ظاهرة السهر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.{ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }. أما بعد:-
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الأخوة المؤمنون : ـ ظاهرة سيئة ، يقضي بها بعض الناس ساعات فراغهم ، ويشغلون بها فاضل أوقاتهم ، وخاصة في أيام الإجازة ـ مثل هذه الأيام ـ وهي ظاهرة جديرة بأن يُحَذَّرَ منها . إنها ـ ظاهرة السهر ، هذه الظاهرة السيئة الدخيلة على مجتمعات المسلمين ، التي لم يسلم منها إلا من رحم الله ، أَلِفَها كثير من الناس ، حتى صارت عند بعضهم ، علامة على الرقي والتقدم ، وعلى الحضارة والمدنية ، إلى درجة أنهم ينتقدون من لا يسهر ، ويصفونه بالتأخر والرجعية ، يستغربون لو قلت لأحدهم : نم بعد صلاة العشاء ـ والله يستغربون ـ بل يعتبرون ذلك شذوذا ، لأنهم لا يبدأ ليلهم إلا بعد وقت العشاء بساعات ، يستغلون الليل بهدوئه وسكونه ليسهرون ، وعلى ماذا ؟ على ماذا يسهرون ؟
أتظنون أنهم يسهرون على طاعة أو على طلب قربة لله تعالى ، كالذين قال الله عنهم: ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). أو كالذين وصف الله حالهم بقوله: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) لا والله ، إن أكثرهم يسهر على معصية الله ، يحارب الله جل جلاله في وقت نزوله ، حينما ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فيعطى ؟هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ فهم في هذا الوقت الكريم الفاضل ، في هذا الوقت النفيس ، الذي والله لا يعادل بثمن ، تجدهم يحاربون الله ويبارزونه في معاصيه ، يسهرون لمتابعة القنوات الفضائية ، لمشاهدة ما حرم الله من مسلسلات هابطة وأغان ماجنة ، ومنهم من يسهر من أجل اللعب واللهو أو القيل والقال ، وهذه المنكرات بحد ذاتها من المعاصي الكبيرة من دون سهر فإذا أضيف لها السهر فإن شرها يتفاقم ، وخطرها يتعاظم نسأل الله السلامة والعافية .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن لظاهرة السهر ، نتائج ضارة ، لا سيما إذا كانت على معصية ـ وهي كذلك عند كثير من الناس - إلا ما رحم الله - من أخطرها : تضييع صلاة الفجر :
فالذي يسهر إلى قبيل الفجر ثم ينام . أيستطيع الاستيقاظ من النوم لتأدية صلاة الفجر ؟ لذا تجده دائماً تفوته الصلاة ، وإضاعة الصلاة جريمة عظمى وكبيرة من كبائر الذنوب ، وصفة من صفات المنافقين ـ والعياذ بالله ـ كما قال U : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ).
و يقول U : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)، و معنى غي: وادٍ في جهنم ، بعيد القُـعـر ، خبيث الطعم ، من قيح ودم ، لمن ؟ لهؤلاء ، الذين أضاعوا وقت الصلاة ، بسبب اتباع الشهوات ، مباريات ، ومسلسلات ، لعب ورق ومكث في الاستراحات، وإدمان على مواقع الانترنت والمنتديات وغير ذلك من الشهوات التي يسهر كثير من الناس من أجلها .
وقد توعد الله تعالى الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها فقال: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) ،وويل ــ قيل أنه: واد في جهنم ، وقيل شدة العذاب.
فالسهر وسيلة من وسائل تأخير الصلاة عن وقتها الذي جعله الله لها ، بل هو سبب من أسباب ترك الصلاة مع الجماعة ، فالذي يسهر تجده يصلي في بيته ويتخلف عن الصلاة مع جماعة المسلمين ، والتخلف عن الصلاة من غير عذر شرعي جريمة ، فقد همَّ النبي e بأن يحرّق بيوت الذين يتخلفون عن الصلاة ، فالذين لا تراهم في صفوف المصلين في صلاة الفجر غالبا هم الذين يسهرون . فالسهر يفوت الصلاة ، ثم هذا الذي يقضي ليله في السهر إن حضر للصلاة فإنه سوف يصلي متكاسلاً مرهقاً تعباً يصارع النوم من شدة النعاس ومن ثم لا يدري ما يقول . وهذه أيضاً بحد ذاتها آفة ومصيبة ، وسببها هو السهر . اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت, واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أهل الحمدِ ومستحقِّه ؛ لا إله غيره ولا رب سواه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
أيها المسلمون :
ومن نتائج السهر: فعل ما كرهه الرسول e ، ، والسهر من الأمور التي كرهها النبي e كما في الحديث المتفق عليه عن أبي برزة t أن رسول الله e : ( كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها ) .
ومن مفاسد السهر: تفويت المصالح في النهار : والتي من أعظمها عدم أداء الصلوات في وقتها مع جماعة المسلمين وهي من عواقب السهر حيث لا يعرف المسجد لأنه في نوم عميق بعيدا عن منادي الرحمن والعياذ بالله . فالذي يسهر الليل دائماً ينام خلال النهار ، وفي هذا تفويت لعدة مصالح تكون في النهار .
ومن المفاسد:
حرمان بركة أول النهار ، فإن لأول النهار بركة أخبر بها النبي e بقوله : (( بُورك لأمتي في بكورها )) .
ومنها أيضاً: التكاسل في العمل إن كان عاملاً ، وفي الوظيفة إن كان موظفا ، بل حتى في ما يحتاجه الأهل في البيت . فالذي يقضي ليله في السهر ، لن يكون فعالا في عمله ولا في وظيفته ولا في أسرته ، بل يكون فاشلا ، عالة على غيره .
ومن مفاسد السهر أيضا :
مخالفة الفطرة التي جعلها الله عز وجل للإنسان في هذه الحياة . فقد قال سبحانه : ( وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشا ً) وصاحب السهر معكوس الفطرة حيث جعل الليل للسهر والنهار للنوم . فلنحذر هذه الظاهرة الخطيرة ، ظاهرة السهر ، وإن كان لابد فلنجعله في موازين أعمالنا الصالحة كقيام الليل وطلب العلم وتلاوة القرآن الكريم .
اسأل الله U أن يعينني وإياكم على حفظ أوقاتنا ، واستغلال فراغنا بما يفيدنا وينفعنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا من كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|