الوسواس من كلام الناس
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { القائل في كتابه : } وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصيته سبحانه لعباده ، الأولين والآخرين ، فهو القائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الخوف من كلام الناس ، الذي يمنع من فعل الواجبات ، وترك المنهيات ، ظاهرة خطيرة ، بلي بها كثير من المسلمين ، وارتكب بسببها ، العديد من المخالفات والمنهيات ، بل وعصي من أجلها الله U ، وتركت بسببها سنة النبي r ، صار ـ أيها الأخوة ـ بعض المسلمين ، يخاف من الناس ومن كلامهم ، أكثر مما يخاف من الله U ، ويتقي كلامهم ، أكثر مما يتقي النار ـ والعياذ بالله .
ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن بعض الناس ، بسبب بعده عن امتثال أمر الله ونهيه ، لا يتورع عن تسليط لسانه على غيره ، ولا يكترث بما يقوله عن مسلم من إخوانه ، ولذلك يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ )) ، فالناس ـ أيها الأخوة ـ الذين لا يخافون الله U ، من طبعهم : الإيذاء في ألسنتهم ، ومن عاداتهم : التشويش على مشاعر غيرهم ، ويكفي دليل على ذلك ، قول الله U لنبيه r : } وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ { فلا تلتفت لما يقوله الناس عنك ، ولا يؤثر عليك كلامهم ، فتترك ما أمرك الله به من أجلهم ! } فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ { .هذه ـ أيها الأخوة ـ وصفة ربانية ، للتعامل مع ما سيقوله الناس ، وعلاج نافع لكلام الناس : كثرة ذكر الله والصلاة ، والمضي في العبادة حتى الموت .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذه الظاهرة الخطيرة ، التي تجعل كثيرا من الناس ، يتركون الواجبات ، ويفعلون المحرمات ، ظاهرة موجودة في المجتمع ، وقد تسببت وساهمت في انتشار كثير من المخالفات ، وعلى سبيل المثال : الإسراف والتبذير ، الإسراف الذي لا يحب الله U أهله ، كما قال تعالى : } وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { ، والتبذير الذي وصف الله U أهله بأنهم إخوانا للشياطين ، فقال U : } إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ { ، فما أكثر ـ أيها الأخوة ـ المسرفون والمبذرون ، ولو سألت أحدهم عن سبب إسرافه أو تبذيره ، لوجدت أنه الخوف من كلام الناس .
تأخير الزواج ، وكثرة العوانس ، ورد الأكفاء ، والمبالغة في تكاليف الزواج ، ومحاكاة سفهاء المجتمع في ذلك ، ظاهرة يرفضها جميع الناس ، ولكنهم يقعون بها ، ويعملون على عدم إزالتها ، بسبب الخوف من كلام الناس .
مخالفة سنة النبي r ، كحف الشوارب ، وإعفاء اللحاء ، وعدم الإسبال للرجال ، والتبرج واللبس الفاضح للنساء ، أكثر الناس يقع بها ، وقد يكون في قرارة نفسه ، يتمنى أن يفعلها ، ولكنه لا يستطيع ، والسبب هو الخوف من كلام الناس ، وماذا سيقول الناس عنه .
مخالفات كثيرة ، وأمراض خطيرة ، بل وجرائم شنيعة ، تقع في مجتمعنا ، بسبب هذه الظاهرة المنكرة ، التي لا يحبها الله U ، ولا يرضاها من عبد من عباده .
أيها الأخوة :
إن الخوف من الناس ، ومن كلامهم ، قضية يجب على المسلم ، أن لا يأبه بها ، ولا يجعلها مانعا له من فعل ما يقربه من الله U ، وما يبعده عن غضب خالقه ورازقه ومحاسبه ، وهو الله U ، يقول تبارك وتعالى ، } فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ { ، وفي الحديث الذي صححه الألباني ـ رحمه الله ـ يقول النبي r : (( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ )) . وفي حديث آخر صحيح ، عن عائشة رضي الله عنها تقول : سمعت النبي r يقول : (( مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ سَخَطَ اللَّهِ بِرِضَا النَّاسِ ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ )) .
الناس أخي الكريم ، الذين تترك ما يحبه الله U من أجلهم ، وترتكب ما يغضبه سبحانه ، خوفا من ألسنتهم ، لن يدخلوا معك في قبرك ، ولن يثقلوا ميزان حسناتك ، ولن يمسكوا بيدك للمرور على الصراط يوم القيامة ، فاحرص على ما ينفعك ، ودع الناس وكلامهم :
لا تلتفت إلى تخذيل حاسد ولا إلى شماتة هامز
التمس ـ أخي ـ ما يرضي ربك ، ولا تلتفت للسفهاء الذين وظفوا أنفسهم رقباء على غيرهم .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
من نعم الله U علينا في هذه البلاد ، وبجهود ولاة أمرنا ـ حفظهم الله ـ وجود العديد من الجهات التي تعمل على توفير العيش الهانئ لنا ، وتسعى إلى تحقيق الراحة والطمأنينة والأمن والسلامة في مجتمعنا ، ومن أهم هذه الجهات ، الدفاع المدني ، الذي يهتم بسلامة أجسادنا وممتلكاتنا ، من الحرائق والآفات ، ويوم غد السبت ، بإذن الله تعالى ، تنطلق مناسبة وطنية هامة في بلادنا الحبيبة، تحت شعار : المشاركة المجتمعية والدفاع المدني ، وهي مناسبة ينبغي أن يستفاد منها ، وأن تستغل لثقيف الناس ، وخاصة من في البيوت من النساء والأطفال ، الذين يجهلون أمورا كثيرة من الأهمية بمكان .
نعم ـ أيها الأخوة ـ من منا من حفظ من في بيته الرقم الخاص للدفاع المدني ، ليتصل به عند الحاجة لا سمح الله ، ومن منا من علم أطفاله وزوجته ، كيف تستخدم طفاية الحريق ، بل كم الذين اهتموا لذلك ، ووفروا طفايات الحريق في بيوتهم .
فنحن بحاجة ، للمشاركة والاستفادة ، من جهود هذه المؤسسة الهامة ، والتي لها الدور الفعال ، بعد توفيق الله ومشيئته في سلامة أرواحنا وأبداننا وأموالنا وممتلكاتنا .
فهي دعوة - أيها الأخوة - للمشاركة في هذه المناسبة ، واستغلالها بما يعود بالنفع والفائدة.
اسأل الله أن يحفظ لنا أمننا ، ويوفق ولاة أمرنا ، ويرزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html |