حادِثَةُ الزُّلْفِي
}الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ { ، }
لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ
سُلْطَانِهِ ، لَهُ }الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ
آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،
وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَمَرَ بِطَاعَتِهِ ،
وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ ، }
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ { ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
أُوصِيكُمْ
وَنَفْسِي ، بِوَصِيَّةِ اللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَى
اللهِ U : }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ : }
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِين .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الْمَاضِي، نَقَلَتْ
لَنَا وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ مَا حَدَثَ فِي مُحَافَظَةِ الزُّلْفِي، حَيْثُ
قَامَ مَجْمُوعَةٌ مِمَّنِ انْحَرَفَتْ أَفْكَارُهُمْ ، وَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ،
وَسَلَّمُوا أَنْفُسَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَتَأَثَّرُوا بِمَنْهَجِ كِلَابِ
النَّارِ الْخَوَارِجِ ، بِاسْتِهْدَافِ مَرْكَزٍ مِنْ مَرَاكِزِ أَمْنِنَا فِي
هَذِهِ الْبِلَادِ ، بِهَدَفِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، وَقَتْلِ الْأَبْرِيَاءِ ،
وَنَشْرِ الْفَوْضَى ، وَهَذِهِ الْحَادِثَةُ لَيْسَتِ الْأُولَى، فَفِي
إِحْصَائِيَّةٍ؛ بَلَغَ عَدَدُ الْعَمَلِيَّاتِ الْإِرْهَابِيَّةِ الَّتِي
اسْتَهْدَفَتْ بِلَادَنا -بِلَادَ الْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ- أَكْثَرَ مِنْ
ثَمَانِمِائَةِ عَمَلِيَّةٍ إِرْهَابِيَّةٍ . بِفَضْلِ اللهِ U
ثُمَّ بِفَضْلِ رِجَالِ أَمْنِنَا ، تَمَّ إِحْبَاطُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ
عَمَلِيَّةٍ مِنْهَا. وَفِي الْإِحْصَائِيَّةِ نَفْسِهَا ، بَلَغَ عَدَدُ
ضَحَايَا هَذِهِ الْعَمَلِيَّاتِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ . وَاسْتُشْهِدَ
بِسَبَبِهَا: أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ رِجَالِ الْأَمْنِ،
وَهَلَكَ نَتِيجَتَهَا: حَوَالَيْ سَبْعِمِائَةِ خَارِجِيٍّ ضَالٍّ منُحْرَفٍ
إِرْهَابِيٍّ .
هَذَا
كُلُّهُ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- نَتِيجَةُ وُجُودِ فِكْرِ الْخَوَارِجِ،
الْفِكْرِ الضَّالِّ الدَّخِيلِ عَلَى بِلَادِ الْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ،
وَالْجَدِيدِ عَلَى أَهْلِ الْوَحْدَةِ وَالْبِنَاءِ الْمُتَمَاسِكِ الشَّدِيدِ ، وَوُجُودُ
الْخَوَارِجِ ، فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ يُشَكِّلُ خَطَرًا عَظِيمًا،
وَفَسَادًا كَبِيرًا ، وَضَرَرًا خَطِيرًا ، فَهُمْ كَالسَّرَطَانِ فِي الْجَسَدِ ، إِنْ لَمْ يُسْتَأْصَلْ
وَيُتَخَلَّصْ مِنْهُ، انْتَشَرَ ضَرَرُهُ ، وَامْتَدَّ خَطَرُهُ إِلَى الْجَسَدِ
كُلِّهِ، وَوَاللهِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- إِنَّ وُجُودَ السَّرَطَانِ فِي
الْجَسَدِ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ وَأَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ وُجُودِ الْخَوَارِجِ فِي
الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ سَرَطَانَ الْجَسَدِ قَدْ يَنْتَهِي
بِاسْتِئْصَالِهِ، وَيَسْلَمُ الْجَسَدُ مِنْ خَطَرِهِ وَضَرَرِهِ، وَلَكِنَّ
الْخَوَارِجَ لا انْتِهَاءَ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ e
عَنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: (( لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ
آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )) ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ
الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ e : (( كُلَّمَا
خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي
أَعْرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ )) فَالنَّبِيُّ e أَخْبَرَ بِوُجُودِهِمْ حَتَّى خُرُوجِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ،
الَّذِي خُرُوجُهُ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَكِنَّهُ e
بَشَّرَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَمَا يَتَصَوَّرُونَ أَنَّ الْأُمُورَ تَؤُولُ
إِلَيْهِمْ، بِانْتِشَارِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمُ الْإِجْرَامِيَّةِ
فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَكُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، وَهَذِهِ
بُشْرَى لِأَهْلِ سُنَّتِهِ e .
فَوُجُودُ
الْخَوَارِجِ ، كَوُجُودِ السَّرَطَانِ فِي الْجَسَدِ ، إِنْ لَمْ يُبَاشَرْ
بِاسْتِئْصَالِهِ، وَيُبَادَرْ بِكِفَاحِهِ، قَضَى عَلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ ،
كَيْفَ لَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- وَهُمْ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْتَبِيحُونَ
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَيَخْرُجُونَ بِالسِّلَاحِ عَلَى وُلَاةِ
أَمْرِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمِنَ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْغَيْرَةِ عَلَى
الْمَحَارِمِ ، وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمُ
النَّبِيُّ e بِأَنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
، يَقُولُ عَنْهُمُ النَّبِيُّ e: (( يَقْرَءُونَ
الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا
يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ, هُمْ شَرُّ
الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ )) ، الْخَلْقُ : النَّاسُ، وَالْخَلِيقَةُ :
الْبَهَائِمُ . أَيْ : هُمْ شَرُّ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
وَمِمَّا
يَدُلُّ عَلَى خَطَرِ الْخَوَارِجِ : حَثُّ النَّبِيِّ e عَلَى قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ ، بَلْ جَعْلُهُ e طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
: (( شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ
السَّمَاءِ ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ )) ، وَيَقُولُ e فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ))
أَيْ : أَسْتَأْصِلُهُمْ وَلَا أُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَفِي ذَلِكَ حَثٌّ
عَلَى قِتَالِهِمْ كَفًّا لِشَرِّهِمْ ،
وَيَقُولُ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ آخَرَ : (( يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ
الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ
الْبَرِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا
لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فَوَلِيُّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا
يُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ وَيَقْطَعُ قَرْنَهُمْ وَيَمْنَعُ انْتِشَارَ فِكْرِهِمْ،
لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ، بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ e ، بَلْ حَتَّى الْجَيْشِ الَّذِي يُقَاتِلُهُمْ لَهُ مِنَ
الْأَجْرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ U، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، يَقُولُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَتْ
قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى
صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ
الْقُرْآنَ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ
الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ
الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قَضَى اللَّهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ
نَبِيِّهِمْ e لَاتَّكَلُوا عَنِ
الْعَمَلِ )) أَيِ : اكْتَفَوْا بِعَمَلِهِمْ ذَلِكَ
لِدُخُولِ الْجَنَّةِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
لَقَدْ
أَدْرَكَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ خَطَرَ الْخَوَارِجِ
وَأَجْرَ قَتْلِهِمْ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t
عَدَدًا كَبِيرًا فِي النَّهْرَوَانِ ، وَسَجَدَ t وَمَنْ مَعَهُ سَجَدَةً طَوِيلَةً شُكْرًا للهِ U أَنْ وَفَّقَهُمْ لِهَذَا الْخَيْرِ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ
. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ قِتَالَ الْخَوَارِج حَقٌّ وَاجِبٌ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَلِذَلِكَ أَرَادَ t أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدَهُمْ حِينَ أَتَى الْمَدِينَةَ يُغِيرُ عَلَى
ذَرَارِيِّهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ لَا يُبَايِعُونَكَ عَلَى هَذَا ، فَتَرَكَهُ
. وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ : مَا آسَى مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى
ثَلَاثٍ : ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَأَلَّا أَكُونَ قَاتَلْتُ
هَذِهِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الَّتِي حَلَّتْ بِنَا. وَيَقُولُ الْأَزْرَقُ بْنُ
قَيْسٍ : كُنَّا بِالْأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ وَفِينَا أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ
t. وَكَذَلِكَ قَاتَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ
بْنُ شُعْبَةَ .
فَسَلَفُنَا
الصَّالِحُ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ أَدْرَكُوا خَطَرَ الْخَوَارِجِ ،
فَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُمْ ، يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيْخُ
ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمْ عُصَاةٌ مُبْتَدِعَةٌ
ضَالُّونَ ، وَلَكِنْ لَا يُكَفِّرُونَهُمْ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِهَذَا
، قَوْلُهُ : (( يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ
ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ )) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ ، (( وَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ
قَتْلَ عَادٍ )) عَادٌ كُفَّارٌ ، وَالصَّحِيحُ وَالظَّاهِرُ مِنَ الْأَدِلَّةِ
أَنَّهُمْ بِهَذَا التَّنَطُّعِ وَبِتَكْفِيرِهِمُ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَخْلِيدِهِمْ
فِي النَّارِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوُنَ الْعَاصِيَ كَافِرًا
وَمُخَلَّدًا فِي النَّارِ ، فَهَذَا ضَلَالٌ بَعِيدٌ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ ، وَخُرُوجٌ
عَنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ . فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ-
وَلْنَحْذَرْ هَذِهِ الْفِئَةَ الضَّالَّةَ الْمُجْرِمَةَ .
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَنَا شُرُورَهُمْ
، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ،
وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى
اللهُ عَلِيهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّهُ
لَمِنْ فَضْلِ اللهِ U عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ ، بَلْ وَعَلَى كَافَّةِ
الْمُسْلِمِينَ فِي بُلْدَانِهِمْ : تَوْفِيقُهُ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا فِي هَذِهِ
الْبِلَادِ إِلَى مُقَاتَلَةِ الْخَوَارِجِ ، وَإِقَامَةِ شَرْعِ اللهِ U
فِيهِمْ ، مِنْ نُصْحٍ وَوَعْظٍ وَسَجْنٍ وَقَتْلٍ وَتَعْزِيرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ،
وَهَذَا مَا يَأْمُلُهُ كُلُّ عَاقِلٍ يُهِمُّهُ الْعَدْلُ ، وَاسْتِقْرَارُ
الْأَمْنِ ، وَانْتِشَارُ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَكَمَا قَالَ U
: } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{
، وَكَمَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ t
: إِنَّ اللَّهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ
مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ ـ أَيْ : لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ
الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ مَا لَا يَمْتَنِعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ
.
فَفِي
قَتْلِ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَنَا ، وَيَسْتَحِلُّونَ
دِمَاءنَا ، وَيُفَجِّرُونَ فِي مَسَاجِدِنَا ، وَيَقْنِصُونَ رِجَالَ أَمْنِنَا؛
فَفِي قَتْلِهِمْ
وَإِقَامَةِ
شَرْعِ اللهِ فَيْهِمْ خَيْرٌ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي
الْأَثَرِ : لَإِقَامَةُ حَدٍّ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُمْطَرَوا
أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَهُنَاكَ
فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْخَوَارِجِ ، يُقَالُ لَهُمُ الْقَعْدِيَّةُ ،
يُشَكِّلُونَ خَطَرًا وَضَرَرًا فِي الْمُجْتَمَعِ ، يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُمْ
وَالتَّبْلِيغُ عَنْهُمْ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُحَرِّضُونَ عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى
الْحُكَّامِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا ، يَقُولُ عَنْهُمُ الشَّيْخُ صَالِحٌ
الْفَوْزَانُ -حَفِظَهُ اللهُ-: الْقَعْدِيَّةُ غَالِبًا أَخْطَرُ مِنَ
الْخَوَارِجِ أَنْفُسِهِمْ، إِذْ إِنَّ الْكَلَامَ وَشَحْنَ الْقُلُوبِ
وَإِثَارَةَ الْعَامَّةِ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ لَهُ أَبْلَغُ الْأَثَرِ فِي
النُّفُوسِ ، وَخَاصَّةً إِذَا خَرَجَ مِنْ رَجُلٍ بَلِيغٍ مُتَكَلِّمٍ يَخْدَعُ
النَّاسَ بِلِسَانِهِ وَتَلَبُّسِهِ بِالسُّنَّةِ اهـ .
فَلْنَتَّقِ
اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَلْنَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ وُلَاةِ أَمْرِنَا
لِلْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِنَا ، وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ عَلَى أَعْرَاضِنَا
وَدِمَائِنَا وَشَبَابِنَا مِنَ الْخَوَارِجِ وَأَذْنَابِهِمُ الْقَعْدِيَّةِ ،
فَلَا نَسْمَحُ لَهُمْ أَنْ يُضَلِّلُوا أَفْكَارَ شَبَابِنَا فِي مَجَالِسِنَا
وَلَا فِي مَدَارِسِنَا ، بَلْ وَلَا فِي مَسَاجِدِنَا ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ
e فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ
جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ .
أَسْأَلُ
اللهَ U أَنْ يَحْمِيَ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ
لَنَا أَمْنَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا وَعُلَمَاءَنَا وَدُعَاتَنَا ، اللَّهُمَّ
مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا أَوْ أَرَادَ شَبَابَنَا بِسُوءٍ ،
اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ
تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .
اللَّهُمَّ
أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا
دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي
فِيهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ،
وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ )) . }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
}
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/play.php?catsmktba=1678 |