وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ الله: اتَّقُوا
اللهَ تعالى، واحْمَدُوه واشْكُرُوه عَلى أَنْ جَعَلَ هذه الأُمَّةَ خَيْرَ
الأُمَمِ. ورَسُولَها مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلمَ أَفْضَلَ الرُّسُلِ
وخاتَمَها، فَهُو النبيُّ الذي بَشَّرَتْ بِهِ جَمِيعُ الكُتُبِ التي أُنْزِلَتْ
عَلى الرُّسُلِ عَلَيْهِم السلامُ. قال تعالى: (الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ
أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون). فَهَذِهِ الآيةُ العَظَيمَةُ،
ذَكَرَها اللهُ تعالى، بَعْدَ تَوبَةِ بَنِي إسرائيلَ الذينَ كانُوا مَعَ مُوسَى، ورُجُوعِهِمْ
إلى رُشْدِهِم، وسُؤَالِ مُوسى عَليه السلامُ رَبَّه أَنْ يَقْبَلَ تَوبَتَهُم.
فَهِيَ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، تدُلُّ عَلى:
صِفَةِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كُتُبِ الأنْبِياءِ. وأَنَّه
مَذْكُورٌ في كُتُبِهِمْ، لا يَخْفَى عَلى كُلِّ مَن اطَّلَعَ عَلَيْها وقَرَأَها.
وَتَدُلُّ عَلى:
أَنَّ الأَنْبياءَ بَشَّرُوا أُمَمَهُمْ بِه.
وَتَدُلُّ عَلى:
أَنَّ الأَنْبِياءَ أُمِرُوا وأَمَرُوا أُمَمَهُم بِاتِّباعِهِ لَو أَدْرَكُوه.
ولِذلكَ ما مِنْ رَجُلٍ مِن عُلَماءِ أَهْلِ الكتابِ الذين أسْلَمُوا في زَمَنِ
رسولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، كَسَلْمانَ الفارِسِيِّ وعَبْدِ اللهِ
بنِ سلامٍ. أَوْ في زَمَنِ الصحابَةِ كَكَعْبِ الأَحْبارِ، إلا ويَذْكُرُ ذلك. وَهَذا ما جَعَلَ
النَجَاشِيَّ يُسْلِمُ بِمُجَرَّدِ ما سَمِعَ القُرآنَ مِن الصحابَةِ، حَتَّى
هِرَقْلُ الذي أبَى أَنْ يُسْلِمَ، أَقَرَّ بِنُبُوَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم، لأَنَّه مِن عُلَماءِ أَهْلِ الكِتابِ.
وَتَدُلُّ عَلى
أنَّ مِنْ أَعْظَمِ خَصائِصِهِ: أَنَّه يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ،
وهُوَ كُلُّ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ، وما
يُحِبُّه اللهُ ويَرْضاهُ مِن الأَقْوالِ والأَعْمالِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ،
والتي أَعْظَمُها التوحيدُ وما يَتَعَلَّقُ بِه. وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وهو: كُلُّ ما نَهَى اللهُ عنه، وما يَكْرَهُهُ اللهُ ويأْباهُ مِن الأَقْوالِ
والأَعْمالِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ، والتي أَعْظَمُها الشِّرْكُ وَوَسائِلُهُ.
فَيَأْمُرُهُم بالصلاةِ، والزكاةِ، والصَّوْمِ، والحَجِّ، وصِلَةِ الأَرحامِ،
وبِرِّ الوالدَيْنِ، والإحسانِ إلى الجارِ والمَمْلُوكِ، وبَذْلِ النَّفْعِ
لِسائِرِ الخَلْقِ، والصِّدْقِ، والعَفافِ، والبِّرِّ، والنصيحةِ، وما أشْبَهَ
ذلك. وَيَنْهَى عَن الشِّرْكِ باللّهِ، وَقَتْلِ النُّفُوسِ بِغَيْرِ حَقٍّ،
والزِّنا، وشُرْبِ ما يُسْكِرُ العَقْلَ، والظُّلْمِ لِسائِرِ الخَلْقِ، والكَذِبِ،
والفُجُورِ، ونَحْوِ ذلك.
وَيَدُلُّ عَلى:
أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما يَدْعُو إليه، أَنَّه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِن
المَطاعِمِ والمَشارِبِ، والمَناكِحِ، والأَقْوالِ والأَفْعالِ. وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ مِن المَطاعِمِ والمَشارِبِ والمَناكِحِ، والأقوالِ
والأفعال.
وَيَدُلُّ
عَلَى: أَنَّه يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَعاصِيهِمْ، وهذه بِشارَةٌ لَهُم إذا آمَنُوا بِمُحمدٍ صلى اللهُ
عليه وسلمَ واتَّبَعُوه، أَنَّ مِنْ وصْفِهِ الْمَذْكُورِ في كُتُبِهِمْ أَنَّ
دِينَه سَهْلٌ سَمْحٌ مُيَسَّرٌ، لا إِصْرَ فِيه، ولا أَغْلالٌ، ولا مَشَقَّاتٌ
ولا تَكالِيفُ ثِقالٌ.
وَيَدُلُّ عَلى:
أَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْرَكَ بِعْثَةَ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ، سَواءً مِنْ
أَهْلِ الكِتابِ أَوْ غَيْرِهِم، لابُدَّ وأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ ويَتَّبِعَه، وأَنْ
يَنْصُرَ دَعْوَتَه، وأَنَّه لا يَكُونُ مُفْلِحًا إلا بِذلك. لِقَوْلِه: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) أي:
عَظَّمُوه وبَجَّلُوه، (وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنـزلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، أيْ
الظافِرُونَ بِخَيْرِ الدنيا والآخرةِ، والنَّاجُونَ مِنْ شَرِّهِما، لأنَّهُم
أَتَوْا بِأَكْبَرِ أسبابِ الفَلاح.
وأمَّا
مَنْ لَمْ يَؤْمِنْ بِهذا النبيِّ الأُمِّيِّ، ويُعَزِّرُه، وَيَنْصُرُه، وَلَمْ
يَتَّبِع النُّورَ الذي أُنْـِزَل مَعَه، فَأُولَئِكَ هُم الخاسِرون.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْـحـَمْدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ الله: لَقَدْ دَلَّت الآيةُ الكريمَةُ
أَنَّ كُلَّ خَبيثٍ، فإنَّه مُحَرَّمٌ، ولَوْ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ في القُرْآنِ
والسُّنَّةِ. ومِنْ الأشْياءِ التي ثَبَتَ ضَرَرُها
وخُبْثُها، التِّبْغُ بِجَمِيعِ أَنْواعِهِ، فَقَدْ أَجْمَعَ العالَمُ
بِأسْرِهِ، حتى مَنْ يَتَعاطَاه، أَنَّه ضارٌّ. والعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَ الأُمُورِ
المُحَرَّمَةِ، يَكُونُ فيها نَفْعٌ يَسِيرٌ، ولَكِنْ لَمَّا كانَ ضَرَرُها أَكْثَرَ
مِنْ نَفْعِها حُرِّمَتْ.
وأَمَّا
الدُّخانُ فإنَّ كُلَّهُ ضَرَرٌ، لا نَفْعَ فيه أَبَدًا. فَهُو خَبيثُ الرائِحَةِ،
خَبيثُ الطَّعْمِ، وَضَرَرُهُ عائِدٌ عَلى الدينِ والصِّحَّةِ والمالِ
والمُجْتَمَعِ، وإذا كان كذلك، فَلا يَجُوزُ تعاطِيهِ، ولا تَسْهِيلُ ذلك، ولا
بَيْعُه، بِأَيِّ حالٍ.
اللَّهُمَّ
اكْفِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ وأغننا بفضلك عما سواك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا
مِنْ أَتْباعِ نَبِيِّكَ صلى اللهُ عليه وسلم ظاهِرًا وباطِنًا، واحشرنا في زمرته
وارزقنا ورود حوضه ومرافقته في أعلى الجنة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم حببّ
إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من
الراشدين، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين
وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال
المسلمين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم
اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم،
ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها
وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا
البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت،
اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من
عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|