شرور النفس
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أَن مِنْ أَعْظَمِ الجهادِ، أَنْ يُجاهِدَ الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ في ذاتِ الله، وما ذاكَ إلا لأن في النفسِ شُرُوراً كثيرةً تَحْتاجُ إلى مُجاهَدَةٍ، بل إنها مِنْ أعْدَى أعداءِ الإنسان. كما قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله: ( عُلِمَ أنها مَنْبَعُ كُلِّ شَرّ. ومأوى كُلِّ سُوء، وأَنَّ جَهْلَها أكثرُ من عِلْمِها، وأن ظُلْمَها أعظمُ مِن عَدْلِها، وأن ما فيها مِن خَيْرٍ هُو فَضْلٌ مِنَ الله. فَمَنَّ به عليها ولم يَكُنْ مِنْها ولَم يَكُنْ نابِعا منها ). مِنْ أَجْلِ ذلكَ كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم، يستعيذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ النَفْسِ وسيئاتِ الأعمال. فينبَغِي للمؤمنِ أنْ يَبْذُلَ أسبابَ السلامةِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ، وسيئاتِ أعمالِه. ومِنْ هذِهِ الأسباب: كَثْرَةُ الإستعاذةِ مِنْ شُرُورِ النفْسِ. ومِمَّا وَرَدَ في ذلك، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ). فهذِهِ شُرورٌ خمسة، حَثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الإستعاذةِ منها، كُلُّها مُتَعَلِّقَةٌ بالنَّفْسِ.
أَوَّلُها: الإستعاذةُ بالله من شرِّ السَّمْع. أي ألْتَجيُ بِكَ وأَعْتَصِمُ بِجَنابِكَ مِنْ شَرِّ سمعِي حتى لا أسمَعَ ما تَكْرَهُه، وما لا يُرْضيك مِن الباطل: كالشركِ، والكفرِ، والغيبةِ، والنميمة، والكذب، والزور، والبهتان، والمعازف. وَوَفِّقْنِي لِسماعِ ما يُرْضيك مِن العِلْمِ النافِعِ والذِّكْرِ والنَّصيحةِ والمَوْعِظة.
( ومن شرّ بصري ): حتى لا أرى ما لا تَرْضاه، من النظَرِ الحرام، الذي يُفسِدُ القلبَ وَيُشْغِلُه، أو يوقِدُ نارَ الشهوةِ فيه. ومِن تَتَبُّعِ العوراتِ والتَدَخُّلِ فيما لا يعني. ومِن نَظْرِ السُّخْرِيَةِ والإحتِقارِ للآخَرين.
( ومن شرِّ لساني ): حتى لا أَنْطِقَ بِما لا يُرْضيك, ولا أُشْغِلَهُ إلا بِما يُقّرِّبُني إليك.
( ومن شرِّ قلبي ): أي احْفَظْهُ من الشُّبُهاتِ والنفاقِ والعقائِدِ الباطِلة, والشهواتِ والحَسَدِ والبغضاءِ والكِبْرِ. وارزقني قلباً مؤمناً خاشعاً سليماً.
وأما قوله: ( ومِنْ شَرِ مَنِييِّ ): فالمرادُ به: الفَرْج، أي أعوذُ بك من شرِّ فرجي، بأن أُوقِعَهُ في غيرِ مَحَلِّه مِن الزنا، واللواط، والاسْتِمْتاعِ الْمُحَرَّم، فإن شهوةَ الفَرْجِ من أعظمِ ما ابْتُلِيَ به الإنسان، وخاصّةً في هذا الزمان، مع كَثْرَةِ دُعاةِ الفتنِ والفسادِ، وكَثْرَةِ دَواعِيه، وانتشارِها، وكَثْرَةِ وسائِلِها، وسُهُولَةِ حُصُولِها في كُلِّ مكانٍ نَعُوذُ بالله.
عباد الله: إن أعْظَمَ جرائِمِ الفَرْج، جريمةُ اللواط، فهي مُنْكرٌ عظيمٌ وفاحشةٌ مِنْ أعظمِ الفواحشِ على الإطلاقِ، وأضَرِّها على الدينِ والمروءةِ والأخلاق. وداءٌ عضالٌ، وسُمٌّ قَتَّال، ترفُضُهُ الفطرةُ السَّوِيَّة. قال بعضُ السلف: " لولا أن اللهَ تعالى ذَكَرَ ذلكَ في القرآن، ما كُنّا نُصَدِّقُ أن الرجلَ يأتي الرجل ". وما ذاكَ إلا لمخالفتِهِ للفِطَرِ السليمةِ التي تَنْفِرُ منه حتى البهائم، فَكَيفَ بالإنسانِ الذي كَرَّمَه اللهُ تعالى. أهلكَ اللهُ أُمَّةً بأكْمَلِها بِسَبَبِه، ولم يَخْتَلِف الصحابةُ رضي الله عنهم في قَتْلِ فاعِلِه. فاحذروا يا عبادَ اللهِ مِنْ هذِهِ الجريمة. وإيّاكُمْ والتساهُلَ في ذلك. فإنَّ الفِتَنَ كثيرة، والإنفتاحَ على العالَم بِكُلِّ عقائِدِه وَسُلُوكِيَّاتِه وعاداتِه، يَسْتَوْجِبُ علينا الحَذَرَ على أبنائِنا وفَلَذاتِ أكبادِنا، ويُضاعِفُ الْمسْئُوليَّةَ على الجميع، خُصُوصاً الآباءَ والدعاةَ والْمعلِّمينَ في المدارس.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: إنَّ مَنْ أحبَّه الله، حازَ على كُلِّ فضيلةٍ ومَصْلَحةِ في الدين والدنيا، ويَكفي في ذلكَ، ما أخبرَ اللهُ به في الحديثِ الذي يَرْوِيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ تبارك وتعالى، أن اللهَ لَمَّا ذَكَرَ عبدَهُ الْمَحْبُوب، قال: ( فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويَدَه التي يبطش بها، وَرِجْلَه التي يمشي بها، وإن سَأَلني لَاُعْطِيَنَّه، ولَئِن استعاذني لأُعِيذَنَّه ). فَمَنْ أحبَّه اللهُ فاز بهذا الفضلِ العظيم. والذي مِنْه حِفْظُ الجوارحِ واستعمالُها فيما يُرْضِي الله. وليسَ كُلّ أحَدٍ ينالُه، لِأن محبةَ اللهِ لا تُنال إلا بأسبابِها، كما قال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). وقال تعالى: ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ).
اللهم اجعلنا مِنْ أحبابِك، واسْتَعْمِلْنا في طاعتِك، وأعِنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، واحفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً واجعلهم قوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك، وألف بين قلوبهم واجعلهم رحمة لرعيتهم واجمع قلوب رعيتهم عليهم، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لنا ويتربص بنا الدوائر يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|