أويس القرني
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْقَاْئِلِ: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ،} وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَرْسَلَهُ U } مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا { ، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ: (( إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ ، وَلَهُ وَالِدَةٌ ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ ، فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ )) ، وَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، أَيْضَاً عَنْ عُمَرَ t ، أَنَّهُ e قَاْلَ : (( يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ، مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
أُوَيْسُ اَلْقَرَنِيُّ ، اَلَّذِيْ ذَكَرَ اَلْنَّبِيُ e ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ ، مِنْ خِيَاْرِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، كَمَاْ جَاْءَ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أُوَيْسٌ )) .
وَلَاْ شَكَّ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ لِلْتَّاْبِعِيْنَ فَضْلٌ وَمَكَاْنَةٌ بَعْدَ اَلْصَّحَاْبَةِ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ ـ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( خَيْرُ اَلْقٌرُوْنِ قَرْنِيْ )) أَيْ اَلَّذِيْنَ أَدْرَكُوْنِيْ وَآمَنُوْا بِيْ وَهُمْ أَصْحَاْبِيْ ، (( ثُمَّ اَلَّذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ )) أَيْ يَقْرَبُوْنَهُمْ فِيْ اَلْرِّتْبَةِ ، أَوْ يَتْبَعُوْنَهُمْ فِيْ اِلْإِيْمَاْنِ وَاَلْإِيْقَاْنِ ، وَهُمُ اَلْتَّاْبِعُوْنَ ، (( ثُمَّ اَلَّذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ )) ، وَهُمْ أَتْبَاْعُ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، (( ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ ، يَنْذِرُوْنَ وَلَاْ يَفُوْنَ ، وَيَخُوْنُوْنَ وَلَاْ يُؤْتَمَنُوْنَ ، وَيَشْهَدُوْنَ وَلَاْ يُسْتَشْهَدُوْنَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ اَلْسِّمَنُ )) قَاْلَ بَعْضُهُمْ : يَظْهَرُ فِيْهِمْ اَلْسِّمَنُ : لِغَفْلَتِهِمْ وَقِلَّةِ اِهْتِمَاْمِهِمْ بِأَمْرِ اَلْدِّيْنِ ، نَسْأَلُ اَللهَ اَلْسَّلَاْمَةَ وَاَلْعَاْفِيَةَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
فَأُوَيْسٌ شَهِدَ اَلْنَّبِيُ e بِخَيْرِيتِهِ ، وَأَخْبَرَ عَنْ فَضْلِهِ وَمَكَاْنَتِهِ ، وَبَيَّنَ مَنْزِلَتَهُ عَنْدَ اَللهِ U ، فَقَدْ اِسْتَجَاْبَ لِدَعْوَتِهِ وَشَفَاْهُ مِنْ مَرَضِهِ ، بِسَبَبِ بِرِّهِ بِأُمِّهِ ، بَلْ ذَكَرَ e فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، أَنَّ اَللهَ U يُدْخِلُ اَلْجَنَّةَ أُمَمَاً بِشَفَاْعَتِهِ ، فَقَاْلَ e : (( لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ، بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي ، أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ )) قَاْلَ اَلْحَسَنُ اَلْبَصْرِيُ : اَلْشَّاْفِعُ هُوَ أُوَيْسٌ اَلْقَرَنِيُ .
وَلِذَلِكَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ حَرِصَ اَلْصَّحَاْبَةُ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ ـ عَلَىْ جَلَاْلَةِ قَدْرِهِمْ ، وَعُلُوِ مَنْزِلَتِهِمْ ، مِنْ بَاْبِ حِرْصِهِمْ وَمَحَبَتِهِمْ لِجَنَّةِ رَبِّهِمْ U ، وَاَمْتِثَاْلِهِمْ لِأَمْرِ نَبِيِهِمْ e ، حَرِصُوْا عَلَىْ لِقَاْءِ أُوَيْسٍ ، لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ، وَمِنْهُمْ أَمِيْرُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، اَلْمُبَشَّرُ بِاَلْجَنَّةِ ، عُمَرُ بِنُ اَلْخَطَّاْبِ t ، فَقَدْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِيْنَ ، يَسْأَلُ اَلْنَّاْسَ عَنْ أُوَيْسٍ اَلْقَرَنِيْ ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ t ، أَنَّهُ كُلَّمَاْ أَتَاْهُ أَمْدَاْدٌ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ ، سَأَلَهُمْ : أَفِيْكُمْ أُوَيْسُ بِنُ عَاْمِر؟ وَكَاْنَ لَاْ يَجِدُ عَلَىْ ذَلِكَ اَلْسُّؤَاْلِ جَوَاْبَاً ، لِأَنَّ أَوَيْسَاً ، غَيْرُ مَعْرُوْفٍ بَيْنَهُمْ ، فَلَمْ يَكُنْ بِذِيْ جَاْهٍ ، وَلَاْ مَاْلٍ وَلَاْ سُلْطَاْنٍ .
وَفِيْ آخِرِ خِلَاْفَتِهِ t ، وَكَاْنَ حَاْجَاً ، صَعَدَ جَبَلَاً ، وَأَطَلَّ عَلَىْ اَلْحَجِيْجِ ، وَنَاْدَىْ بِأَعْلَىْ صَوْتِهِ : يَاْ أَهْلَ اَلْيَمَنِ أَفِيْكُمْ أُوَيْسٌ مِنْ مُرَاْد؟ فَقَاْمَ شَيْخٌ مِنْ قَرَنَ فَقَاْلَ : يَاْ أَمِيْرَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ اَلْسُّؤَاْلَ عَنْ أُوَيْسٍ هَذَاْ ، وَمَاْ فَيْنَاْ أَحَدٌ اِسْمُهُ أُوَيْس ، إِلَّاْ اِبْنُ أَخِ لِيْ ، فَأَنَاْ عَمُّهُ . إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ ، وَضِيْعِ اَلْشَّأْنِ ، لَيْسَ مِثْلُكَ يَسْأَلُ عَنْهُ يَاْ أَمِيْرَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ . قَاْلَ t : يَاْ شَيْخَ ! وَأَيْنَ اِبْنُ أَخِيْكَ هَذَاْ اَلَّذِيْ تَزْعُمُ ؟ أَهُوَ مَعَنَاْ بِاَلْحَرَمِ ؟ قَاْلَ اَلْشَّيْخُ : نَعَمْ يَاْ أَمِيْرَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، هُوَ مَعَنَّاْ فِيْ اَلْحَرَمِ ، غَيْرَ أَنَّهُ فِيْ أَرَاْكِ عَرَفَةَ ، يَرْعَىْ إِبْلَاً لَنَاْ .
فَرَكِبَ عُمَرُ بِنُ اَلْخَطَّاْبِ t ، وَخَرَجَ فِيْ طَلَبِهِ ، وَأَسْرَعَ إِلَىْ أَرَاْكِ عَرَفَةَ ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَخَلَّلُ اَلْشَّجَرَ ، يَبْحَثُ عَنْ أُوَيْسٍ ، فَإِذَاْ بِرَجُلٍ فِيْ طِمْرَيْنِ مِنْ صُوْفٍ أَبْيَضٍ ، قَدْ صَفَّ قَدَمَيْهِ ، يُصَلِّيْ إِلَىْ شَجَرَةٍ جَعَلَهَاْ سُتْرَةً لَهُ، وَقَدْ رَمَىْ بِبَصَرِهِ إِلَىْ مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ ، وَأَلْقَىْ يَدِيْهِ عَلَىْ صَدْرِهِ، وَاَلْإِبْلُ تَرْعَىْ حَوْلَهُ. فَلَمَّاْ سَمِعَ أُوَيْسٌ حِسَّهُ ، أَوْجَزَ فِيْ صَلَاْتِهِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ . وَتَقَدَّمَ إِلِيْهِ عُمَرُ t، وَسَلَّمَ عَلِيْهِ ، فَرَدَّ عَلِيْهِ اَلْتَّحِيَةَ بِأَحْسَنَ مِنْهَاْ ، فَقَاْلَ عُمَرُ : مَنْ أَنْتَ؟ قَاْلَ : رَاْعِيْ إِبْلٍ وَأَجِيْرٌ لِلْقَوْمِ، فَقَاْلَ عُمَرُ: لَيْسَ عَنِ اَلْرِّعَاْيَةِ أَسْأَلُكَ ، وَلَاْ عَنْ اِلْإِجَاْرَةِ! إِنَّمَاْ أَسْأَلُكَ عَنْ اِسْمِكَ ، فَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اَللهُ ؟ فَقَاْلَ : أَنَاْ عَبْدُ اَللهِ وَاِبْنُ أَمَتِهِ. فَقَاْلَ t : قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِيْ اَلْسَّمَوْاْتِ وَاَلْأَرْضِ عَبِيْدُ اَللهِ ، وَإِنِّيْ أُقْسِمُ عَلِيْكَ إِلَّاْ أَخْبَرْتَنِيْ بِاَسْمِكَ ، اَلَّذِيْ سَمَّتْكَ بِهِ أُمُّكَ ، قَاْلَ: يَاْ هَذَاْ ! مَاْ تُرِيْدُ مِنِّيْ ؟ أَنَاْ أُوَيْسُ بِنُ عَبْدِ اَللهِ ، فَكَبَّرَ عُمَرُ t ، كَبَّرَ لَأَنَّهُ ظَفَرَ بِشَئٍ مِنْ اَلْأَهَمِّيَةِ بِمَكَاْنٍ فِيْ حَيَاْتِهِ ، أَفْنَىْ عَشْرَ سِنِيْنَ مِنْ عُمُرِهِ يَبْحَثُ عَنْهُ . فَأَرَاْدَ t أَنْ يَتَأَكَّدَ ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ شِقِّهِ اَلْأَيْسَرِ. قَاْلَ أُوَيْسٌ : وَمَاْ حَاْجَتُكَ إِلَىْ ذَلِكَ؟ فَقَاْلَ t: إِنَّ رَسُوْلَ اَللهِ e وَصَفَكَ لَنَاْ ، وَقَدْ وَجَدّتُ اَلْصِّفَةَ كَمَاْ خَبَّرَنِيْ، غَيْرَ أَنَّهُ أَعْلَمَنَاْ أَنَّ بِشِقِّكَ اَلْأَيْسَرِ لَمْعَةٌ بَيْضَاْء، كَمِقْدَاْرِ اِلْدِّيْنَاْرِ أَوْ اَلْدِّرْهَمِ، وَأَنَاْ أُحِبُّ أَنْ أَنْظَرَ إِلَىْ ذَلِكَ . فَأَوْضَحَ لَهُ أُوَيْسٌ عَنْ شِقِّهِ اَلْأَيْسَر ، فَلَمَّاْ نَظَرَ عُمَرُ إِلَىْ اَلْلَّمْعَةِ اَلْبَيْضَاْءِ ، اِبْتَدَرَ إِلَيْهِ وَقَاْلَ : يَاْ أُوَيْسَ ، إِنَّ رَسُوْلَ اَللهِ e أَمَرَنَاْ أَنْ نُقْرِئَكَ مِنْهُ اَلْسَّلَاْمَ، وَأَمَرَنَاْ أَنْ نَسْأَلَكَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَنَاْ، فَاَسْتَغْفِرْ لِيْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَاْ بِأَنَّكَ سَيْدُ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَأَنَّكَ تَشْفَعُ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ فِيْ عَدَدَ رَبِيْعَةَ وَمُضَر . فَبَكَىْ أُوَيْسٌ بُكَاْءً شَدِيْدَاً، ثُمَّ قَاْلَ: عَسَىْ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ غَيْرِيْ ، فَقَاْلَ : إِنَّاْ قَدْ تَيَقَّنَّاْ أَنَّكَ هُو، فَاَدْعِ اَللهَ لِيْ ـ رَحِمَكَ اَللهُ ـ بِدَعْوَةٍ وَأَنْتَ مُحْسِنٌ. فَقَاْلَ أُوَيْسٌ: مَاْ أَخُصُّ بِاَسْتِغْفَاْرٍ نَفْسِيْ وَلَاْ أَحَدَاً مِنْ وَلَدِ آدَم، وَلَكِنْ مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكُ اَللهُ؟ فَإِنِّيْ قَدْ خَبَّرْتُكَ وَشَهَّرْتُ لِكَ أَمْرِيْ ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَاْنِيْ أَحَدٌ مِنْ اَلْنَّاْسِ ، فَقَاْلَt: أَنَاْ عُمَرُ بِنُ اَلْخَطَّاْبِ ، فَوَثَبَ أُوَيْسٌ فَرِحَاً مُسْتَبْشِرَاً، فَعَاْنَقَهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، قَاْلَ أُوَيْسٌ: وَمِثْلِيْ يَسْتَغْفِرُ لِمِثْلِكَ ؟! قَاْلَ t : نَعَمْ ، فَاَسْتَغْفَرَ لَهُ .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَاْلَ : اَلْكُوْفَةَ . قَاْلَ : أَلَاْ أَكْتُبُ لَكَ إِلَىْ عَاْمِلِهَاْ ؟ قَاْلَ : أَكُوْنُ فِيْ غَبْرَاءِ اَلْنَّاْسِ أَحَبَّ إِلَيَّ. فَمَضَىْ أُوَيْسٌ إِلَىْ اَلْكُوْفَةِ ، وَكَاْنَ فِيْ غَبَرَاْءِ اَلْنَّاْسِ ، لَمْ يَبْحَثْ عَنْ شُهْرَةٍ ، وَلَاْ مَكَاْنَةٍ فِيْ دُنْيَاً فَاْنِيَةٍ ، هَمُّهُ رِضَىْ خَاْلِقِهِ ، وَهَدَفُهُ دُخُوْلُ جَنَّةٍ عَرْضُهَاْ كَعَرْضِ اَلْسَّمَوَاْتِ وَاَلْأَرْضِ. جَاْءَهُ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ، وَقَاْلَ: يَاْ أُوَيْسَ حَدِّثْنِيْ عَنْ رَسُوْلِ اَللَّهِ e ، بِحَدِيثٍ أَحْفَظُهُ عَنْكَ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُدْرِكَ رَسُولَ اللَّهِ e ، وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ رَأَوْهُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِهِ كَبَعْضِ مَا بَلَغَكُمْ ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مُحَدِّثًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ مُفْتِيًا ، فِي النَّفْسِ شُغُلٌ عَنِ النَّاسِ يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ .
فَرَحِمَكَ اَللهُ يَاْ أُوَيْسَ ، وَلَاْ حَرَمَنَاْ اَسْتِغْفَاْرَكَ ، وَجَمَعَنَاْ بِكَ عَلَىْ حَوْضِ نَبِيِّهِ e . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ U : } إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ { وَيَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( وَمَنْ أَبْطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) فَأُوَيْسٌ بَلَغَ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ ، وَتَلْكَ اَلْمَكَاْنَةَ بِعَمَلِهِ ، وَبِطَاْعَتِهِ لِرَبِّهِ ، وَبِإِيْمَاْنِهِ وَوَرَعِهِ، يَقُوْلُ اَلْحَاْكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ: جَاْءَ رَجُلٌ ، مِنْ مُرَادٍ إِلَى أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ يَاْ أُوَيْسٌ ؟ قَاْلَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، قَاْلَ : كَيْفَ اَلْزَّمَاْنُ عَلَيْكُمْ ؟ قَاْلَ: لَاْ تَسْأَلِ اَلْرَّجُلَ إِذَا أَمْسَى لَمْ يَرَ أَنَّهُ يُصْبِحْ ، وَإِذَا أَصْبَحَ لَمْ يَرَ أَنَّهُ يُمْسِي. يَا أَخَا مُرَادٍ ، إِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُبْقِ لِمُؤْمِنٍ فَرَحًا . يَا أَخَا مُرَادٍ، إِنَّ عِرْفَانَ الْمُؤْمِنِ بِحُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُبْقِ لَهُ فِضَّةً وَلَا ذَهَبًا. يَا أَخَا مُرَادٍ ، إِنَّ قِيَامَ الْمُؤْمِنِ بِأَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُبْقِ لَهُ صَدِيقًا، وَاللَّهِ إِنَّا لَنَأْمُرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَتَّخِذُونَنَا أَعْدَاءً ، وَيَجِدُونَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفَاسِقِينَ أَعْوَانًا، حَتَّى وَاللَّهِ لَقَدْ يَقْذِفُونَنَا بِالْعَظَائِمِ، وَوَاللَّهِ لَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ .
فَلْنَتَقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْتَكُنْ قِصَّةُ هَذَاْ اَلْرَّجُلِ اَلْصَّاْلِحِ ، سَبَبَاً لِمُرَاْجَعَةِ أَنْفُسِنَاْ، لَاْ سِيَّمَاْ فَيْمَاْ يَخُصُّ أَعْمَاْلِنَاْ لَآخِرَتِنَاْ ، وَعِلَاْقَتِنَاْ مَعَ رَبِّنَاْ ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ e أَنَّهُ قَاْلَ : (( إِنَّ اَللهَ لَاْ يَنْظُرُ إِلَىْ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَاْلِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىْ قُلُوْبِكُمْ وَأَعْمَاْلِكُمْ )) .
أَلَاْ وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اَللَّهَ وَمَلَاْئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَىْ اَلْنَّبِيِّ يَاْ أَيُّهَاْ اَلَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، قَاْلَ e : (( مَنْ صَلَّىْ عَلَيَّ صَلَاْةً ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ بِهَاْ عَشْرَاً )) . فَاَلْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرِكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضَ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِي اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُوْدِكَ وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَلِّمْنَاْ مَاْ يَنْفَعُنَاْ وَاَنْفَعْنَاْ بِمَاْ عَلَّمْتَنَاْ يَاْ ذَاْ اَلْجَلَاْلِ وَاَلْإِكْرَاْمِ ؛ اَلْلَّهُمَّ طَهِرْ قُلُوْبَنَاْ مِنْ اَلْنِّفَاْقِ وَأَعْمَاْلَنَاْ مِنْ اَلْرِّيَاْءِ وَأَلْسِنَتَنَاْ مِنْ اَلْكَذِبِ وَأَعْيُنَنَاْ مِنْ اَلْخِيَاْنَةِ إِنَّكَ تَعْلَمُ خَاْئِنَةَ اَلْأَعْيُنِ وَمَاْ تُخْفِيْ اَلْصُّدُوْرُ . اَلْلَّهُمَّ أَحْفَظْنَاْ بِاَلْإِسْلَاْمِ وَأَدِمْ عَلَيْنَاْ نِعْمَةَ اَلْإِيْمَاْنِ وِاِلْأَمَاْنِ . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا ، وَأَكْرِمْنَا وَلاَتُهِنَّا ، وَزِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا ، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا . اللَّهُمَّ رَبَّنَا حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْـهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِليْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُـوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا يَا رَبَّنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ . بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ ، اللّهُمّ لَا إلّا إلَه إلّا أَنْتَ ، أَنْتَ الْغَنِيّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اللّهُمّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيّت اللّهُمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|