نَصِيحَةٌ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَة وَتَهْنِئَة
خطبة جمعة بتاريخ / 30-4-1433 هـ
الحمد لله الذي خَلَقَ كلَّ شيءِ فقدَّره تقديرا، وأتقن ما شرعه وصنعه حكمةً وتدبيرا، وبعث نبيه ومُصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فبلَّغ البلاغ المبين ودعا إلى الحق ونهى عن الباطل نصحاً وتحذيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يزل ولا يزال سبحانه حكيماً سميعاً بصيرا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين سلاماً وصلاةً دائماً وكثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنَّ ربه يسمعه ويراه .
وتقوى الله جل وعلا هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله ، والعاقبة لأهل التقوى دائماً وأبدا ، وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون عباد الله : يتأكد في هذا الوقت وفي هذا الزمن على وجه الخصوص ؛ زمن الفتن المتكاثرات ، والملهيات المتنوِّعات ، والصوارف المتعدِّدات التي شغلت كثيراً من الناس عن الغاية التي خُلقوا لأجلها وأوجدوا لتحقيقها ؛ يتأكد في مثل هذا الزمن الوصية بتقوى الله جل وعلا وطاعته سبحانه ولزوم شرعه الحكيم نصحاً للعباد ومعذرة إلى الله تبارك وتعالى ، ويتأكد هذا الأمر في شأن المرأة على وجه الخصوص لاسيما والتركيز في هذا الزمن عليها ؛ مؤامراتٌ تحاك وخططٌ تدبر ، ومآل ذلك إطاحة بحشمة المرأة وعفتها ، وسترها وحيائها ، وكرامتها وفضيلتها ، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:27] .
أيها المؤمنون عباد الله : ويتأكد على المرأة خاصة والأمر يعنيها بالدرجة الأولى أن تتقي الله جل وعلا ربها ، وأن تعرف حقه عليها وما أمَرَها سبحانه به وما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه من توجيهات عظيمات وإرشادات مسدَّدات فيها عفة المرأة وعزُّها وفضيلتها وسعادتها في الدنيا والآخرة .
والمرأة الحصيفة العاقلة الناصحةُ لنفسها لا تلتفت لما يقوله الهمَل من الناس من يريدون إضاعة شرفها وعزتها ، وإنما تصوِّب نظرها لما جاءها عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا المقام أورِد ثلاثة أحاديث عظيمة صحَّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو المرأة على وجه الخصوص أن تعظم عنايتها بتأمل هذه الأحاديث تأملاً دقيقا ، وأن تقف على ما اشتملت عليه من مضامين عظام تحتاج المرأة حاجة ماسة في مثل هذا الزمن - زمن الفتن - أن تقف مع هذه الأحاديث .
§ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ : وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» )) .
§ وروى البيهقي في كتابه السنن عن أبي أُذَيْنَة الصَّدَفِيّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ ؛ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ )) .
§ وروى النسائي في السنن الكبرى عن عمارة بن خُزيمة بن ثابت قال : ((كُنَّا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ ، فَلَمَّا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجِهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ دَخَلَ الشِّعْبَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِغِرْبَانٍ كَثِيرٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا كَقَدْرِ هَذَا الْغُرَابِ مَعَ هَذِهِ الْغِرْبَانِ» )) . ورواه الحاكم في مستدركه وقال : ((وَاضِعَةٌ يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا فِيهَا خَوَاتِيمُ )) . ورواه أبو يعلى في مسنده وقال : ((فِإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ عَلَيْهَا جَبَائِرَ - أي أساور في معصمها من ذهب أو فضة - لَهَا وَخَوَاتِيمَ وَقَدْ بَسَطَتْ يَدَهَا إِلَى الْهَوْدَجِ)) .
عمرو بن العاص رضي الله عنه رأى هذه المرأة في ذلك المكان ورآها مخرِجةً يدها مبديةً محاسنها من ذهبٍ وحليٍّ في يدها واضعةً يدها على هودجها فتذكَّر بهذا المقام قول النبي عليه الصلاة والسلام في شأن النساء ، فكيف به لو رأى كثيرا من النساء في حالة سفورٍ وتبرج ، وتجمُّلٍ وتزيُّن ، وتعطُّرٍ وإظهار للمحاسن في صورٍ مزرية !! أفلا يتقين الله ؟! أوَلا يخشين الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى ؟! .
أيتها المرأة : تأملي في هذه الأحاديث الثلاثة تأملاً عظيما ؛ ذكَر النبي عليه الصلاة والسلام النار وأخبر أن أكثر أهلها النساء ، وذكر الجنة وذكر ندرة من يدخلها من النساء وقلة من يدخلها من النساء ، وليس ذلكم تقنيطاً من رحمة الله ولا تيئيساً من روح الله ، وإنما قال ذلكم عليه الصلاة والسلام نصحاً للنساء وتحذيراً لهن مما يوجِب سخط الله جل وعلا وعقوبته ومما يوصل بالمرأة إلى دخول النار وإلى تلك العقوبات المذكورة في تلك الأحاديث.
أليس من الجدير بالمرأة أن تقف وقفةً صادقة متأملةً في هذه الأحاديث ناظرةً في السبب متجنبةً كل ما يُسخط الله جل وعلا !! وقد نصَّ عليه الصلاة والسلام على السبب الأعظم والبلية الكبرى التي أوجبت لكثيرٍ من النساء تلك العقوبة ألا وهي : التبرج والسفور والخيلاء وممارسة تلك الأعمال والعمل على فتن الرجال حتى قال : « مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» .
فالمرأة العاقلة تربأ بنفسها أن تكون بهذه الصفة وأن تكون بهذه الحال ثم تبوء يوم القيامة بتلك العاقبة الوخيمة والنهاية الأليمة .
ماذا ترجو المرأة سواءً في دنياها أو في أخراها عندما تتبرج ، وعندما تبدي زينتها ، وعندما تخالط الرجال ، وعندما تعمل قصداً على فتْنهم ولفت أنظارهم إليها ؟! أي خيرٍ ترجوه بمثل هذه الأعمال وأي فضيلة تؤمِّلها ؟! إنه والله الخسران العظيم والشر الكبير والبلاء المستطير .
أما المرأة العاقلة فإنها بعيدة كل البعد عن هذه الأعمال ، خائفة من الله رب العالمين ذي الجلال الكمال ، حريصة على طاعة الله ونيل رضاه . ولتتأمل المرأة في هذا المقام ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ؛ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)) ؛ فهنيئاً للمرأة المسلمة المحافظة على آداب الشريعة وأخلاق الإسلام ، هنيئاً لها بهذا الموعود الكريم والفضل العظيم حيث يقال لها يوم القيامة : « ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ » .
اللهم إنا نتوجَّهُ إليك يا ربنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منَّان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام أن تحفظ نساءنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن ترزقهن الحشمة والستر والعفاف ، وأن تجنِّبهن الشرور كلها يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم واحفظ علينا أجمعين ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحةً لنا من كل شر .
أقولُ هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنب فاستغفروهُ يغفِر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أَما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا اللَّـه تعالى فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
أيها المؤمنون عباد الله : المرأة ضعيفة والتأثير فيها سريع جدا ؛ تسمع عباراتٍ مغرية وكلماتٍ مزينة وألفاظا فاتنة وأقوالا يُدَّعى أنها من باب النصيحة لها فتُفتن بذلك كله . لكن على المرأة أن تكون يقِظةً فطِنة ، يكون بين ناظريها مخافة ربها وتذكُّر الوقوف بين يدي الله عز وجل وأنَّ الله عز وجل سائلها عمَّا جاء في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعليها في هذا المقام أن تكثِر من الدعاء وأن تلحَّ على الله جل وعلا أن يحفظها من الفتن وأن يستر عورتها وأن يؤمِّن روعتها وأن يحفظها بما يحفظ به عباده الصالحين ، فالدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة . ومع الدعاء تبذل الأسباب النافعات بالسلامة والنجاة والخلاص والفكاك من تلك الأمور المهلكات . والكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
وصلُّوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين , وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين .
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم يا ربنا في أرض الشام وفي كل مكان ، اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيدا ، اللهم احفظ إخواننا في أرض الشام وفي كل مكان بما تحفظ به عبادك الصالحين ، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، اللهم احقن دمائهم ، اللهم احقن دمائهم ، اللهم احقن دمائهم ، اللهم واحفظهم يا ربنا في أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأعراضهم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا .
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
|