سَعْيُ الْبِلَادِ لِمُكَافَحَةِ
الْفَسَادِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَقَيُّومُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ
الطَّاهِرِينَ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ
لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ : } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ { فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا
- رَحِمَكُمُ اللهُ - بِأَنَّ النَّزَاهَةَ وَالْأَمَانَةَ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ عَظِيمٌ
، وَضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ مُهِمَّةٌ ، فَلَنْ تُؤَدَّى الْحُقُوقُ ، وَلَنْ يُقَامَ
بِالْوَاجِبَاتِ إِلَّا بِوُجُودِ النَّزَاهَةِ وَالْأَمَانَةِ ، وَبِدُونِهِمَا -
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - تُؤْكَلُ الْأَمْوَالُ بِالْبَاطِلِ ، وَيُوجَدُ الظُّلْمُ
، وَتَنْتَشِرُ الْمُنْكَرَاتُ ؛ كَالرِّشْوَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْغُلُولِ ، وَلِذَلِكَ
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : } إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ
بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ
: الْأَمَانَاتُ : كُلُّ مَا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَأُمِرَ بِالْقِيَامِ
بِهِ . فَأَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِأَدَائِهَا ؛ أَيْ : كَامِلَةً مُوَفَّرَةً ، لَا
مَنْقُوصَةً وَلَا مَبْخُوسَةً، وَلَا مَمْطُولًا بِهَا. فَالنَّزَاهَةُ وَالْأَمَانَةُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الدِّينُ ، وَأَمَرَ بِهِ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ، وَحَثَّ عَلَيْهِ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ الْمُرْسَلِينَ
، فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ
، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا قَالَ : (( لَا
إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ))
، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ أَيْضًا ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهما - ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ
فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا : صِدْقُ الْحَدِيثِ ، وَحِفْظُ الْأَمَانَةِ
، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَعِفَّةُ مَطْعَمٍ )) . فَالدِّينُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - يَأْمُرُ وَيُوجِبُ وَيَحُثُّ عَلَى النَّزَاهَةِ
وَالْأَمَانَةِ ، وَيُحَرِّمُ كُلَّ أَمْرٍ يُنَافِيهِمَا ، وَعَلَى رَأْسِ ذَلِكَ
: الْفَسَادُ ؛ فَلَا يُضَيِّعُ الْأَمَانَةَ ، وَلَا يَفْقِدُ النَّزَاهَةَ إِلَّا
مُجْرِمٌ فَاسِدٌ ، وَالدَّلِيلُ أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ
، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( إِذَا ضُيِّعَتِ
الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ )) قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ
اللهِ ؟ قَالَ : (( إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ
أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ )) ، فَإِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ
أَهْلِهِ ضَاعَتِ الْأَمَانَةُ ، وَفُقِدَتِ النَّزَاهَةُ ، وَكَثُرَ الْفَسَادُ
الَّذِي لَا يُحِبُّهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَا يُحِبُّ أَهْلَهُ ، وَلَا الْمُجْتَمَعَ
الَّذِي يَنْتَشِرُ فِيهِ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : } وَإِذَا
تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ { وَيَقُولُ أَيْضًا : } وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ
فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : }فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ { ، وَمِنَ الْفَسَادِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - : اسْتِغْلَالُ
الْمَنَاصِبِ لِلْمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ ، وَالْمَنَافِعِ الذَّاتِيَّةِ ،
وَجَعْلُ الْأَمَانَاتِ لِتَحْقِيقِ الْغَايَاتِ ، وَأَكْلُ الْحُقُوقِ وَمَنْعُ
الْوَاجِبَاتِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ ، وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا الْفَسَادِ غَايَةَ التَّحْذِيرِ ؛
فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ
: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ
، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : (( لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي
، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ
أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ،
فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ
شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ : أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ
. لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ
لَهَا صِيَاحٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا
أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ : أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ
. لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ
صَامِتٌ - أَيْ : ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ -
فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ
شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ )) . فَالْأَمْرُ خَطِيرٌ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْأَمْرُ
يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ، فَالِاعْتِدَاءُ عَلَى مَالِ شَخْصٍ
بِعَيْنِهِ حَرَامٌ ، فَكَيْفَ بِحُرْمَةِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ
عَامَّةً ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ
، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ ، فَكَتَمَنَا
مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ ؛ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
قَالَ : فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ ، قَالَ :
وَمَا لَكَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُكَ تَقُولُ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : وَأَنَا
أَقُولُهُ الْآنَ ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ ، فَلْيَجِئْ
بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ
انْتَهَى )) . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ،
وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ،
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ
فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ
لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : (( اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ ، يُقَالُ لَهُ : ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ ،
فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا لِي ، أُهْدِيَ لِي ، قَالَ :
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ،
فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ
، فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ
أَبِيهِ ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا
؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا
شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ
لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ، ثُمَّ رَفَعَ
يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ، هَلْ
بَلَّغْتُ ؟ مَرَّتَيْنِ )) . أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : إِذَا كَانَتِ الْهَدِيَّةُ مِنْ أَجْلِ الْعَمَلِ ، الَّتِي تُهْدَى إِلَيْكَ
لَا مِنْ أَجْلِ سَوَادِ عَيْنَيْكَ ، إِنَّمَا مِنْ أَجْلِ مَنْصِبِكَ ، تَأْتِي
بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَكَيْفَ - بِاللهِ عَلَيْكُمْ - بِالسَّرِقَةِ وَالْغُلُولِ
وَالْغِشِّ وَالتَّزْوِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ وَلِذَلِكَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - قَدْ سَعَتِ الدَّوْلَةُ - وَفَّقَهَا
اللهُ - لِإِنْشَاءِ هَيْئَةٍ لِمُكَافَحَةِ الْفَسَادِ ، وَقَدْ أَدَّتْ
ثِمَارَهَا وَللهِ الْحَمْدُ ، فَيَجِبُ التَّعَاوُنُ مَعَهَا ، وَالتَّبْلِيغُ
عَنْ أَيِّ شُبْهَةِ فَسَادٍ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَذَلِكَ مِنَ الدِّينِ
،وَمِمَّا يَأْمُرُ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{. أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيعًا
لِهُدَاهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاهُ ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا
الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَنَسْأَلُهُ السَّلَامَةَ فِي
أَبْدَانِنَا وَأَرْوَاحِنَا وَنِسَائِنَا وَأَطْفَالِنَا ، اللَّهُمَّ إِنَّا
نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا ،
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا
مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا ، وَمِنْ خَلْفِنَا ، وَعَنْ أَيْمَانِنَا ، وَعَنْ شَمَائِلِنَا
، وَمِنْ فَوْقِنَا ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا ، يَا
رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى
وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ وَأَمِتْنَا شُهَدَاءَ
وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِي عَلْيَائِكَ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ
الْفُقَرَاءُ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ
الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيعًا ، سَحًّا
غَدَقًا ، مُجَلَّلًا عَامًّا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللَّهُمَّ غَيْثًا تُحِيي
بِهِ الْبِلَادَ وَتَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ
وَالْبَادِ . }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ . عِبَادَ اللهِ: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{. فَاذْكُرُوا اللهَ
الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ،
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |