تربية الأبناء
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ، ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ .
أيها الأخوة المؤمنون :
كثير ما نجد ، آباء يشتكون من سوء أخلاق أبنائهم ، ويتأففون من تمردهم ، ويتضجرون من معاملتهم لهم ، ويضعون أيديهم على قلوبهم ، خشية من فسادهم وضياع مستقبلهم ، وقد يكون ـ أيها الأخوة ـ لهم ـ أعني الآباء ـ لهم دور في سوء أحوال أبنائهم ؛ نتيجة إهمالهم ، وعدم تربيتهم ، فليعلم هؤلاء أن تربية الأبناء ، حق من الحقوق الواجبة ، على الآباء ، يجب وجوبا على الآباء ، أن يربوا أبناءهم ، يجب عليهم أن يعملوا على تربيتهم تربية حسنة ، والله ـ أيها الأخوة ـ لو كان لأحدهم شاة ، لاعتنى بها ، وتعب من أجل إصلاحها ، فما بالهم يهملون أبنائهم ، حتى صار فيهم السارق ، الذي بسببه لا يأمن المسلمون على أموالهم . وصار فيهم مروج المخدرات ، الذي يخشى منه المسلمون على عقولهم ؟ وصار فيهم المستهين بأرواح المسلمين وفي ممتلكاتهم ، وصارفيهم وفيهم . والسبب هو هؤلاء الآباء المهملون الذين لا يستحقون أن يكونوا آباء ، بل لا يستحقون أن يكونوا حتى رعاة لدواب المسلمين .
المسألة ـ أيها الأخوة ـ لا تنتهى عند قضاء الوطر ، إنها مسؤولية عظيمة ، يسأل عنها العبد يوم القيامة ففي الحديث يقول r : ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) . وروى الترمذي وأحمد وغيرهما بإسناد صحيح ، أن امرأة أتت النبي e ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال لها : (( أتعطين زكاة هذا )) . قالت : لا . قال e : (( أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ )) . قال : فخلعتهما فألقتهما إلى النبي e وقالت : هما لله U ولرسوله . ففي هذا الحديث يتبين أن العقاب للأم وليس للبنت ، وقد يكون ذلك لإقرارها للمنكر أو لأنها هي السبب فيه .
فلذا الأبناء ـ أخوتي في الله ـ أمانة في أعناق آبائهم ، يسألون عنهم ، ويحاسبون عن تقصيرهم ، إذا قصروا في تربيتهم . أو كانوا سببا في عدم صلاحهم يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : وكم ممن أشقى ولده ، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله ، وترك تأديبه ، وإعانته على شهواته ، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه ، وأنه يرحمه وقد ظلمه ، ففاته انتفاعه بولده ، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة ، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد ، رأيت عامته من قبل الآباء . وقد صدق . كلام ليت بعض الأباء يعيه ، ليت بعضهم يدرس إياه ، حتى يفهمه ، ما أكثر أيها الأخوة ، من يزعم أنه يكرم أولاده ، وهو يهينهم ، وما أكثر من يزعم أنه يرحم أولاده ، وحقيقته أكبر ظالم لهم ؛ حقيقته يلقي بهم واحدا بعد الآخر في نار جهنم : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [ .
فالأبناء وتربيتهم أمانة ، والعمل على إفسادهم ، حتى ولو بطريقة غير مباشرة ، خيانة لهذه الأمانة ، فليحذر هؤلاء ، يقول النبي r : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأخطاء الفادحة ، التي يقع بها بعض الأباء ، إهمال التربية في الصغر ، فإذا كبر الأبناء فإذا بهم لم يتربوا تربية صحيحة ، فالتربية المثمرة ، هي التي تكون منذ الصغر ، وكما قال القائل :
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشب
فمنذ أن يدرك الشاب ، يعود على الأخلاق الفاضلة ، وتغرس في نفسه القيم الحميدة ، ويدرب على الأمور المستحسنة ، وأهم شيء في ذلك ، الصلاة عمود الإسلام ، فمنذ أن يبلغ السابعة يؤمر بها ، وعند العاشرة ، إذا لم يصل ، يضرب عليها ، يقول النبي r : ( مروهم لصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) . نتمنى أيها الأخوة أن نسمع أن فلانا ضرب ابنه الذي لا يعرف الصلاة ، من أجل الصلاة ، نعم يضربون إذا تغيبوا عن مدارسهم ، يضربون إذا خربوا الأثاث ، أما الصلاة فالهادي هو الله . وفي المناسبة ، يجب على من أراد صلاح أبنائه أن يكون قدوة صالحة لهم ، ففي الحديث يقول r : ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه .. ) فصلاحك أيها الأب ، واستقامتك على شرع الله ، أهم أمر في تربيتك لأبنائك .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يغيثنا بالإيمان واليقين ، وان يجعلنا جميعا من عباده الصالحين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن وسائل التربية ، بل من أهمها ، عزل الأبناء عن رفقاء السوء ، واختيار الرفقة الصالحة ، فقد روى الشيخان ، عن النبي r أنه قال : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا منتنة )
وفي حديث آخر يقول r : ( الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ) .
ولذلك حث النبي r على مصاحبة الصالحين فقال : ( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) .
وفي المناسبة ـ أيها الأخوة ـ للمصاحبة والمجالسة شروط ، ينبغي ذكرها كي لا ننخدع بمن نجالس ونصاحب ، ولكي لا ننخدع أيضا بمن يجالس ويصاحب أبناؤنا .
الشروط هي باختصار: أن تكونا في الله وابتغاء مرضاته ، لا لمصلحة دنيوية . وأن لا تشتمل على معصية لله U كالاجتماع على أمور محرمة أو هوايات منحرفة .
وشرط آخر ، هو أن يرى من خلالها التناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ، ولا تبنى على المجاملات ونحو ذلك .
وآخر هذه الشروط أن لا تجر إلى مناصرة بالباطل تأثرا بعصبية جاهلية .
أسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تصلح ذرياتنا ، اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين . اللهم إنا نسألك أن تصلح أبناءنا وبناتنا ، اللهم كما أنعمت علينا بنعمة الأبناء ، فأعنا على تربيتهم ، واجعلهم أبناء بررة صالحين ، اللهم أقر عيوننا بصلاح ذرياتنا ، اللهم لا تخيب رجاءنا ، اللهم لا تخيب رجاءنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين . اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين .
اللهم استر عوراتنا ، ونفس كرباتنا ، واغفر زلاتنا برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل برحمتك يا ارحم الراحمين . اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|