فضل الإنفاق على المحتاجين
الحمد لله رب العالمين أمر بالإحسان و وعد المحسنين بجزيل الثواب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، حث على الصدقة لا سيما في أوقات الحاجة صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب وسلم تسليما كثيرا. أما بعد أيها الناس
إن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ودار شدائد ورخاء، يتعاقب فيها الخير والشر، ويتعاقب فيها العسر واليسر، ابتلاء وامتحان، وإن الله جل وعلا أمر المؤمنين عندما تنزل الشدائد والحاجة والفقر أمرهم بالتعاون على دفع حاجة المحتاجين ومساعدة المعسرين، فالله سبحانه وتعالى أعطى الأموال وأمر بالإنفاق أمر بالإنفاق منها كما قال سبحانه وتعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، ووعد المحسنين بأنه لا يضيع أجورهم، بل يضاعفها لهم أضعافا كثيرة (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون)، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف المسلمين بأنهم "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وإن اخوانكم السوريين قد نزل بهم ما تعلمون من الكارثة العظيمة والمصيبة الجسيمة على يد الطغاة الظلمة الذين قتلوا رجالهم وشردوا أطفالهم ونسائهم وعوائلهم وشيوخهم دون أن تأخذهم فيهم رحمة أو شفقة طردوهم من ديارهم ليس معهم شيء فتفرقوا فيما حولهم من البلاد المجاورة يحتاجون إلى المساعدة وإلى المواساة وإلى ما يجبر كسرهم ويعينهم على مصابهم، والمسلمون في أقطار الأرض كالجسد الواحد، يعينون إخوانهم بأي نوع من أنواع الإعانة ولو بالدعاء الصالح وإن هذه الحكومة وفقها الله قد بذلت وتبذل من المساعدات لهم الشيء الكثير فالشاحنات المحملة بالمساعدات تتقاطر عليهم الواحدة تلو الأخرى منذ بدأ بهم ما بدأ من النكبة ولا تزال توالي عليهم المساعدات من الأطعمة والملابس والمأوى ولكنها مع ذلك فتحت المجال للمحسنين بأن يساعدوا كل بما يستطيع وجعلت لهذه المساعدات جهات تستقبلها وتوصلها إلى المحتاجين فجعلت الهلال الأحمر السعودي ورابطة العالم الإسلامي وجعلت هيئة الإغاثة السعودية كل هذه الجهات تستقبل مساعداتكم وتوصلها بإذن الله إلى إخوانكم.
وفي نفس الوقت حذرت الحكومة وفقها الله من المحتالين الذين قد يستغلون هذه الظروف فيطلبون المساعدات من الناس ولا يدرى إلى أين تصير لأنهم مجهولون ومشبوهون حذرت منهم لأجل ضمان المصلحة ودفع المفسدة وهم يدعون وقد يكونون من غير السعوديين وقد يكون من السعوديين الذين تدور حولهم الاتهامات فيستغلون هذه الفرص ليجمعوا الأموال والله أعلم إلى أين تصير، إما لأنهم يتمولونها أو أنهم يضعونها في أشياء تضر المسلمين، فاحذروهم وهم يدعون الناس من خلال وسائل الاتصالات الخفية ومن كان عنده صدقة فليراجع هذه الجهات التي عينتها الحكومة ليكون ذلك أضمن بإذن الله لوصول المساعدات إلى إخوانكم الذين هم بحاجة إلى مساعدتكم إلى أن يفرج الله عنهم ويزيل شدتهم فإن الله سبحانه وتعالى يفرج الكروب وييسر المعسور وهو على كل شيء قدير، والشدائد لا تدوم ولكن الله يجريها ابتلاء وامتحان للعباد ويجعل فيها فرصة للمحسنين والمنفقين الذين يبتغون ما عند الله سبحانه وتعالى، فهم بحاجة لعونكم بعد عون الله ومساعدتكم (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، ولا يضيع أجر المحسنين فبادروا وفقكم الله ويكون ذلك أيضا بإشراف أمراء المناطق الذين يشرفون على هذه المساعدات وضبطها فهذه الجهات هي المخولة لاستقبال التبرعات وهي التي تقوم على إيصالها للمحتاجين بإذن الله ولا يحقرن أحد منكم التبرع لهم ولو بالشيء اليسير قال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النار ولو بشق تمرة"، وكل ما كثرت المساعدة وخلصت النية فالأجر أعظم فبادروا رحمكم الله هذه الفرصة التي أتيحت لكم واعتبروها غنيمة لكم واعتبروها طريقا إلى الجنة فإن من يسر على معسر يسر الله عليه والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فهذه فرصة عظيمة لمن يريد الأجر والثواب ويريد مساعدة أخوانه المسلمين ويريد القربة عند الله سبحانه وتعالى فبادروا رحمه الله بمساعدة هؤلاء المنكوبين كل بما تيسر له، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
فاتقوا الله عباد الله (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ* عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، فحث سبحانه وتعالى عند النوازل أو نوازل الخوف أن يرجع إلى أهل العلم ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ)، ومن بعد الرسول يرد إلى ورثة الرسول وهم العلماء (وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)، وهم القادة وولاة الأمور فهاتان الطائفتان هما اللذان يرجع إليهما عند حل المشكلات حل الشدائد ولا يرجع إلى العامة والغوغاء ولا يرجع إلى المتشتتين والعمل الجماعي الذي تقوده ولاية أمور المسلمين وعلماء المسلمين هو العمل المجدي بإذن الله أما الذي تقوده الغوغاء والمشبوهون فهذا عمل ضرره أكثر من نفعه إن كان فيه نفع (أَذَاعُوا بِهِ)، فينشرونه فيما بينهم ولا يرجعون إلى أهل الحل والعقد وإلى من يرجع إليهم في حل المشكلات والعمل لا بد أن يكون مع الجماعة يد الله على الجماعة فكونوا مع ولاة أموركم ومع علمائكم في هذه المناسبة وغيرها فإن ذلك أجدى لحل المشكلات وأجدى في تجاوز الصعوبات أما الفوضى وأما الغوغاء وأما تدخل المشبوهين في أمور المسلمين فهذه أمور تضر ولا تنفع.
فاتقوا الله عباد الله وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وارحم اخواننا المشردين وردهم إلى ديارهم آمنين يا رب العالمين، اللهم دمر الطغاة والمفسدين وأعداء الدين يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم ول علينا خيارنا واكفنا شر شرارنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
المصدر
http://alfawzan.af.org.sa/node/14460
|