يحمدوا بما
لم يفعلوا
الحمد لله الذي لا يذل من والى ، ولا يعز من
عادى ، بيده الخير ، } لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {
.
أحمده
حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه } الْمَلِكُ
الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { .
وأشهد
أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه
وخليله ، بعثه رحمة للعالمين : } هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ
عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم
الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى
الله U ، وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُواْ اللَّهَ {
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون
:
يقول
تبارك وتعالى : } لاَ تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ
يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ {
.
تأملوا
ـ أيها الأخوة ـ قوله U } وَّيُحِبُّونَ أَن
يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ { أي تميل قلوبهم إلى أن يثنى عليهم بشيء لم
يفعلوه ، يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره } وَّيُحِبُّونَ
أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ { أي : بالخير الذي لم يفعلوه ، والحق الذي لم
يقولوه ، فجمعوا بين فعل الشر وقوله ، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير
الذي ما فعلوه .
أيها الأخوة :
فقضية
أن تحب أن يثني عليك غيرك ، بشيء لم تفعله ، قضية خطيرة ، ولذلك قال U
، في ختام الآية : } فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ
بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { أي لا تظن أنهم
بمحل نجاة منه وسلامة بل قد استحقوه
} وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ {
.
أيها الأخوة :
روى
البخاري عن أبي سعيد الخدري t : أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول e
إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله e ، فإذا قدم رسول الله e
من الغزو اعتذروا وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية .
إذا
ـ أيها الأخوة ـ حب المدح والثناء ، من غير فعل ، هو صفة من أبرز صفات المنافقين ،
بل ودليل على خفة العقل والسفه !
إن
كان ـ أيها الأخوة ـ الدين يذم من يعمل العمل ، كي يمدحه ويثني عليه الناس ، فكيف
بمن يحب مدح الناس وثناءهم ، وهو لم يعمل العمل أصلا ؟ أليس هذا سفه وخفة في العقل
؟ بلى ـ أيها الأخوة .
لذا
حذر الشارع الحكيم من هذه العادة السيئة ، ويكفي أنه ذكر أنها من عمل وعادات
المنافقين .
أيها الأخوة :
فالمنافقون
، من عاداتهم محبة المدح والثناء على أعمال لم يعملوها ، وأشياء لم يكلفوا أنفسهم
القيام بها ، ولذلك فضحهم الله U بقوله : } وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ { دعونا من إدعائكم وأكاذيبكم ، فلا بد أن يتبين عملكم ويتضح ـ كما
قال ابن سعدي في تفسيره ـ .
أيها الأخوة :
فحري
بالمسلم أن يربا بنفسه عن سمات المنافقين وعن صفاتهم وأخلاقهم وعاداتهم ، وأن يكون
في عمله مخلصا لله U ، فمن ضعف اليقين ـ كما في الحديث المرفوع عن أبي سعيد t
ـ : (( أن ترضى الناس بسخط الله ، وأن تحمدهم على رزق
الله ، وأن تذمهم على مالم يؤتك الله ، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ، ولا يرده
كراهية كاره )) .
وفي
الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله e
قال : (( من التمس رضى الله بسخط الناس ، رضي
الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله ، سخط الله عليه وأسخط
عليه الناس )) فلنتق الله ـ احبتي في الله جعلني الله وإياكم من عباده
المتقين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على
توفيقه وامتنانه ، واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، واشهد أن
محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن
هذه القضية الخطيرة ، والعادة السيئة ، والصفة المشينة ، هي من أخطر وأضر العادات
في مجتمع المسلمين ، وما أسوأها ـ أيها الأخوة ـ عندما يتصف بها من يوكل إليه أمرا
من أمور المسلمين أو مصلحة من مصالحهم ، وأعني بذلك ـ أيها الأخوة ـ بعض القائمين
على بعض الجهات والمؤسسات التي تنفق عليها الدولة الأموال الطائلة ، وترصد لها
الميزانيات الضخمة ، لتقدم خدماتها للمواطن ، وتوفر له المعيشة الهانئة ، وتجعله
في طمأنينة وراحة خلال ما يمضيه من عمر قليل في هذه الحياة ، ولكن وللأسف ، فقد
يكون من عنيت ، يصدق عليه قول الله تعالى في الآية ، } أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ
يَفْعَلُواْ {
فتجده أمام المسؤلين عنه ، القوي الأمين ، ولكنه في الواقع ماهو
إلا عبد من عباد شهوة المناصب والمراتب . وجزى الله ولي أمرنا خيرا ، فما هيئة
مكافحة الفساد إلا حسنة من حسناته .
فحري
بنا ـ أيها الأخوة ـ أن نراجع أنفسنا ، ونتدارك تقصيرنا ، لاسيما في تعاملنا مع
خالقنا سبحانه .
اسأل
الله أن يهدي ضال المسلمين إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك صلاح أحوالنا وأعمالنا
، وصدق أقوالنا وأفعالنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم
إنا نسألك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء
واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم
فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، اللهم أنج عبادك المستضعفين
، وانصر المظلومين ، اللهم أنجهم في سوريا ، اللهم قيض لهم من يحكمهم بكتابك وسنة
نبيك محمد e .
اللهم
عليك بمن ظلمهم واستضعفهم وقتلهم ، اللهم عليك به وبجنده وزمرته ، اللهم أحصهم
عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا . اللهم لا ترفع له رأيه ، ولا تحقق له
غاية ، واجعله لأمثاله عبرة وآية . اللهم عليك به وبمن ساعده وسانده ، وعليك به
وبمن أمده وأيده ، ياقوي يا عزيز .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ،
وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم
أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا ،
عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر
والباد ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، إنك على كل شيء قدير
وبالإجابة جدير .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر
نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |