عَدَاْوَةُ اَلْيَهُوْدِ وَقُدْرَةُ اَلْمَعْبُوْدِ
اَلْحَمْدُ للهِ ذَيْ اَلْقُوَّةِ اَلْمَتِيْنِ ، اَلْقَاْئِلِ فِيْ كِتَاْبِهِ: } ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا، كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ، } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ } هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَاْلَمِيْنَ، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَى يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ :
عَدَاْوَةُ اَلْيَهُوْدِ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلَّتِيْ أَخْبَرَنَاْ عَنْهَاْ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، وَأَنْزَلَ فِيْهَاْ آيَاْتٌ تُتْلَىْ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَلَاْ يُنْكُرُ ذَلِكَ إِلَّاْ مُكَذِّبٌ كَاْفِرٌ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْكَرِيْمِ ، يَقُوْلُ U: } لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا {، يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ لِهَذِهِ اَلْآيَةِ: فَهَؤُلَاْءِ اَلْطَّاْئِفَتَاْنِ عَلَىْ اَلْإِطْلَاْقِ أَعْظَمَ اَلْنَّاْسِ مُعَاْدَاْةً لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، وَأَكْثَرَهُمْ سَعْيَاً فِيْ إِيْصَاْلِ اَلْضَّرَرِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لِشَدَّةِ بُغْضِهِمْ لَهُمْ ، بَغْيَاً وَحَسَدَاً وَعِنَاْدَاً وَكُفْرَاً .
فَإِخْوَاْنُ اَلْقِرَدَةِ وَاَلْخَنَاْزِيْرِ، وَأَهْلُ اَلْشِّرْكِ مِنْ عَبَدَةِ اَلْأَوْثَاْنِ وَغَيْرِهِمْ، هُمْ أَشَدُّ اَلْنَّاْسِ عَدَاْوَةً لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ بِشَهَاْدَةِ اَللهِ U .
وَهِذِهْ اَلْعَدَاْوَةُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ قَدِيْمَةٌ جِدَّاً وَبَاْقِيَةٌ إِلَىْ يَوْمِ اَلْقِيَاْمَةِ، وَلَنْ تَنْتَهِيْ إِلَّاْ إِذَاْ تَرَكَ اَلْمُسْلِمُوْنَ دِيْنَهُمْ وَاَتَّبَعُوْا مِلَّتَهُم، يَقُوٍلُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ: } وَلَنْ تَرْضَىْ عَنْكَ اَلْيَهُوْدُ وَلَاْ اَلْنَّصَاْرَىْ حَتَّىْ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ { أَيْ وَاَلْعَيَاْذُ بِاَللهِ تَصِيْرُ مِثْلَهُمْ .
فِيْ عَهْدِ اَلْنَّبِيِّ e ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ وَبِاَلْتَّحْدِيْدِ فِيْ اَلْسَّنَةِ اَلْرَّاْبِعَةِ مِنْ هِجْرَتِهِ ـ عَلَيْهِ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ ـ إِلَىْ اَلْمَدِيْنَةِ ، أَرَاْدَ بَنُوْا اَلْنَّضِيْرِ اَلْيَهُوْدِ، قَتْلَ اَلْنَّبِيِّ e كَعَاْدَةِ اَلْيَهُوْدِ اَلَّتِيْ أَخْبَرَنَاْ بِهَاْ اَللهُ U بِقَوْلِهِ: } أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ { كَاْنُوْا عَلَىْ عَهْدٍ مَعَ اَلْنَّبِيِّ e وَلَكِنَّهُمْ نَقَضُوْا اَلْعَهْدَ بِإِرَاْدَةِ اِغْتِيَاْلِهِ e ، فَأَخْرَجَهُمْ e مِنْ اَلْمَدِيْنَةِ وَسَكَنُوْا خَيْبَرَ ، خَرَجَوُا وَهُمْ يَحْمِلُوْنَ مَعَهَمْ أَحْقَاْدَهُمْ عَلَىْ اَلْنَّبِيِّ e وَمَنْ مَعَهُ مِنْ اَلْمُسْلِمِيْنَ، فَأَرَاْدُوْا اَلْاِنْتِقَاْمَ مِنْهُمْ، فَبَدَأُوْا بِتَحْرِيْضِ اَلْقَبَاْئِلِ عَلَىْ اَلْمَدِيْنَةِ بَلَدِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، فَاَسْتَجَاْبَتْ لَهُمْ قُرِيْشٌ وَحُلَفَاْؤُهَاْ، وَغَطَفَاْنُ وَحُلَفَاْؤُهُمْ، وَقَدْ سُمُّوْا بِاَلْأَحْزَاْبِ، ثُمَّ اَنْضَمَّ إِلَيْهِمْ يَهُوْدُ بَنِيْ قُرَيْظَةَ اَلَّذِيْنَ كَاْنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ عَهْدٌ وَمِيْثَاْقٌ، وَهَكَذَاْ نَجَحَ سَاْسَةُ اَلْيَهُوْدِ وَقَاْدَتُهُمْ فِيْ تَأْلِيْبِ أَحْزَاْبِ اَلْمُشْرِكِيْنَ عَلَىْ اَلْنَّبِيِّ e وَدَعْوَتِهِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، فَكَوَّنُوْا جَيْشَاً بَلَغَ عَشْرَةَ آلَاْفِ مُقَاْتِلٍ، وَتَوَجَّهُوْا إِلَىْ اَلْمَدِيْنَةِ لِلْقَضَاْءِ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، فَعَلِمَ اَلْنَّبِيُّ e ، فَكَوَّنَ جَيْشَاً لِلْمُسْلِمِيْنَ يَتَكَوَّنُ مِنْ ثَلَاْثَةِ آلَاْفِ مُقَاْتِلٍ، أَيْ جَيْشُ أَعْدَاْءِ اَلْمِلَّةِ وَاَلْدِّيْنَ أَكْثَرَ مِنْ جَيْشِ اَلْمُسْلِمِيْنَ بِثَلَاْثَةِ أَضْعَاْفٍ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ U: } إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا { .
اِسْتَشَاْرَ اَلْنَّبِيُّ e أَصْحَاْبَهُ ، فَأَشَاْرَ عَلَيْهِ سَلْمَاْنُ اَلْفَاْرِسِيِّ ، بِحَفْرِ خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوّ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ حِيْلَةٌ دِفَاْعِيَةٌ يَسْتَخْدِمُهَاْ اَلْفُرْسُ، فَأُعْجِبَ اَلْمُسْلِمُوْنَ بِسَلْمَاْنَ وَفِكْرَتِهِ، فَقَاْلَ اَلْمُهَاْجِرُوْنَ: سَلْمَانُ مِنّا؛ وَقَالَتْ الأنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنّا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ e: سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ . فَنَاْلَ t هَذِهِ اَلْمَرْتَبَةَ اَلْعَظِيْمَةَ، وَاَسْتَحَقَّ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ اَلْرَّفِيْعَةَ، لِأَنَّهُ اِسْتَخْدَمَ فِكْرَهُ وَعَقْلَهُ فِيْمَاْ يَنْفَعُ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، فَصَاْرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اَلْنَّبِيِّ e. أَمَرَ اَلْنَّبِيُّ e بِحَفْرِ اَلْخَنْدَقِ ، فَأَخَذَ اَلْصَّحَاْبَةُ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ ـ بِحَفْرِهِ لِيَكُوْنَ مَاْنِعَاً لِوُصُوْلِ جَيْشِ أَعْدَاْءِ اَلْمِلَّةِ وَاَلْدِّيْنِ، لِبَلَدِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَنْسَحَبَ اَلْمُنَاْفِقُوْنَ مِنْ اَلْجَيْشِ، وَزَاْدَ خَوْفُهُمْ ، حَتَّىْ قَاْلَ أَحَدُهُمْ: كَاْنَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَاْ أَنْ نَأْكُلَ كُنُوْزَ كِسْرَىْ وَقَيْصَر، وَأَحَدُنَاْ لَاْ يَأْمَنُ عَلَىْ نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَىْ اَلْغَاْئِطِ ، وَطَلَبَ اَلْبَعْضُ اَلآخَرُ اَلْإِذْنَ لَهُمْ بِاَلْرُّجُوْعِ إِلَىْ بُيُوْتِهِمْ بِحُجَّةِ أَنَّهَاْ عَوْرَةٌ ، فَهُمْ اَلَّذَيْنَ عَنَىْ اَللهُ U بِقَوْلِهِ : } وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا { ، فَمِنْ جُبْنِهِمْ وَخُبْثِهِمْ وَتَخْذِيْلِهِمْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ صَوَّرَ اَلْقُرَّآنُ حَاْلَهُمْ بِقَوْلِهِ: } وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا{.
هَذِهِ حَاْلُ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ، أَمَّاْ اَلَّذِيْنَ لَمْ يَعْرِفْ اَلْنِّفَاْقُ طَرِيْقَاً إِلَىْ قُلُوْبِهِمْ ، كَاْنَ ظَنُّهُمْ بِاَللهِ قَوْيَاً ، قَاْلَ اَللهُ U عَنْهُمْ: } وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ، قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا { . حَاْوَلَ اَلْمُشْرِكُوْنَ اِقْتِحَاْمَ اَلْخَنْدَقِ، وَلَكِنَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ لَهُمْ بِاَلْمِرْصَاْدِ ، وَلِذَلِكَ حَصَلَتْ بَعْضُ اَلْمُنَاْوَشَاْتِ، فَاَسْتُشْهِدَ عَدَدٌ مِنْ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَقُتِلَ عَدَدٌ مِنْ اَلْمُشْرِكِيْنَ ، وَاَشْتَدَّ اَلْحِصَاْرُ عَلَىْ بَلَدِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَشْتَدَّ اَلْكَرْبُ عَلَىْ عِبَاْدِ اَللهِ اَلْمُؤْمِنْيِنَ ، كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا {، تَوَجَّهَ اَلْمُؤْمِنُوْنَ إِلَىْ رَسُوْلِ اَللهِ e ، يَقُوْلُ أَبُوْ سَعِيْدٍ t كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْإِمْاَمْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَوْمَ الخَنْدَق: يَا نَبِيَّ الله، بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ نَقُولُهُ ؟ قَالَ: (( نَعَمْ ، قُولُوا : اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا )) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوْفى قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللَّهِ e عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ : (( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ . اللَّهُمَّ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ )) فَاَسْتَجَاْبَ اَللهُ U لِدُعَاْءِ نَبِيِّهِ e عَلَىْ اَلْأَحْزَاْبِ، فَصَرَفَهُمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَزَلْزَلَ أَبْدَاْنَهُمْ وَقُلُوْبَهُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ اَلْرِّيْحَ اَلْبَاْرِدَةَ اَلْشَّدِيْدَةَ، وَأَلْقَىْ اَلْرُّعْبَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ ، وَأَنْزَلَ جُنُوْدًا مِنْ عِنْدَهِ سُبْحَاْنَهُ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا { اِنْهَزَمَ اَلْأَحْزَاْبُ وَاَنْتَصَرَ اَلْمُسْلِمُوْنَ ، كَمَاْ قَاْلَ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللَّهُ وَحْدَهُ ، أَعَزَّ جُنْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ )) .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
نَسْتَفِيْدُ مِمَّاْ ذَكَرْنَاْ دُرُوْسَاً هَاْمَّةً وَنَاْفِعَةً يَنْبَغِيْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَاْ يَغْفَلَ عَنْهَاْ، وَخَاْصَةً فِيْ هَذِهِ اَلْظُّرُوْفِ اَلْعَصِيْبَةِ اَلَّتِيْ تُحِيْطُ بِإِمَّتِنَاْ وَبِلَاْدِنَاْ، مِنْ هَذِهِ اَلْدُّرُوْس ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ عَدَاْوَةُ إِخْوَاْنِ اَلْقِرَدَةِ وَاَلْخَنَاْزِيْرِ لِلْمُسْلِمِيْنَ وَبِلَاْدِهِمْ ، وَتَأْلِيْبُهُمْ لِأَذْنَاْبِهِمْ مِنْ أَجْلِ اَلْقَضَاْءِ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
وَمِنْهَاْ مَوْاْقِفُ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ عَنْدَ اَلْأَزَمَاْتِ اَلَّتِيْ تَحُلُّ بِاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَبْرَزُهَاْ مَعْصِيَةُ وَلِيْ اَلْأَمْرِ، وَتَخْذِيْلُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَاَلْبَحْثُ عَنْ اَلْأَعْذَاْرِ اَلْوَاْهِيَةِ، وَاَلْتَّكْذِيْبُ بِمَاْ وَعَدَ اَللهُ U وَرَسُوْلُهُ e .
وَمِنْ اَلْدُّرُوْسِ اَلْهَاْمَّةِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ ثَمَرَةُ اَلْوُحْدَةِ وَاَلْاِجْتِمَاْعِ وَاَلْسَّمْعِ وَاَلْطَّاْعَةِ وَاَلْصَّبْرِ عَلَىْ اَلْشَّدَاْئِدِ وَاَلْجُوْعِ ، وَبَذْلُ اَلْأَسْبَاْبِ اَلْمُؤَدِيَةِ لِهَزِيْمَةِ اَلْأَعْدَاْءِ، وَمِنْ أَهَمِّهَاْ اَلْدُّعَاْءُ وَاَلْتَّضَرُّعُ وَاَلْلُّجُوْءُ إِلَىْ اَللهِ U ، فَبِذَلِكَ ثَبَّتَ اَللهُ U اَلْمُؤْمِنْيِنَ وَخَذَلَ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ } وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا { .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْبُغَاْةِ اَلْمُجْرِمِيْن ، وَاَلْطُّغَاْةِ اَلْمُعْتَدِيْن ، وَاَلْحَاْقِدِيْنَ وَاَلْحَاْسِدِيْنَ لِبَلَدِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ ، اَلْلَّهُمَّ اَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَخْطِيْطَهُ وَتَدْبِيْرَهُ تَدْمِيْرَاً عَلَيْه . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ جُنُوْدِنَاْ عَلَىْ حُدُوْدِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ اُنْصُرْهُمْ نَصْرَاً مُؤَزَّرَاْ . اَلْلَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عُوْنَاً وَظَهِيْرَاً ، وَوَلِيَّاً وَنَصِيْرَاً . اَلْلَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ ، وَاَرْبِطْ عَلَىْ قُلُوْبِهِمْ ، وَقَوِّيْ عَزَاْئِمَهُمْ ، وَاَحْفَظْ اَرْوَاْحَهُمْ ، وَعَجِّلْ بِنَصْرِهِمْ ، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ أَهْلِيْهِمْ رَدَّاً جَمِيْلَاً ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِل ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاْءُ إِلَيْكَ ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ ، وَبِلَاْدَنَاْ بِاَلْأَمْطَاْرِ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً سَحَّاً غَدَقَاً مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ ضَاْرٍ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، غَيْثَاً تُغِيْثُ بِهِ اَلْبِلَاْدَ وَاَلْعِبَاْدَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ وَعِبَاْدَكَ وَبَهَاْئِمَكَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|