قيل وقال
الحمد لله الذي خلق الخلق من تراب ، وفاوت بينهم في العقول والآداب ، وقسمهم إلى تقي أواب ، وفاجر كذاب .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، حمدا يفوق العد والحساب ، وأشكره على نعمه ، التي لا يحصيها كتاب ولا جواب :
جواد كريم محسن دائم الندا
وجوداه لا تبلى ولا تتبدل
عفو يحب العفو من كل خلقه
عن الجود والإحسان لا يتحول
له ترفع الأعمال في كل لحظة
بأيدي كرام كاتبين وتحمل
عليه اعتمادي واتكالي ورغبتي
وإصلاح شأني مجمل ومفصل
اسأله U أن يصلح أحوالنا ، ويخلص أعمالنا ، ويسدد أقوالنا ، إنه سميع مجيب .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة مبرأة من الشرك والشك والارتياب . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، صلاة دائمة ما لاح نجم وغاب ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الحساب .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لعباده ، الأولين والآخرين ، فهو القائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه ، أن النبي r قال : (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ . وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ )) . الشاهد ـ أيها الأخوة ـ من هذا الحديث ، قول النبي r : (( وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا : قِيلَ وَقَالَ .... )) .
فالقيل والقال ، الذي حذر منه النبي r ، من الأمراض الخطيرة ، الموجودة والمنتشرة في مجتمعنا ، قيل وقال ويقولون ، صارت ظاهرة في مجالسنا ، ووقودا مهما لاجتماعاتنا ، ومادة دسمة للقاءاتنا ، فقلما تجد مجلسا ، أو لقاءا ، أو اجتماعا يخلوا من هذه الظاهرة السيئة .
تأمل أخي المسلم ، ما يدار في أي مجلس تحضره ، وما هو الحديث الذي سوف تسمعه في أي مجلس تجلسه ؟ هل هناك غير قيل وقال ويقولون ؟
إذا كنت ـ أخي الفاضل ـ في شك من وجود هذه العادة السيئة ؛ أحسب كم تسمع أذنك كلمة قال ، في هذه المجالس التي سوف تكون حسرة على أصحابها يوم القيامة .
قال فلان ، وقال علان ، وقال الفلانيون ، وقال العلانيون ، هذا ما تعمر به كثير من مجالسنا اليوم ، أيها الأخوة .
وأكثر الذين يتصدرون المجالس ، ولا تحلوا الاجتماعات إلا بهم ، ويفتقدون عند غيبتهم ، هم من المبدعين المتميزين ، في نشر الاخبار عن طريق قيل وقالوا ويقولون ، والله ، لو منعت أحدهم عن إلا ينطق بكلمة من قال أو يقولون ، أو قالوا : لما استطاع أن ينطق بجملة واحدة في مجلسه .
ولذلك ـ أيها الأخوة ـ خلت مجالسنا من الفائدة ، وصارت حصيلتنا منها : ما قاله الناس وما قيل لهم ، وما قيل عنهم . لو فرغ أحدنا ما يسمعه في كل مجلس يجلسه ، من قيل وقال ، في كتاب ، لأصبح عندنا مئات ، بل آلاف المجلدات .
أيها الأخوة :
أين تلك المجالس ، التي كانت مدارس ، يتعلم منها الجاهل ، وتكسب منها الخبرات ، وتتلقى من خلالها المهارات ، صارت مجالسنا ـ إلا من رحم الله ـ ، ما نسمع فيها إلا قيل وقال وقالوا ، بل ـ أيها الأخوة ـ من اهتمامنا في هذه الظاهرة ، صرنا أو صار بعضنا ، بل أكثرنا ، يتفنن في ترويجها ، مستخدما أحدث وسائل التقنية الحديثة : الجوال وبرامجه ، والنت ومواقعه .
أيها الأخوة :
فقيل وقال ، ظاهرة موجودة في مجالسنا ، وهي آفة من أخطر آفات ألسنتنا ، تسببت في العديد من المحرمات ، فالنميمة التي تحرم صاحبها من دخول الجنة ، كما قال النبي r في الحديث الصحيح : (( لَا يَدْخُل الْجنَّة قتات )) والقتات ، يعني النمام ، سببها قيل وقال .
النميمة التي نهى الله U عنها ، ووصفها بأبشع وصف ، فقال : } وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ { سببها القيل والقال .
نشر معايب الناس ومثالبهم ، وإفشاء أسرارهم ، وإشاعة الفاحشة بينهم ، وترويج الشائعات عليهم ، سببه القيل والقال .
الكذب الذي هو أول خطوة إلى النار ، كما قال النبي r في الحديث المتفق عليه : ((إِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً )) سببه ـ أيها الأخوة ـ القيل والقال ، وكما قال النبي r في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) .
فلنتق الله ـ أيها الأخوة ـ ولنحذر هذه الظاهرة الخطيرة.
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذا الداء الخطير ، المنتشر في أكثر مجالسنا ، له عواقب وخيمة ، ونتائج أليمة ، فمع تحريمه ، يتسبب في ضياع أوقاتنا ، ووقوعنا في ما لا تحمد عقباه ، لأن هذه المجالس التي تعمر به ، سوف تكون حسرة وندامة يوم القيامة ، ففي الحديث الصحيح يقول النبي r : (( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ , عَزَّ وَجَلَّ , إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً )) ترة : يعني حسرة وندامة .
أيها الأخوة :
فحري بنا كمسلمين ، نرجو الله والدار الآخرة ، أن نحذر مثل هذا المرض الخطير ، وأن نحفظ منه ألسنتنا وأسماعنا ، وأن نعمر مجالسنا بما يرضي ربنا ، وكما قال تبارك وتعالى : } مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { .
اسأله U لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، إنه سميع مجيب ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
|