الدجل الحديث
الحمد لله العزيز القدير } شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ،
وبعظيم سلطانه } لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {
وأشهد أن لا إله إلا الله ،
وحده لا شريك له } يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ {
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،
وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أخلص نذير ، وأصدق بشير ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U
هي وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {
، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا {
جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الدجل ظاهرة خطيرة ، ووسيلة قديمة من وسائل
الكذابين ، حذر منها الدين ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، يقول النبي e
: (( يكون في آخر الزمان دجالون
كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ؛ فإياكم وإياهم ، لا
يضلونكم ولا يفتنونكم )) وقد بين النبي e
خطر هؤلاء الكذابين ، بأن منهم من
يدعي أنه ينزل عليه الوحي من السماء ، ويزعم أنه نبي من أنبياء الله ، كما
في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ، عن النبي e
قال : (( لا تقوم الساعة حتى يبعث
دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
الدجل كما في لسان العرب ، التمويه والكذب ،
ولذلك سمي به المسيح الدجال ، وهو ظاهرة خطيرة ، يستعملها الكذابون ، للوصول إلى
مآربهم ، وتحقيق مقاصدهم ، وقد بليت الأمة الإسلامية بهؤلاء بلاء عظيما ، وكثر
ضحايا الدجل في مجتمعات المسلمين ، وقد ساعد على ذلك وسائل الاتصال السريع ،
والتقنية الحديثة ، والجهل الخطير في أوساط المسلمين ، وبعدهم عن تعاليم دينهم ،
واتباع بعضهم للسبل المخالفة لسبيل الله المستقيم .
أيها الأخوة :
لقد تفنن الدجالون في طرقهم ، ونوعوا وسائلهم
، فأكلوا أموال الناس بالباطل ، وأفسدوا عقائدهم ، وخربوا علاقاتهم ، ونشروا قطيعة
الرحم بينهم ، فمنهم من يأتي من باب حب كثرة المال والثراء ، ومنهم من يأتي من باب
شفاء الأمراض والأدواء ، بل ومنهم من يأتي من باب كشف الضراء وجلب السراء !
يتصل بعضهم ، عبر الهاتف النقال ، مدعيا بأنه
الشيخ فلان ، وقد رأى في خلوته أن المتصل به ، قد وضع له سحر ، أو أن أحدا من
الناس يخطط لإلحاق الضرر به ، وأنه يستطيع مساعدته ، وقد راح ضحية ذلك كثير من
الرجال ، أما النساء فحدث ولا حرج ، وهذا كله من الدجل الذي لا ينطلي إلا على ضعاف
الإيمان ، بل ضعاف العقول ، الذين ينساقون خلف كل ناعق .
أيها الأخوة :
قرأت في إحدى الإخباريات الإلكترونية ، شكوى
أهل قرية في هذه المنطقة ، بأن مجموعة من الناس ، في ساعة متأخرة من الليل ، حفروا
قبرا في إحدى مقابرهم القديمة ، فتذكرت قصة جرت لي شخصيا ، مع أحد الزملاء ، حيث
استشارني ، بأن شخصا ما ، من بلاد بعيده ، قد اتصل به ، وأخبره بأن هناك كنز في
مكان ما ، وطلب منه أن يذهب ليحفره ، وكان الكنز في جبل ، ولكم أن تتخيلوا ، ماذا
سيفعل المسكين ، وكم سيواجه من المتاعب ، وكم يكلفه ذلك ، لو صدق هذا الأمر وذهب
للبحث عن الكنز المزعوم !
أيها الأخوة :
إن هؤلاء الدجالين ، تتضح حقيقتهم ، ويتبين
كذبهم ، لمن عنده علم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ومن خصائصه
سبحانه ، فتصديق هؤلاء بأنهم يعلمون الغيب كفر والعياذ بالله ، والغيب هو كل ما
غاب عن العقول والأنظار من الأمور الحاضرة والماضية والمستقبلة ، وقد استأثر الله U
بعلمه واختص نفسه سبحانه بذلك .
قال الله تعالى : } قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {
، وقال تعالى : } لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ {
، وقال تعالى : } عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ { فلا يعلم الغيب أحد
إلا الله ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عمن هو دونهما .
فحري بنا ـ أيها الأخوة ـ أن نحذر هؤلاء ،
وأن نحذر منهم ، فماهم إلا دجالون ، نصابون ، محتالون ، ولنحذر منهم نسائنا خاصة ،
ولا ندع لهم مجالا ، لنشر خزعبلاتهم ، وألاعيبهم .
اسأل الله U أن يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يقينا شرورهم ، وأن يحفظ منهم
البلاد والعباد ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب
فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على
إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له
تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة
المؤمنون :
ومن الدجالين ، الذين يشكلون خطرا على
المجتمع ، بعض الرقاة والمشعوذين ، الذين بلي بهم كثير من الناس ، وخاصة النساء ،
فهذه سحرتها خادمتها ، وتلك أصابتها بالعين جارتها ، وثالثة حسدنها أخوات زوجها ،
بل بعضهم يحدد بالوصف المحتمل ، كأحدهم قال لإحداهن ، أنت مصابة بسحر ، من امرأة
في خدها شامة سوداء ، وهذا كله من ضرب الدجل أو من باب الكهانة والشعوذة .
أيها الأخوة :
إننا ـ والله ـ بحاجة لوقفة صادقة جادة حازمة
، لقطع الطريق بين هؤلاء ومآربهم ، بمنعهم ومنع وسائلهم التي يصلون من خلالها إلى
بيوتنا ، وضعاف العقول منا ، ونشر الوعي السليم بخطر هؤلاء على عقيدتنا وأخلاقنا ،
اسأل الله U أن لا يحقق لهم غاية ،
إنه سميع مجيب .
اللهم من أرادنا بسوء اللهم
اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا قوي يا عزيز .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى
والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء
يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ،
ونعوذ بك من سخطك والنار برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم وفق ولاة أمرنا إلى
ماتحبه وترضاه ، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة ، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه
، واصرف عنهم بطانة السوء يارب العالمين.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني عنا
ونحن الفقراء إليك ، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ،
اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار
، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، اللهم أغثنا ، اللهم
أغثنا ، اللهم أغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
}
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا
الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر و الله
يعلم ما تصنعون .
|