لِلْكِبَارِ فِي الأَعْمَارِ
الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي امْتَنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الإِيجَادِ ، وَبَيَّنَ لَنَا طَرِيقَ
الْغَيِّ مِنَ الرَّشَادِ ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ، وَمَنْ
يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، تَعَالَى عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ ، وَجَلَّ
عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا
اللهَ U
وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَوْلَاكُمْ مِنْ نِعَمٍ ، وَمَا دَفَعَ عَنْكُمْ مِنْ
نِقَمٍ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ كُلَّمَا شُكِرَ زَادَ. وَاعْلَمُوا -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- أَنَّهُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُضَاعَةِ، وَالْوَاجِبَاتِ الْمُهْمَلَةِ
عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ؛ حُقُوقُ كِبَارِ السِّنِّ ، بَلْ صَارَ كَبِيرُ السِّنِّ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَوْضِعًا لِلْتَّهْمِيْشِ وَاَلْضَّحِكِ وَالسُّخْرِيَةِ
وَالِاسْتِهْزَاءِ، صَاْرَ كَبِيْرُ اَلْسِّنِّ لَاْقِيْمَةَ وَلَاْ قِوَاْمَةَ
لَهُ عَنْدَ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْنَّاْسِ، مُهَمَّشَاً وَكَأَنَّهُ قِطْعَةَ
أَثَاْثٍ ، يُنْتَظَرُ مَتَىْ تَنْتَهِيْ لِتُرْمَىْ ،لَاْيَسْتَأْمُرُهُ أَحَدٌ
وَلَاْ يَسْتَشِيْرُهُ أَحَدٌ وَلَاْ يَسْتَأْذُنُهُ أَحَدٌ ، يَتَصَرَّفُ كُلُ
فَرْدٍ مِنْ أَفْرَاْدِ أُسْرَتِهِ حَسَبَ مَاْ تُمْلِيْهِ عَلَيْهِ شَهَوَاْتُهُ
وَمَلَذَّاْتُهُ، يَسْرَحُوْنَ وَيَمْرَحُوْنَ وَيَفْرَحُوْنَ وَهُوَ يَتَجَرَّعُ
مَرَاْرَةُ اَلْأَلَمِ وَاَلْحَسْرَةِ وَاَلْنَّدَمِ ، لَاْ حِيْلَةَ لَهُ
لِكِبَرِ سِنِّهِ وَتَقَدُّمِ عُمُرِهِ . وَكَذَلِكَ تَأَمَّلْ بَعْضَهُمْ
عِنْدَمَا يَجِدُ رَجُلًا كَبِيرًا فِي السِّنِّ؛ تَأَمَّلْ مَاذَا يَقُولُ لَهُ؟!
يُحَطِّمُهُ وَيَجْرَحُهُ فِي كَلَامِهِ، تَجِدُهُ يَقُولُ: أَتُرِيدُ أَنْ
نُزَوِّجَكَ يَا فُلَانُ؟ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي
الزَّوَاجِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُهُ . وَقَدْ يَقُولُ لَهُ : هَلْ تُرِيدُ
أَنْ نَتَسَابَقَ؟ وَمِنْ هَذَا الْهُرَاءِ الَّذِي فِي حَقِيقَتِهِ جَرْحُ
الْمَشَاعِرِ وَتَحْطِيمُ الذَّاتِ . فَهِيَ رِسَالَةٌ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ-
أُوَجِّهُهَا لِآبَائِنَا كِبَارِ السِّنِّ ، أَقُولُ : مَعْشَرَ الْكِبَارِ ،
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ
ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ { كَأَنِّي بِكُمْ وَأَنْتُمْ
تَسْتَعِيدُونَ الذِّكْرَيَاتِ، تَتَذَكَّرُونَ أَجْمَلَ الْأَيَّامِ مَعَ
الْأَصْحَابِ وَالْأَحْبَابِ، وَكَيْفَ مَرَّتْ بِكُمُ السُّنُونَ وَالْأَعْوَامُ،
حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَشِيبِ وَالْكِبَرِ، وَوَقَفْتُمْ عِنْدَ آخِرِ هَذِهِ
الْحَيَاةِ ، وَقَدْ ضَعُفَتْ أَبْدَانُكُمْ ، وَكَثُرَتْ آلَامُكُمْ ، وَلِسَانُ
حَالِكُمْ يَقُولُ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ :
بَكَيْتُ
عَلَى الشَّبَابِ بِدَمْعِ عَيْنِي
فَــــــــــــــــــلَمْ يُغْنِ الْبُكَاءُ
وَلَا النَّحِيبُ
فَيَا
أَسَفًا أَسِفْتُ عَـــــــــــــــلَى شَبَابٍ
نَعَاهُ الشَّيْبُ وَالرَّأْسُ الْخَضِيبُ
عَرِيتُ
مِنَ الشَّبَابِ وَكَانَ غَضًّا
كَمَا يَعْرَى مِنَ الْوَرَقِ
الْقَضِيبُ
فَيَا
لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُــــــــــــــودُ يَوْمًا
فَأُخْبِرَهُ بِمَا
فَـــــــــــــــــــــــــــــعَلَ الْمَشِيبُ
نَعَمْ
-عِبَادَ اللهِ- إِذَا تَكَلَّمَ الْكَبِيرُ قَاطَعَهُ الصِّبْيَانُ، وَإِذَا
أَبْدَى رَأْيَهُ وَمَشُورَتَهُ سَفَّهَهُ الصِّغَارُ قَبْلَ الْكِبَارِ،
أَصْبَحَتْ حِكْمَتُهُ وَخِبْرَتُهُ فِي الْحَيَاةِ إِلَى ضَيَاعٍ وَخُسْرَانٍ،
يَمُرُّ عَلَيْهِ الْيَوْمُ وَكَأَنَّهُ عَامٌ ، قَلْبُهُ مَجْرُوحٌ مُنْكَسِرٌ،
هَمُّهُ انْتِظَارُ دَوْرِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ لِمَنْ هُمْ فِي سِنِّهِ وَقَدْ
فَارَقُوا الْحَيَاةَ ، وَأَصْبَحَ وَحِيدًا غَرِيبًا يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللهِ U
.
فَيَا مَعْشَرَ الْكِبَارِ: إِنْ لَمْ
يَرْحَمْ ضَعْفَكُمُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، فَإِنَّ اللهَ يَرْحَمُ ضَعْفَكُمْ،
وَيَجْبُرُ كَسْرَكُمْ ، وَيَعْفُو عَنْكُمْ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: } إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ
اللَّهُ عَفُوّاً غَفُورًا { إِنِ
اعْتَزَلَكُمُ الْأَوْلَادُ وَالْأَقَارِبُ وَالْأَصْحَابُ فَفِي اللهِ عِوَضٌ
عَنِ الْفَائِتِينَ، وَفِي اللهِ أُنْسٌ لِلْمُسْتَوْحِشِينَ. لَئِنْ نَسِيَ
الْكَثِيرُ فَضْلَكُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَنْسَى، وَلَئِنْ جَحَدَ الْكَثِيرُ
مَعْرُوفَكُمْ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لَا يَبْلَى ، وَلَئِنْ طَالَ الْعَهْدُ عَلَى
مَا قَدَّمْتُمُوهُ مِنْ خَيْرَاتٍ وَتَضْحِيَاتٍ فَإِنَّ الْخَيْرَ يَدُومُ
وَيَبْقَى ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً { .
مَعْشَرَ كِبَارِ السِّنِّ: مَهْمَا
رَأَيْتُمْ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ جَفَاءٍ ، فَأَنْتُمْ وَاللهِ كِبَارٌ فِي
قُلُوبِنَا، وَعُظَمَاءُ فِي نُفُوسِنَا، أَنْتُمُ الَّذِينَ عَلَّمْتُمْ
وَرَبَّيْتُمْ وَبَنَيْتُمْ وَقَدَّمْتُمْ وَضَحَّيْتُمْ! فَمَا لَكُمْ مِنَّا
إِلَّا التَّوْقِيرُ وَالتَّقْدِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَالدُّعَاءُ؟ فَاللهُ
أَمَرَنَا بِخَفْضِ جَنَاحِ الذُّلِّ لَكُمْ ، وَأَمَرَنَا بِسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ
لَكُمْ ، قَالَ تَعَالَى: } إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً
كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّياني صَغِيرًا {
وَرَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا أَنَّ مِنْ إِجْلَالِ
اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ .
مَعْشَرَ الْكِبَارِ:
إِذَا
كُنْتُمْ تُعَانُونَ مِنَ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ الَّتِي تَجِدُونَهَا
بِسَبَبِ كِبَرِ السِّنِّ، فَالْمَلَائِكَةُ كَتَبَتْ حَسَنَاتِهَا، وَاللهُ
عَظَّمَ أُجُورَهَا، وَسَتَجِدُونَهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَاللهُ أَعْلَمُ كَمْ
كَانَ لِهَذِهِ الْأَسْقَامِ وَالْآلَامِ مِنْ حَسَنَاتٍ وَدَرَجَاتٍ. الْيَوْمَ
تُزْعِجُكُمْ وَتُقْلِقُكُمْ وَتُبْكِيكُمْ وَتَقُضُّ مَضَاجِعَكُمْ، وَلَكِنَّهَا
غَدًا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تُفْرِحُكُمْ وَتُضْحِكُكُمْ، فَاصْبِرُوا عَلَى
الْبَلَاءِ ، وَاحْتَسِبُوا عِنْدَ اللهِ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالثَّنَاءِ ،
فَإِنَّ اللهَ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ حُسْنَ الْعَطَاءِ ، يَقُولُ
الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
)). فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِمَا تَجِدُونَهُ عِنْدَ رَبِّكُمْ ، عَظَّمَ
اللهُ أُجُورَكُمْ ، وَأَجْزَلَ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابَكُمْ .
مَعْشَرَ الْكِبَارِ :
يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:
(( خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ
عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))، فَإِنَابَةً إِلَى اللهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ، وَتَوْبَةً مِنَ الْحَلِيمِ الغَفَّارِ، إِذَا تَقَرَّبْتَ إِلَى
اللهِ شِبْرًا تَقَرَّبَ مِنْكَ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبْتَ مِنْهُ ذِرَاعًا
تَقَرَّبَ مِنْكَ بَاعًا ، وَإِذَا أَتَيْتَهُ تَمْشِي أَتَاكَ هَرْولَةً .
قَالَ
بَعْضُهُمْ: اللَّهُمَّ أَحْسِنْ لِيَ الْخَاتِمَةَ ، فَمَاتَ بَيْنَ الرُّكْنِ
وَالْمَقَامِ. وَقَالَ آخَرُ: اللَّهُمَّ أَحْسِنِ الْخِتَامَ ، فَمَاتَ وَهُوَ
سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ . وَقَالَ ثَالِثٌ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ ، فَمَاتَ يَوْمَ الْخَمِيسِ صَائِمًا للهِ
U
.
أَسْأَلُ
اللهَ U
أَنْ يُحْسِنَ خَاتِمَتِي وَخَاتِمَتَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ
فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى
رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :
يَقُولُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: } أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ { .
فَهَذِهِ
تَذْكِرَةٌ مِنَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَنْبِيهٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى رَحْمَةً بِعِبَادِهِ بِهَذَا النَّذِيرِ؛ حَتَّى يُحْسِنُوا
خَاتِمَتَهُمْ؛ فَيُحْسِنُ اللهُ الْخِتَامَ لَهُمْ. وَإِلَّا فَلَرُبَّمَا
غَفَلُوا وَكَانُوا عَنْ طَاعَتِهِ بَعِيدِينَ، فَرَحِمَهُمُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا،
كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ
أَرْبَعِينَ سَنَةً لَزِمَ الْمَسَاجِدَ، وَسَأَلَ اللهَ الْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ
وَكَانَ ، وَسَأَلَهُ الْإِحْسَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْأَزْمَانِ، } حَتَّى إِذَا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ
وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ
وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ { .
يُرْوَى
أَنَّ إِيَاسَ بْنَ قَتَادَةَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا بِشَيْبَةٍ فِي
ذَقْنِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا بِشَيْبَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ : انْظُرُوا مَنْ
بِالْبَابِ مِنْ قَوْمِي فَأَدْخِلُوهُ ، فَدَخَلَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ: يَا
بَنِي تَمِيمٍ! إِنِّي قَدْ كُنْتُ وَهَبْتُ لَكُمْ شَبِيبَتِي فَهَبُوا لِي
شَيْبَتِي! لَا أُرَانِي إِلَّا حُمَيِّرَ الْحَاجَاتِ ، وَهَذَا الْمَوْتُ
يَقْرُبُ مِنِّي! ثُمَّ قَالَ لِجَارِيَتِهِ : انْقُضِي الْعِمَامَةَ ،
وَاعْتَزَلَ يُؤَذِّنُ لِقَوْمِهِ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى مَاتَ. أَمَّا
الْيَوْمُ فَمَاذا نَقُولُ لِمَنْ عَلَا الشَّيْبُ لِحَاهُمْ وَرُؤُوسَهُمْ.
فَنَرَاهُمْ وَهُمْ أَبْنَاءُ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ فِي الْحَيَاةِ يَلْهَثُونَ،
غَافِلُونَ لَاهُونَ ، يَتَنَقَّلُونَ مِنْ مَجْلِسٍ إِلَى مَجْلِسٍ وَمِنْ سُوقٍ
إِلَى سُوقٍ فِي غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُرْضِي اللهَ
تَعَالَى ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاغْتَنِمُوا شَبَابَكُمْ قَبْلَ
هَرَمِكُمْ ، وَصِحَّتَكُمْ قَبْلَ سَقَمِكُمْ ، وَفَرَاغَكُمْ قَبْلَ شُغْلِكُمْ
.
أَلَا
وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ؛ فَقَدْ
أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا
: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، صَاحِبِ الْوَجْهِ
الْأَنْوَرِ وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ
الْغُرَرِ ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنْ بَقِيَّةِ
الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ
وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ
انْصُرِ الإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ،
وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ
، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ،
وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ
يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَيِّدْ إِمَامَنَا ، خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ
الشَّرِيفَيْنِ بِتَأْيِيدِكَ ، اللَّهُمَّ انْصُرْ بِهِ دِينَكَ وَكِتَابَكَ
وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ ، الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،
وَاصْرِفْ عَنْهُ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ
وَفِّقْهُ لِهُدَاكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِيْ رِضَاْكَ وَأَمِدَّ بِعُمُرِهِ
عَلَى طَاعَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |