تَيْسِيرُ
أُمُورِ العبدِ وتَعْسِيرُها
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: اتقوا اللهَ تعالى، وابذُلُوا أسبابَ سعادَتِكِم، واعْلَمُوا أَنَّ مِن
أعْظَمِ النِّعَمِ التي يُنْعِمُ اللهُ بِها على عبدِهِ، نعمةَ التوفيقِ
وتَيْسِيرِ الأُمُورِ، وعَدَمِ تَعْسِيرِها، فإنها نعمةٌ عظيمةٌ، لا تَحْصُلُ
لِكُلِّ أَحَدٍ، وإنَّما تَحْصُلُ لِمَن قامَ بِأَسبابِها. لأنَّ العبدَ لا
يَمْلِكُها، وإنَّما هي بِيَدِ اللهِ وَحْدَه، قال تعالى عن عبدِه شُعَيْبَ عليه
السلام: ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ ). فَتَيْسِيرُ أُمُورِ الدِّينِ والدُّنيا، لَيْسَ بِيَدِكَ أَيُّها
العَبْدُ، وإِنَّما هُوَ بِيَدِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، إِذا بَذَلْتَ
أَسبابَه، فَتَحَه اللهُ وأَزالَ كُلَّ العَوَائِقَ أَمامَه، وإذا تَرَكَ العَبْدُ
أسْبابَه، واشْتَغَلَ بِضِدِّه، أَغْلَقَه اللهُ أَمَامَه، وفَتَحَ لَه كُلَّ
أَمْرٍ عَسِيرٍ عُقُوبَةً لَه والعِياذُ بالله. ولَقَدْ بَيَّنَ اللهُ لَنا ذلك في
القرآنِ أَعْظَمَ بَيانٍ، بِكلامٍ مُعْجِزٍ قَلِيلٍ جامِعٍ بَلِيغٍ، ذَكَرَ فيهِ
جَمِيعَ أَسْبابِ التَّيْسِيرِ والتَّعْسِيرِ، فقال: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ
وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ). (فأَمَّا
مَن أَعْطَى): أَيْ بَذَلَ مِن مالِهِ فَيما أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن النَّفَقَةِ
الواجِبَةِ، والمُسْتَحَبَّةِ، مُخْلِصاً بِذلك للهِ وَحْدَه، طَيِّبَةً بِها
نَفْسُه. (واتَّقَى): أيْ اتَّقَى عَذابَ اللهِ، بِفِعْلِ الواجِباتِ وتَرْكِ
المُحَرَّماتِ. (وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى): أَيْ صَدَّقَ بِشهادَةِ أَنْ لا إلهَ
الله، وأَنَّ محمداً رسولُ الله. وصَدَّقَ بِأَنَّ الإسلامَ هو الدِّينُ الذي لا
يَقْبَلُ اللهُ دِيناً سِواه، وصَدَّقَ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ، وصَدَّقَ بِوَعْدِ
الله، وبِالجَنَّةِ والنار. فَلْيُبْشِرْ بِتَيْسِيرِ أُمُورِه، وتَوفِيقِ اللهِ
لَه، في أُمُورِ دِينِهِ ودُنياه، ولْيُبْشِرْ بِإعانَةِ اللهِ له على الثباتِ على
دِينِ اللهِ، ومَحَبَّةِ طاعَتِه، وتَيْسِيرِ القيامِ بِها على أَتَمِّ وَجْهٍ،
وتَيْسِيرِ الطَّريقِ إلى الجَنَّةِ إلى أَنْ يَدْخُلَها بِسلام. ولْيَعْلَم
بِأَنَّ اللهَ سَيُيَسِّرُ لَه فِعْلَ الطاعَةِ حَتى تَكونَ قُرَّةَ عَيْنِه،
وسَيُيَسِّرُ لَه تَرْكَ المَعْصِيَةِ حَتَّى تَكُونَ أَبْغَضَ الأَعْمالِ
إِلَيْه، هذا هُوَ مَعْنَى قَولِه: ( فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَىٰ ).
وضِدُّ هذه الثلاثِ، ثَلاثٌ تُقابِلُها،
فالإِعْطاءُ: ضِدُهُ البُخْلُ. وتَقْوَى اللهِ: ضِدُّها الاسْتِغْناءُ عَن اللهِ
وعَن دِينِه. والتصْدِيقُ بِالحُسْنَى: ضِدُّه التَكْذِيب. فَهذِهِ ثَلاثٌ
بِثلاثٍ. ولذلك قال تعالى: ( وأَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى * وكَذَّبَ
بالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُه لِلْعُسْرَى )، فَيا لَها مِن عُقُوبَةٍ لَيْسَ
وَراءَها عُقُوبَة، وهِيَ أَنْ يَفْتَحَ اللهُ لِهذا الإنسانِ جَمِيعَ الطُّرُقِ
المُوصِلَةِ إلى سَخَطِهِ وعِقابِه، وأَنْ يُيَسِّرَها لَه، بِسَبَبِ وُقُوعِهِ في
هذِه الأُمُورِ الثلاثةِ المَذْكُورَةِ في القرآن، ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا،
فَإن العَبْدَ إِذا أَعْرَضَ، اَعْرَضَ اللهُ عَنْه. ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ). ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي
الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ
).
فَحاسِبْ نَفْسَكَ يا عَبْدَ اللهِ مِن
خِلالِ هذِه الآياتِ، واحْذَرْ أَن تكونَ مِمَّن إِذا ذُكِرَ عِنْدَه التوحيدُ
والسُّنَّةُ ضاقَ صَدْرُه، واشْمَأَزَّ قَلْبُه، واحْذَرْ أَنْ تَكونَ مِمَّن إِذا
نُودِيَ بالصلاةِ نَفَرَ مِن ذلك، وتَثاقَلَ عَنها، فإنها لَيْسَت بُشْرَى خَيْر.
واحْذَر أَن تكونَ مِمَّن لا يَجِدَ فَرَحَه وانْشِراحَه إلا بِمَعْصِيَةِ اللهِ
أَو سَمَاعِ ما يُسْخِطُ اللهَ. فإنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ عَبْدَه، حَبَّبَ إلَيْهِ
الإيمانَ وزَيَّنَه في قَلْبِهِ، وكَرَّهَ إلَيْهِ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيان،
ورَغَّبَه في الطاعَاتِ والاسْتِكْثارِ مِنها. وإذا أَبْغَضَه، جَعَلَه على
الضِّدِّ مِن ذلك. نعوذ بالله.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ،
وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ
تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد
الله: إنَّ أَولادَكُم وشَبابَكُم بِحاجَةٍ إلى بيانِ ما تَضَمَّنَتْه هذه الآياتُ،
أَكْثَرَ مَن حاجَتِهِم إلى الطعامِ والشراب، فَرَبُّوهُم على ذلك، وتَحَدَّثُوا
مَعَهُم في مَجالِسِهِم عن ذلك، بَدَلاً مِن تَعْلِيقِهِم بالدُّنيا الفانِيَةِ وهُمُومِها
وأَكْدارِها. فإنَّ كَثيراً مِن شبابِنا قَدْ أصابَهُم الاحباطُ بِسَبَبِ ما
يَسْمَعُون مِن التَوجِيهاتِ البعِيدَةِ عن المَنهَجِ الرَّبانِي، بَلْ إِن
بَعْضَهُم تَعْتَرِيِهِ المَخاوِفُ على نَفْسِهِ وعلى مُسْتَقْبَلِه، حتى إِنَّ
بَعْضَهُم يَرى فَقْرَه وشَتاتَ أَمْرِهِ بَيْنَ عَيْنَيْه، وأَنَّ مُسْتَقْبَلَه
مُظْلِم، وأَنَّ أَمْرَهُ لَيْسَ في سَعَةٍ.
اقْرؤُوا عَلَيْهِم هذا الآياتِ وغَيْرَها
مِن الأدِلَّةِ التي تُقَوِّي جانِبَ الإيمانِ والشَّجاعِةِ والثِّقَةِ بالله،
وأنَّ الشابَّ إِذا وَحَّدَ اللهَ حَقَّ تَوْحِدِه، واتَّقَاهُ وَوَثِقَ بِه
وتَوَكَّلَ عليه، فلا خَوفٌ عليهِ، مَهْما كانَ أَمْرُ الناسِ، سواءً كانُوا في
أمانٍ أو فِتْنَةٍ، وسواءً كانوا في ضائِقَةٍ أو سَعَةٍ في أرزاقِهِم.
فَإِنَّ اللهَ الذي خَلَقَ الخَلْقَ وجَعَلَ
أَمْرَهُم كُلَّه بيَدِه، هُو الذي قال: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ). وهو الذي قال: ( ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ).
وهو الذي قال: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ *
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ).
اللهم رحمتَكَ نَرْجُو، فَلا تَكِلْنا إلى أنفُسِنا
طَرْفةَ عَيْن، وأَصْلِحْ لَنا شَأْنَنا كُلَّه، لا إله إلا أنت، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا
الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها
من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أعزَّ
الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين،
اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل
مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين
اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم
منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه
واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم وفقّ ولاة
أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك، اللهم حبب إليهم الخير
وأهله وبغض إليهم الشر وأهله، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|