتنهار القيم وتسقط الأخلاق ، ليسقط بعدها كل شيء ، يقول النبي r في الحديث الذي رواه مسلم : (( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) .
إنها - أيها الأخوة - مؤامرة - بدأت بالدعوة إلى كشف الوجه ، وهذا ما تأكده - غير مشكورة - أكثر وسائل الإعلام ، من خلال المجلات والأفلام وبعض البرامج وغيرها، ثم إلى قيادة السيارة ، ثم إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم السفر من غير محرم، بدعوى الدراسة في الجامعات، وحضور المؤتمرات والندوات ، ثم السكن في الفنادق والشقق المفروشة ، وآخر ما طلعوا لنا به ، الأندية الرياضية ونحوها ، هي - والله - خطوات الشيطان التي حذرنا الله منها فقال : } وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{ .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن وضع المرأة في هذه البلاد الطاهرة ، وضع تتمناه كل امرأة عاقل ، تعيش في غير هذه البلاد ، والسبب هو ما حل بالمرأة وما آلت إليه أمورها في كل بلدان العالم ، تقول مسلمة ألمانية : كم يؤلمني أن أرى أخواتي وإخواني المسلمين يركضون إلى المكان الذي هربت منه ، بعد أن كاد أن يقتلني ويخنقني ، ورغم أني من تلك البلاد فلن أعود إليها حتى أعي ديني جيدا ، فالدنيا دون إسلام جحيم دائم .
وتقول صحفية أمريكية : امنعوا الاختلاط ، وقيدوا حرية الفتاة ، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا ، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هددت الأسرة وزلزلت القيم والأخلاق .
وتقول كاتبة انجليزية مشهورة : إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم ، أو كالخوادم ، فهو خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، حيث فيها الحشمة والعفاف والطهر ، حيث المرأة تنعم بأرغد عيش وبصيانة العرض والشرف .
هذه - أخوتي في الله - شهادات من واقع تجربة :
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا دعاة الضلال والفساد والانحراف ، احذري يا فتاة الإسلام ، واعتزي بدينكِ ، وتمسك بشرع ربك :
إن التزامك بالحجاب تمسك
والسعي في نزع الحجاب تدهور
إن التزامك بالحجاب تقدم
والسعي في نزع الحجاب تأخر
إن عدت الفتن العظام فإنما
فتن النساء أشدهن وأخطر
أخشى على أوطاننا من فتنة
فتن البلاد أمامها تستصغر
فبلادنا بين البلاد تميزت
بالدين يمنحها الثبات ويعمر
فالنار تأكل كل شيء حولها
والقدر من فوق الأثافي تطفر
قد تهدم السد المشيد فأرة
ولقد يحطم أمة متهور
أخشى على الأخلاق كسرا بالغا
إن المبادئ كسرها لا يجبر
اللهم اهدِ ضال المسلمين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إننا في هذا المجتمع الآمن ، وهذه الدولة المباركة ، نعيش بين فئتين من الناس ، وهاتان الفئتان هما ما أشار إليه مؤسس هذه البلاد - الملك عبدا لعزيز رحمه الله - حيث قال في خطاب له : فنحن قائمون بما قام به أجدادنا الذين نصروا دعوة الشيخ ومن خالف ذلك إما بتفريط أو إفراط فلا يلومن إلا نفسه ، وهذا منهج سديد دل عليه القرآن والسنة .
فخطر أهل التفريط لا يقل شأنا عن خطر أهل الإفراط ، الإرهابي والمنافق ، كلاهما منبع شر على المجتمع . إن كان أيها الأخوة ، ما يفعله الإرهابيون ، خطرا على مجتمعنا ، وهو كذلك ، فإن ما يفعله المنافقون ، وما تكنه قلوبهم للإسلام والمسلمين ، أشد خطرا ، وأعظم ضررا ، فنسف المبادئ أخطر وأضر من نسف المباني ، والقضاء على الدين لا يقارن مع القضاء على المعاهدين ، فإن كانت تلك الطغمة الظالمة ، قد أخطأت في حق مجتمعنا الآمن ، فهذه الشرذمة الآثمة قد تجاوزت الحد في ثوابتنا ، وهل نلتمس لهم عذرا ، أو نأمن لهم مكرا والله يقول : ] هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [ .
أسأل الله ـ عز وجل ـ أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احم حوزة الدين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين. اللهم وفق إمامنا ، وولي أمرنا ، خادم الحرمين الشريفين لهداك ، واجعل عمله برضاك ، وارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء ، أو بما لا يرضيك ، أو بما يخالف كتابك وسنة نبيك r ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا رب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|