أنفلونزا الخنازير
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره ، وعلم مورد كل مخلوق ومصدره ، وأثبت في أم الكتاب ما قضاه وسطره ، لا مؤخر لما قدمه ولا مقدم لما أخره .
أحمده حمدا يليق به سبحانه ، له العز والكبرياء ، وهو المتفرد بالقدم والبقاء ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، يضل من يشاء ، ومن شاء هداه وبصَّره .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، اطلع على عمل المسيء وستره ، وقبل توبة العاصي ، فعفا عن ذنبه وغفره .
تَعَطَّفْ بفضل منك يا فاطر الورى
فأنت ملاذي سيدي ومعيني
لئن أبعدتني عن حماك خطيئتي
فإن رجائي شافعي ويقيني
فظني جميل أنني بك واثق
وإن جميلَ العفوِ منك يقيني
اللهم يا عالم السرائر ، ويا مطلعا على ما في الضمائر ، اللهم أعذنا من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أوضح به سبيل الهدى وَنَوَّرَه . صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فإن تقوى الله ، وصية الله للأولين والآخرين ، } .. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ، عباد الله ، واعلموا بأن هذا الدين ، الذي نتشرف بالانتماء إليه ، ونعتز ونفرح بأننا من أهله ، اعلموا بأنه دين عظيم ، دين كامل ، دين لا مجال فيه أبدا ، لنقص أو عيب أو خلل .
مستحيل ـ أيها الأخوة ـ لأنه الإسلام ، الدين المرتضى ، الدين التام الكامل ، كما قال تبارك وتعالى : } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً { .
مساكين ، الذين لم يعرفوا هذا الدين ، ولم يعملوا بتعاليمه ، ولم ينهلوا من درره ، ولم يتذوقوا ملذاته : } وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى { . } وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً { .
أيها الأخوة المؤمنون :
في الأيام الماضية ، انتشر مرض خطير ، يعرف بأنفلونزا الخنازير ـ أعزكم الله ـ وهو مرض لا يوجد له علاج . منظمة الصحة العالمية ، أعلنت أنه لا يمكن احتواؤه ، مات بسببه العشرات ، وأصيب المئات ، بل الأوربيون ، أعلنوا حالة الطوارئ لمواجهته ، والذي سببه وناقله هو حيوان الخنزير .
فديننا ـ أيها الأخوة ـ دين عظيم ، دين لا مثيل له في الأديان ، لأنه من الله ! قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، حذرنا من الخنزير ، كما قال تبارك وتعالى : } إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللهِ { وفي آية أخرى قال سبحانه : } حُرِّمَت عَلَيكُمُ المَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللهِ بِهِ وَالمُنخَنِقَةُ وَالمَوقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيتُم وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَستَقسِمُوا بِالأَزلاَمِ { فلحم الخنزير من الأطعمة المحرمة ، التي لا يجوز أكلها في ديننا .
وَإِذَا كَانَتِ المَيتَةُ ـ أيها الأخوة ـ أَوِ المُتَرَدِّيَةُ أَوِ النَّطِيحَةُ أَو مَا أَكَلَ السَّبُعُ أَو مَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللهِ بِهِ ، قَد حُرِّمَ لِعِلَلٍ عَارِضَةٍ ، فَإِنَّ لحمَ الخِنزِيرِ محرم لِذَاتِهِ ، وَمَنهِيٌّ عَنهُ لِعِلَّةٍ مُستَقِرَّةٍ فِيهِ ، وَمُنَفَّرٌ مِنهُ لِوَصفٍ لاصِقٍ بِهِ ، ذَلِكَ أَنَّهُ رِجسٌ نَجِسٌ خَبِيثٌ قَذِرٌ، لا خَيرَ فِيهِ وَلا مَنفَعَةَ وَلا بَرَكَةَ ، بَل كُلُّهُ شَرٌّ وَضُرٌّ وَدَاءٌ وَبِيلٌ وَمَرَضٌ وَخِيمٌ.
أيها الأخوة المؤمنون :
وَكَمَا جَاءَ تَحرِيمُ لحمِ الخِنزِيرِ في القُرآنِ الكَرِيمِ ، فَقَد وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ دَالَّةً عَلَى تَحرِيمِ أَكلِهِ وَبَيعِهِ وَالاستِفَادَةِ مِن أَيِّ جُزءٍ مِنهُ ، حَتى وَلَو حُوِّلَ إِلى شَيءٍ آخَرَ، ففي الحديث الذي رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ عَامَ الفَتحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ : (( إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيعَ الخَمرِ وَالمَيتَةِ وَالخِنزِيرِ وَالأَصنَامِ )) ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيتَ شُحُومَ المَيتَةِ فَإِنَّهُ يُطلَى بها السُّفُنُ وَيُدهَنُ بها الجُلُودُ وَيَستَصبِحُ بها النَّاسُ؟ فَقَالَ: (( لا، هُوَ حَرَامٌ )) ، ثم قَالَ رَسُولُ اللهِ r عِندَ ذَلِكَ: (( قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيهِم شُحُومَهَا أَجمَلُوهُ ثم بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ )).
وَمِمَّا جَاءَ في بَيَانِ شَنَاعَةِ هَذَا الحَيَوَانِ وَقَذَارَتِهِ مَا صَحَّ عَنهُ r أَنَّهُ قَالَ : (( مَن لَعِبَ بِالنَّردَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ في لحمِ خِنزِيرٍ وَدَمِهِ )) ، النردشير ؛ لعبة محرمة .
وَقَد أَجمَعَ عُلَمَاءُ الإِسلامِ عَلَى تَحرِيمِ لحمِ الخِنزِيرِ، بَل وَأَفتَوا بِتَحرِيمِ كُلِّ أَجزَائِهِ ، لِمَا نَصَّت عَلَيهِ الآيَاتُ مِن تَحرِيمِ لَحمِهِ عَلَى جِهَةِ القَطعِ ، وَبيَّنَت عِلَّةَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا نَجَاسَتُهُ وَخُبثُهُ.
فاتقوا الله عباد الله ، واذكروا نعمة الله عليكم ، واشكروه على هذا الدين العظيم ، والسعيد من وعض بغيره .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ورزقا واسعا وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
وإن كانت ظاهرة أكل لحم الخنزير ، وتربيته وتسويقه ، ظاهرة سيئة ، توجد في كثير من البلدان ، وتهدد بهذا المرض الخطير الأخير ، صحة كثير من الناس ، فإن ظاهرة المخالفات المرورية ، ظاهرة تهدد حياة كثير من الناس في هذه البلاد الطاهرة .
نعم ـ أيها الأخوة ـ وفيات الخنازير بالعشرات ، ولكن وفيات حوادث المرور بالآلاف ، فما تمر فترة من الزمن إلا ويصاب بعض الناس بفقد عزيز أو صديق أو قريب .
ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن أكثر تلك الحوادث سببه عدم الوعي بأنظمة المرور ، والمخالفات الواضحة لأنظمة السير والسلامة .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذه الطرق التي تحصل بها الحوادث ، هي طرق المسلمين ، يسلكون من خلالها إلى شؤونهم ، وإلى قضاء حوائجهم ، لها حقوق أمر الدين بها ، وحث على تأديتها ، فما بالها ـ أيها الأخوة ـ صار بعضها ميادين لإزهاق النفوس ، والقضاء على الأرواح !
نعم ؛ صارت كذلك ؛ حينما كثر الذين لا يخافون الله U ، والذين لا تهمهم واجبات وحقوق غيرهم من إخوانهم المسلمين .
صارت كذلك ـ أيها الأخوة ـ حينما كثر الإهمال ، وضعفت التربية ، ونقص الوعي ، وتخلي عن المسؤولية ، والنتيجة ؛ تلك الأعداد الهائلة ، والنسب المخيفة ، التي تستقبلها المستشفيات والمقابر ، وما تحتضنه ملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية .
فاتقوا الله عباد الله ، وحافظوا على أرواحكم وأرواح إخوانكم } وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {.
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { وفي الحديث عنه r قال : (( من صلى علي صلاة واحده صلى الله عليه بها عشرا )) فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين ، وتابعي التابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وغفرانك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم وفق إمامنا ، وولي أمرنا ، خادم الحرمين الشريفين لهداك ، واجعل عمله برضاك ، وارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء ، أو بما لا يرضيك ، أو بما يخالف كتابك وسنة نبيك r ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسق بلادك وعبادك ، وانشر رحمتك على بلدك الميت ، يا أرحم الراحمين .
اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|