لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ فِيْ خُطُوَاْتِ اَلْلَّعِيْن
اَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِيْ خَضَعَتْ لِعِزَّتِهِ اَلْرِّقَاْبُ، وَذَلَّتْ لِرُبُوْبِيَّتِهِ اَلْأَرْبَاْبُ، أَنْزَلَ اَلْكِتَاْبَ، وَهَزَمَ اَلْأَحْزَاْبَ، يَعْلَمُ مَاْ فِيْ اَلْبَرِّ وَاَلْبَحْرِ وَمَاْ تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّاْ يَعْلَمُهَاْ وَلَاْ حَبَّةٍ فِيْ ظُلُمَاْتِ اَلْأَرْضِ وَلَاْ رَطْبٍ وَلَاْ يَاْبِسٍ إِلَّاْ فِيْ كِتَاْبٍ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ { .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْحِسَاْبِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U ، وَصِيَتُهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، يَقُوْلُ U مِنْ قَاْئِلٍ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {. فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
اَلْاِبْتِدَاْعُ فِيْ اَلْدِّيْنِ، ذَنْبٌ عَظِيْمٌ، وَمَعْصِيَةٌ خَطِيْرَةٌ، مَاْ عُصِيَ اَللهُ U ، بِمَعْصِيَةٍ بَعْدَ اَلْشِّرْكِ؛ أَعْظَمُ وَأَخْطَرُ مِنَ اَلْبِدْعَةِ فِيْ دِيْنِهِ . وَأَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِأَمْرٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَمْ يَنُصْ عَلَيْهِ نَصٌ فِيْ كِتَاْبِهِ ، وَلَاْ فِيْ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ e .
وَتِلْكَ هِيَ اَلْبِدْعَةُ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- اَلَّتِيْ هِيَ مَقْصَدٌ مِنْ مَقَاْصِدِ اَلْشَّيْطَاْنِ، وَخَطْوَةٌ مِنْ خُطُوَاْتِهِ، وَاَلَّتِيْ يَسْعَىْ مِنْ خِلَاْلِهَاْ إِلَىْ اَلْوُصُوْلِ بِاَلْمُسْلِمِ إِلَىْ اَلْشِّرْكِ، اِلَّذِيْ حَرَّمَ اَللهُ U اَلْجَنَّةَ عَلَىْ مَنْ وَقَعَ بِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَمَأْوَاهُ النَّارُ ، وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ { .
اَلْشَّيْطَاْنُ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- يَتَدَرَّجُ بِاَلْمُسْلِمِ ، يُزِيِّنُ لَهُ اَلْتَّوَسُّعَ بِاَلْمُبَاْحَاْتِ، ثُمَّ اَلْتَّسَاْهُلَ فِيْ اَلْمُتَشَاْبِهَاْتِ، ثُمَّ عَمَلَ مُحَقِّرَاْتِ اَلْذُّنُوْبِ، ثُمَّ اَلْكَبَاْئِرَ ، ثُمَّ اَلْبِدَعَ ، ثُمَّ اَلْشِّرْكَ -وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ- وَهَذِهِ خُطُوَاْتُ اَلْشَّيْطَاْنِ اَلَّتِيْ حَذَّرَنَاْ اَللهُ U مِنْهَاْ بِقَوْلِهِ: } وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ {، يَتَنَقَّلُ اَلْخَبِيْثُ بِمَنْ سَلَّمَ قِيَاْدَهُ لَهُ خَطْوَةً خَطْوَةً، حَتَّىْ يَصِلَ بِهِ إِلَىْ أَنْ يُشْرِكَ بِاَللهِ U، فَاَلْشِّرْكُ -لِلْشَّيْطَاْنِ- هُوَ اَلْخَطْوَةُ اَلْأَخِيْرَةُ ، وَاَلَّتِيْ قَبْلَهَاْ بِخَطْوَةٍ؛ هِيَ اَلْبِدْعَةُ، أَنْ يَجْعَلَ -لَعَنَهُ اَللهُ- اَلْمُسْلِمَ يَتَعَبَّدُ وَيَتَقَرَّبُ إِلَىْ اَللهِ ، بِعِبَاْدَةٍ لَمْ يَشْرَعْهَاْ لَهُ ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُ بِهَاْ ، وَلَمْ يَفْرِضْهَاْ عَلَيْهِ .
وَلَكَ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ؛ أَنْ تَتَصَوَّرَ حَاْلَ ذَلِكَ اَلْمِسْكِيْن، اَلَّذِيْ يَعْمَلُ أَعْمَاْلَاً ، يَرْجُوْ ثَوَاْبَهَاْ عِنْدَ اَللهِ U ، فَتَكُوْنُ وَبَاْلَاً عَلَيْهِ ، وَشَرَّاً تَؤُوْلُ إِلَيْهِ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ صَحِيْحِ اَلْإِسْنَاْدِ: (( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَأَمْرُهُ رَدٌّ ))، : أَيْ مَرْدُوْدٌ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ اَلْقَبُوْلِ .
فَاَلْاِبْتِدَاْعُ فِيْ اَلْدِّيْنِ أَمْرُهُ خَطِيْرٌ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاْسِدُ عَظِيْمَةٌ ، وَلِهَذَاْ حَذَّرَ اَللهُ U مِنْهُ فَقَاْلَ : } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { .
نَعَمْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ اَلْاِبْتِدَاْعُ لَهُ أَخْطَاْرٌ وَمَفَاْسِدٌ عَظِيْمَةٌ ، مِنْ أَبْرَزِهَاْ: اَلْقَضَاْءُ عَلَىْ اَلْدِّيْنِ اَلْصَّحِيْحِ . فَمَاْ مِنْ بِدْعَةٍ تُقَاْمُ وَيُعْمَلُ بِهَاْ ، إِلَّاْ وَيَذْهَبُ مُقَاْبِلُهَاْ سُنَّةٌ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْإِمَاْمُ أَحْمَدُ : (( مَاْ اِبْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً ، إِلَّاْ نَزَعَ اَللهُ عَنْهُمْ مِنَ اَلْسُّنَّةِ مِثْلِهَاْ )). فَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ مَفَاْسِدِ اَلْبِدَعِ .
وَمِنْ مَفَاْسِدَ اَلْبِدَعِ أَيْضَاً إِعَاْدَةُ اَلْمُجْتَمَعِ اَلَّذِيْ تَنْتَشِرُ فَيْهِ ، إِلَىْ حَيَاْةِ اَلْجَاْهِلِيَّةِ، اَلَّذِيْ مِنْ أَبْرَزِ مُمَيِّزَاْتِهِ وَسِمَاْتِهِ: اَلْتَّفَرُّقُ وَاَلْتَّمَزُّقُ وَاَلْاِخْتِلَاْفُ .
اَلْمُبْتَدِعُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ يَضُنُّ أَنَّهُ عَلَىْ حَقٍ ، وَغَيْرُهُ عَلَىْ بَاْطِلٍ ، فَيَنْتَصِرَ لِبِدْعَتِهِ ، فَتَحْصُلَ اَلْفُرْقَةُ ، وَلِذَلِكَ لَاْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ اَلْنَّاْسُ عَلَىْ كَلِمَةٍ وَاْحِدَةٍ، إِلَّاْ إِذَاْ كَاْنُوْا أَهْلَ سُنَّةٍ، وَلِذَلِكَ قَاْلَ اَللهُ } : U وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون َ{ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
وَمِنْ اَلْبِدَعِ اَلَّتِيْ بُلِيَتْ بِهَاْ اَلْأُمَّةُ، مَاْ يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِيْ مِثْلِ هَذَاْ اَلْشَّهْرِ -شَهْرِ رَجَبَ- مِنْ عِبَاْدَاْتٍ بِدْعِيَّةٍ، حَيْثُ يَخُصُّوْنَهُ بِصِيَاْمِ بَعْضِ أَيَّاْمِهِ، وَبِقِيَاْمِ بَعْضِ لِيَاْلِيْهِ، وَبِذَبْحِ اَلْذَّبَاْئِحِ قُرْبَةً إِلَىْ اَللهِ، وَكَذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِعُمْرَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَشَهْرُ رَجَبَ كَغِيْرِهِ مِنَ اَلْشُّهُوْرِ، إِلَّاْ أَنَّهُ مِنَ اَلْأَشْهِرِ اَلْحُرُمِ ، لَاْ قِتَاْلَ فِيْهِ، أَمَّاْ خَصُّهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاْعِ اَلْعِبَاْدَةِ ، دُوْنَ غَيْرِهِ مِنَ اَلْشُّهُوْرِ، فَلَاْ شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اَلْاِبْتِدَاْعِ فِيْ اَلْدِّيْنِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
وَمِنَ اَلْبِدَعِ اَلْمُحْدَثَةِ فِيْ مِثْلِ هَذَاْ اَلْشَّهْرِ، بِدْعَةُ اَلْاِحْتِفَاْلِ بِمُنَاْسَبَةِ اَلْإِسْرَاْءِ وَاَلْمِعْرَاْجِ، فَاَلْمُبْتَدِعَةُ يَحْتَفِلُوْنَ فِيْ لَيْلَةِ اَلْسَّاْبِعِ وَاَلْعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَبَ، إِذْ يَجْتَمِعُوْنَ فِيْ اَلْمَسَاْجِدِ، وَيَسْتَمِعُوْنَ إِلَىْ اَلْخُطَبِ وَاَلْمُحَاْضَرَاْتِ ، وَيَعْقِدُوْنَ اَلْنَّدَوَاْتِ، وَيُضِيْئُوْنَ اَلْمَصَاْبِيْحَ ، احْتِفَاْءً وَاَحْتِفَاْلَاً فِيْ تِلْكَ اَلْمُنَاْسَبَةِ .
لَاْ شَكَّ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ، أَنَّ اَلْإِسْرَاْءَ وَاَلْمِعْرَاْجَ ، مِنْ آيَاْتِ اَللهِ U ، ذَكَرَهُمَاْ فِيْ كِتَاْبِهِ، وَأَوْجَبَ اَلْإِيْمَاْنَ بِهِمَاْ عَلَىْ عِبَاْدِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِاَلْاِحْتِفَاْلِ بِمُنَاْسَبَتِهَمَاْ، وَلَوْ كَاْنَ ذَلِكَ مَشْرُوْعَاً، أَوْ مَأْمُوْرَاً بِهِ لِفَعَلَهُ اَلْنَّبِيُ e ، وَلَفَعَلَهُ أَصْحَاْبُهُ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ ـ فِيْ عَهْدِهِ أَوْ بَعْدِهِ .
وَلِلْعِلْمِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ لَيْلَةُ اَلْإِسْرَاْءِ وَاَلْمِعْرَاْجِ، اَلَّتِيْ يَحْتَفِلُوْنَ بِهَاْ ، لَمْ تَثْبُتْ أَنَّهَاْ لَيْلَةَ اَلْسَّاْبِعِ وَاَلْعِشْرِيْنَ، بَلْ لَمْ تَثْبُتْ بِأَنَّهَاْ حَتَّىْ فِيْ شَهْرِ رَجَبَ، وَلَاْ فِيْ غَيْرِهِ مِنَ اَلْشُّهُوْرِ، وَتَحْدِيْدُهَاْ خِلَاْفٌ بَيْنَ اَلْمُؤَرِّخِيْنَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَاْلَ أَنَّهَاْ فِيْ شَهْرِ ذِيْ اَلْقِعْدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَاْلَ هِيَ فَيْ رَبِيْعٍ اَلْأَوْلِ. وَتَحْدِيْدُهَاْ مَتَىْ هِيَ وَفِيْ أَيِّ لَيْلَةٍ ، لَيْسَ مِنَ اَلْأُمُوْرِ اَلْمُهِمَّةِ، لِأَنَّهُ لَاْ يَتَوَقَّفُ عَلَىْ تَحْدِيْدِهَاْ حُكْمٌ شَرْعِيٌ، وَلَاْ فَاْئِدَةٌ دِيْنِيَّةٌ. وَحَتَّىْ لَوْ عُيِّنَتْ، وَثَبَتَ مَتَىْ هِيَ، لَاْ يَجُوْزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْتَفِيْ وَيَحْتَفِلُ بِهَاْ، وَلَاْ أَنْ يَخُصَّهَاْ بِعِبَاْدَةٍ ، وَلَاْ يُمَيِّزَهَاْ بِتَعْظِيْمٍ، لِأَنَّهُ e أَحْرَصُ اَلْنَّاْسِ وَأَتْقَاْهُمْ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اَلْصَّحَاْبَةُ اَلْكِرَاْمُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ اَلْقُرُوْنِ اَلْمُفَضَّلَةِ، وَلَوْ كَاْنَ اَلْاِحْتِفَاْلُ بِهَاْ مَشْرُوْعَاً لَبَيَّنَهُ e إِمَّاْ بِقَوْلِهِ وَإِمَّاْ بِفِعْلِهِ.
فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ، وَاَحْذَرُوْا اَلْبِدَعَ وَأَهْلَ اَلْبِدَعِ ، تَمَسَّكُوْا بِكِتَاْبِ رَبِّكُمْ، وَاَعْمَلُوْا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ، فَفِيْهِمَاْ اَلْنَّجَاْةُ وَاَلْفَوْزُ وَاَلْفَلَاْحُ وَاَلْنَّجَاْحُ .
أَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً وَعَمَلَاً خَاْلِصَاً وَسَلَاْمَةً دَاْئِمَةً ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ ، وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْثَّاْبِتَةِ عَنْ اَلْنَّبِيِّ e : تَحْذِيْرُهُ اَلْشَّدِيْدِ مِنْ اَلْبَدَعِ ، فَقَدْ كَاْنَ e ، إِذَاْ خَطَبَ يَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ .
وَكَذَلِكَ أَصْحَاْبُهُ -رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ -تَرَبَّوْا عَلَىْ بُغْضِ اَلْبِدَعِ وَأَهْلِهَاْ ، فَكَاْنَوْا يَحْذَرُوْنَ مِنْهَاْ وَمِنْهُمْ غَاْيَةَ اَلْحَذَرِ .
اِبْنُ مَسْعُوْدٍ t، بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُتْبَةَ ، فِي أَصْحَابٍ لَهُ بَنَوْا مَسْجِدًا بِظَهْرِ الْكُوفَةِ , فَأَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ فَهُدِمَ . ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يُسَبِّحُونَ تَسْبِيحًا مَعْلُومًا وَيُهَلِّلُونَ وَيُكَبِّرُونَ , فَلَبِسَ بُرْنُسًا , ثُمَّ انْطَلَقَ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ , فَلَمَّا عَرَفَ مَا يَقُولُونَ رَفَعَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ : أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ , لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا , أَوْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ , ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: وَاللَّهِ مَا فَضَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا , وَلَا جِئْنَا بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا , وَلَكِنَّا قَوْمٌ نَذْكُرُ رَبَّنَا , فَقَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِيَدِهِ, لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا, أَوْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا , وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِيَدِهِ لَئِنْ أَخَذْتُمْ آثَارَ الْقَوْمِ لَيَسْبِقُنَّكُمْ سَبْقًا بَعِيدًا , وَلَئِنْ حُرْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا .
فَشَأْنُ اَلْبِدَعِ شَأْنٌ عَظِيْمٌ ، وَأَمْرُهَاْ أَمْرٌ خَطِيْرٌ ، يَجِبُ أَنْ لَاْيُسْتَهَاْنَ بِهَاْ ، وَأَنْ يُقْضَىْ عَلَيْهَاْ فِيْ بِدَاْيَتِهَاْ ، وَأَنْ تُحْذَرَ وَيُحْذَرَ كُلَّ مِنْ رَوَّجَ لَهَاْ .
اَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يُجَنِّبَنَاْ اَلْفَتَنَ ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ رِضَاْكَ وَاَلْجَنَّةَ ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَاَلْنَّاْرِ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ اَلْهُدَىْ وَاَلْتُّقَىْ وَاَلْعَفَاْفَ وَاَلْغِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَحْيِّنَاْ سُعَدَاْءَ وَتَوَفَّنَاْ شُهَدَاْءَ وَاَحْشُرْنَاْ فِيْ زُمْرَةِ اَلْأَتْقِيَاْءِ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ مَغْفِرَةَ ذُنُوْبِنَاْ ، وَسَتْرَ عُيُوْبِنَاْ ، وَصَلَاْحَ قُلُوْبِنَاْ ، وَسَلَاْمَةَ صُدُوْرِنَاْ ، وَعِفَّةَ نُفُوْسِنَاْ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ عِزَّ اَلْإِسْلَاْمِ وَنَصْرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَذُلَّ اَلْشِّرْكِ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاْئِكَ أَعْدَاْءِ اَلْدِّيْن ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْيَهُوْدِ اَلْمُعْتَدِيْنَ، وَبِاَلْنَّصَاْرَىْ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، وَبِكُلِّ مَنْ عَاْدَىْ عِبَاْدَكَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ اِجْمَعْ كَلِمَتَنَاْ، وَقَوُّيْ شَوْكَتَنَاْ، وَوَحِّدْ صَفَّنَاْ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوْبِنَاْ عَلَىْ اَلْحَقِّ اَلْمُبِيْنِ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاْةَ أَمْرِنَاْ، وَاَرْزُقْهُمْ اَلْبِطَاْنَةَ اَلْصَّاْلِحَةَ وَاَصْرِفْ عَنْهُمْ بِطَاْنَةَ اَلْسُّوْءِ يَاْرَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |