لِلْنَّاْئِمِ اَلْغَيْرَةُ عَلَىْ اَلْمَحَاْرِمِ
} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ { ، } يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ {. أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، } لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ ، وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U، وَصِيَتُهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، يَقُوْلُ U مِنْ قَاْئِلٍ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {. فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، عَنْ عَاْئِشَةَ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهَاْ ـ قَاْلَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ e؛ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ في وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَ e: (( انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ ))
وَاَلْشَّاْهِدُ مِنْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ اَلْرَّسُوْلَ e ، لِمَّاْ رَأَىْ اَلْرَّجُلَ عَنْدَ زَوْجَتِهِ ، اَلَّتِيْ زَكَّاْهَاْ اَللهُ U ، وَبَرَّأَهَاْ فِيْ آيَاْتٍ تُتْلَىْ فِيْ كِتَاْبِهِ، صَعُبَ اَلْأَمْرُ عَلَيْهِ وَغَضِبَ، إِلَىْ دَرَجَةِ أَنَّهَاْ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهَاْ ـ لَاْحَظَتْ اَلْغَضَبَ فِيْ وَجْهِهِ ، وَلِذَلِكَ قَاْلَتْ : يَاْ رَسُولَ اللهِ ! إِنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَكَمَاْ تَعْلَمُوْنَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ (( أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ )) كَمَاْ قَاْلَ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، فَقَاْلَ e : (( انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ )) أَيْ تَحَقَّقْنَ مِنْ صِحَّةِ اَلْرَّضَاْعَةِ وَوَقْتِهَاْ ، إِنَّمَاْ تَثْبُتُ اَلْحُرْمَةُ إِذَاْ وَقَعَتْ عَلَىْ شُرُوْطِهَاْ وَفِيْ وَقْتِهَاْ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِمَّاْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ، مَدْحُ غَيْرَةِ اَلْرَّجُلِ عَلَىْ أَهْلِهِ، وَأَنَّ غَيْرَةَ اَلْرَّجُلِ عَلَىْ مَحَاْرِمِهِ، مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاْهِرِ رُجُوْلَتِهِ، وَفِيْهَاْ دَلِيْلٌ وَاْضِحٌ عَلَىْ قُوَّةِ إِيْمَاْنِهِ، وَبُرْهَاْنٌ بَيِّنٌ عَلَىْ تَمَسُّكِهِ بِدِيْنِهِ، وَاَهْتِمَاْمِهِ بِمَاْ يُرْضِيْ رَبَّهُ U، يَقُوْلُ اَبْنُ اَلْقَيِّمِ: إِذَاْ رَحَلَتْ اَلْغَيْرَةُ مِنَ اَلْقَلْبِ تَرَحَّلَتْ اَلْمَحَبَّةُ، بَلْ تَرَحَّلَ اَلْدِّيْنُ كُلُّهُ. وَقَدْ صَدَقَ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ اَلَّذِيْ لَاْ يَغَاْرُ عَلَىْ مَحَاْرِمِهِ ، أَحَدُ اَلْثَّلَاْثَةِ اَلَّذِيْنَ حَرَّمَ اَللهُ U عَلِيْهُمُ اَلْجَنَّةَ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنِ اَلْنَّبِيِ e قَاْلَ: (( ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا ، ولَا يَنْظُرُ اللهُ U إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ, الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ, وَالدَّيُّوثُ ))، وَاَلْدَّيُّوْثُ هُوَ اَلَّذِيْ يُثْبِتُ بِسُكُوْتِهِ، اَلْزِّنَا أَوْ مُقَدَّمَاتِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ : أَيِ الَّذِي يَرَى فِيهِنَّ مَا يَسُوءُهُ وَلَا يَغَارُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا يَمْنَعُهُنَّ ، فَيُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ .
فَصِحَّةُ اَلْإِيْمَاْنِ، وَتَحْقُّقُ اَلْرُّجُوْلَةِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ يَقْتَضِيْ اَلْغَيْرَةَ عَلَىْ اَلْمَحَاْرِمِ ، فَاَلْرَّجُلُ اَلْمُؤْمِنُ يَغَاْرُ عَلَىْ زَوْجَتِهِ وَعَلَىْ بَنَاْتِهِ وَأَخَوَاْتِهِ، وَعَلَىْ كُلِّ إِمْرَأَةٍ مِنْ أَقَاْرِبِهِ ، بَلْ يَغَاْرُ حَتَّىْ عَلَىْ اَلْنِّسَاْءِ مِنْ غَيْرِ أَقَاْرِبِهِ.
وَوَاللهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَاْ اِنْتَشَرَتِ اَلْمَظَاْهِرُ اَلْسَّيِّئَةُ فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ ، كَاَلْتَّبَرُّجِ وَاَلْسُّفُوْرِ وَاَلْاِخْتِلَاْطِ وَاَلْخَلْوَةِ اَلْمُحَرَّمَةِ، إِلَّاْ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُوْدِ اَلْغَيْرَةِ عَنْدَ بَعْضِ اَلْرِّجَاْلِ، وَبَسَبَبِ دَفْنِ اَلْرُّؤُوْسِ فِيْ اَلْرِّمَاْلِ، وَاَلْسُّكُوْتِ وَاَلْتَّغَاْضِيْ عَنْ أُمُوْرٍ ـ لَوْ وُجِدَتِ اَلْغَيْرَةُ ـ لَقَضَتْ عَلَىْ وُجُوْدِهَاْ، وَلَمَاْتَتْ فِيْ بِدَاْيَةِ وُلَاْدِتِهَاْ ، وَلَوُئِدَتْ فِيْ مَرْحَلَةِ مَهْدِهَاْ.
تَأَمَّلْ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ مَاْ تَلْبَسُهُ كَثِيْرٌ مِنَ اَلْنِّسَاْءِ اَلْيَوْمَ، وَتَذَكَّرْ مَاْذَاْ كَاْنَتْ تَلْبَسُ جَدَّتُكَ وَأُمُّكَ، تَأَمَّلْ إِلَىْ أَيْنَ تَخْرُجُ اَلْنِّسَاْءُ اَلْيَوْمَ، وَتَذَكَّرْ مَاْذَاْ كَاْنَ يُخْرِجُ جَدَّتَكَ وَأُمَّكَ، وَاَلْسَّبَبُ هُوَ ضَعْفُ اَلْغَيْرَةِ، اَلَّتِيْ صَاْرَتْ ضَحِيَّةً لِضَيَاْعِ اَلْقُوَاْمَةِ، وَاَلْتَّرَفِ وَاَلْإِنْغِمَاْسِ فِيْ شَهَوَاْتِ اَلْدُّنْيَاْ، وَاَلْثِّقَةِ اَلْزَّاْئِدَةِ، وَاَلْغَزُوْ اَلْفِكْرِيِ بِوَسَاْئِلِهِ اَلْمُتَعَدِّدَهِ ، وَاَلْنَّتِيْجَةُ هَاْهِيَ لَاْ يُنْكِرُهَاْ عَاْقِلٌ: خُرُوْجُ اَلْنِّسَاْءِ مُتَعَطِّرَاْتٍ بِأَلْبِسَةٍ وَاْصِفَةٍ شَفَّاْفَةٍ، وَخَلْوَتُهُنَّ وَرُكُوْبَهُنَّ مَعَ مَنْ هُوَ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهُنَّ، مُشَاْرَكَتُهُنَّ كَاَلْرِّجَاْلِ بِاَلْمُنَاْسَبَاْتِ وَاَلْفَعَاْلِيَاْتِ اَلْخَاْصَةِ وَاَلْعَاْمَةِ، أَلَّاْ مُبَاْلَاْتَ بِاَلْإِخْتِلَاْطِ مَعَ اَلْأَجَاْنِبِ فِيْ اَلْمُنَاْسَبَاْتِ اَلْعَاْئِلِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ فِيْهِ دَلِيْلٌ وَاْضِحٌ عَلَىْ عَدَمِ غَيْرَةِ رِجَاْلِهِنَّ ، تَرْكَبُ اَلْمَرْأَةُ مَعَ سَاْئِقٍ، لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَاْ، وَتَتَسَوَّقُ بِاَلْأَسْوَاْقِ، وَأَبْنَاْؤُهَاْ وَزَوْجُهَاْ وَإِخْوَاْنُهَاْ يَصْدِقُ عَلَىْ كُلِّ وَاْحِدٍ مِنْهُمْ ، قَوْلُ اَلْنَّبِيِ e: (( جَعْظَرِيٌّ جَوَّاظٌ ، سَخَّابٌ بالأسواقِ، جِيفَةٌ بِالليل حِمارٌ بالنَّهارِ، عالمٌ بأمرِ الدُّنيا جاهلٌ بأمرِ الآخِرة )) .
إِنَّ اَلْكَرِيْمَةَ رُبَّاْ أَزْرَىْ بِهَاْ
لِيْنُ اَلْحِجَاْبِ وَضَعْفُ مَنْ لَاْ يَحْزِمُ
وَكَذَاْكَ حَوْضُكَ إِنْ أَضْعَتَ فَإِنَّهُ
يُوْطَأُ وَيُشْرَبُ مَـاْؤُهُ وَيُهْدَمُ
اَلْغَيْرَةُ عَلَىْ اَلْمَحَاْرِمِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً وَنَقْلَاً وَعَقْلَاً ، وَقَضِيَّةٌ مَحْمُوْدَةٌ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( إِنَّ الله يَغَارُ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اَللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَاْ حَرَّمَ عَلَيْهِ )) ، وَلَمَّاْ قَاْلَ سَعْدُ بِنُ عُبَاْدَةَ t : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلَاً مَعَ اِمْرَأَتِيْ لَضَرَبْتُهُ بِاَلْسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ ـ أَيْ لَقَتَلْتُهُ ـ فَعَجِبَ اَلْصَّحَاْبَةُ، فَقَاْلَ e: (( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، فَوَالله لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي ))، فَاَلْغَيْرَةُ عَلَىْ اَلْمَحَاْرِمِ أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ، وَلِذَلِكَ حَرِصَ عَلَيْهَاْ مَنْ شُهِدَ لَهُمْ بِاَلْفَضْلِ وَاَلْإِحْسَاْنِ، وَعَمَلِ مَاْ يُرْضِيْ اَلْرَّحْمَنَ، فَهَذَاْ عُمُرُ بِنُ اَلْخَطَّاْبِ t، مِمَّاْ عُرِفَ بِاَلْغَيْرَةِ ، حَتَّىْ شَهِدَ لَهُ اَلْنَّبِيُ e بِذَلِكَ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e: (( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا )) فَبَكَى عُمَرُ t وقال : أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ الله .
وَكَاْنَ مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، أَنَّهُ t كَاْنَ إِذَاْ خَرَجَ إِلَىْ اَلْصَّلَاْةِ اِتَّبَعَتْهُ عَاْتِكَةُ ابْنَةُ زَيْدٍ ـ زوجته ـ فَكَانَ يَكْرَهُ خُرُوجَهَا وَيَكْرَهُ مَنْعَهَا، وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اَللهِ e قَاْلَ : (( إِذَا اِسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَىْ اَلْصَّلَاْةِ فَلَاْ تَمْنَعُوْهُنَّ )) .
بَلْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ لَمْ تَتَوَقَّفْ غَيْرَتُهُ t ، عَلَىْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، إِنَّمَاْ كَاْنَتْ حَتَّىْ عَلَىْ نِسَاْءِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، فَقَدْ نَفَىْ نَصْرَ بِنَ حَجَّاْجٍ إِلَىْ اَلْعِرَاْقَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ إِمْرَأَةً تَتَغَزَّلُ بِهِ فِيْ اِلْمَدِيْنَةِ . وَفِيْ عَهْدِ اَلْنَّبِيْ e تَقُوْلُ عَاْئِشَةُ ـ رَضِيْ اَللهُ عَنْهَاْ ـ : أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ e ، كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ ؛ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ e: اُحْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله e يَفْعَلُ . فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ ـ زَوْجُ النَّبِيِّ e ـ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً ، وَكَانَتْ اِمْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ ، حِرْصًاْ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَأَنْزَلَ الله آيَةَ الْحِجَابِ .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَهْتَمَّ بِأَمْرِ اَلْغَيْرَةِ ، وَنَبَعَثَهَاْ فِيْ نُفُوْسِ أَبْنَاْئِنَاْ ، وَنَتَوَاْصَىْ بِهَاْ فِيْ مَجَاْلِسِنَاْ ، فَإِنَّهَاْ مِنْ خُلُقِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ، مُعَاْذُ بِنُ جَبَلٍ t ، كَاْنَ يَأْكُلُ تُفّاْحَاً وَمَعَهُ اِمْرَأَتُهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلَاْمٌ لَهُ ، فَنَاْوَلَتْهُ تُفَّاْحَةً قَدْ أَكَلَتْ مِنْهَاْ ، فَأَوْجَعَهَاْ مُعَاْذٌ ضَرْبَاً، وَسَعْدُ بِنُ عُبَاْدَةَ مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ ، لَمْ يَتَزَوَّجْ إِلَّاْ بِكْرَاً، وَمَاْ طَلَّقَ اِمْرَأَةً وَقَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَاْ ، وَكَاْنَ اَلْحَسَنُ يَقُوْلُ: أَتَدَعُوْنَ نِسَاْءَكُمْ لِيُزَاْحِمْنَ اَلْعُلُوْجَ فِيْ اَلْأَسْوَاْقِ ، قَبَّحَ اَللهُ مَنْ لَاْ يَغَاْر .
أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ ، وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
يَكْفَيْ اَلْغَيْرَةُ شَرَفَاً وَأَهَمَّيَةً ، أَنَّهَاْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاْتِ اَللهِ U ، وَأَنَّهَاْ خُلُقَاً مِنْ أَخْلَاْقِ اَلْنَّبِيْ e ، وَأَنَّهَاْ صِفَةٌ اِتَّصَفَ بِهَاْ سَلَفُنَاْ اَلْصَّاْلِحُ ، وَعَمِلُوْا بِهَاْ وَاْقِعَاً فِيْ حَيَاْتِهِمْ .
دَخَلَ رَجُلٌ وَاَمْرَأَتُهُ عَلَىْ قَاْضٍ فِيْ اَلْأَهْوَاْزِ ، فَاَدَّعَتِ اَلْمَرْأَةُ أَنَّ لَهَاْ عَلَىْ زَوْجِهَاْ مَهْرَاً قَدْرُهُ: خَمْسُمَاْئَةُ دِيْنَاْرٍ ، فَأَنْكَرَ اَلْزَّوْجُ وَاَدَّعَاْ أَنَّهُ أَعْطَاْهَاْ مَهْرَهَاْ، فَطَلَبَ اَلْقَاْضِي شُهُوْدَاً ، فَأَحْضَرَ اَلْزَّوْجُ شُهُوْدَهُ ، وَطَلَبَ اَلْقَاْضِي مِنْ أَحَدِهِمْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَىْ وَجْهِ اَلْمَرْأَةِ، زَوْجَةِ اَلْرَّجُلِ ، لِتَتَأَكَّدَ مَعْرِفَتُهُ بِهَاْ ، وَطَلَبَ اَلْقَاْضِي مِنَ اَلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَاْ لِيَتَعَرَّفَ عَلَيْهَاْ اَلْشَّاْهِدُ، فَرَفَضَ زَوْجُهَاْ ذَلِكَ ، وَقَاْلَ لِلْقَاْضِي: إِنِّيْ أَشْهَدُ أَنَّ لِزَوْجَتِيْ فِيْ ذِمَّتِيْ اَلْمَهْرُ اَلَّذِيْ تَدَّعِيْهِ ، وَلَاْ حَاْجَةَ إِلَىْ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَاْ أَمَاْمَ اَلْرِّجَاْلِ اَلْأَجَاْنِبِ .
فَلَمَّاْ سَمِعَتِ اَلْزَّوْجَةُ ذَلِكَ أَكْبَرَتْ وَأَعْظَمَتْ زَوْجَهَاْ ، أَنَّهُ يَغَاْرُ عَلَيْهَاْ وَيَصُوْنُهَاْ مِنْ أَعْيُنِ اَلْنَّاْسِ. فَقَاْلَتْ لِلْقَاْضِيْ : إِنِّيْ أُشْهِدُكَ أَنِّيْ قَدْ وَهَبْتُهُ هَذَاْ اَلْمَهْرِ وَسَاْمَحْتُهُ فِيْهِ وَأَبْرَأْتُهُ مِنْهُ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ. فَقَاْلَ اَلْقَاْضِيْ: اُكْتُبُوْا هَذَاْ فِيْ مَكَاْرِمِ اَلْأَخْلَاْقِ .
فَاَتَّقُوْا اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ، فَاَلْغَيْرَةُ صِفَةُ كَمَاْلٍ لِلْرِّجَاْلِ ، وَسِمَةُ صَلَاْحٍ لِلْمُجْتَمَعِ .
أَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَحْفَظَ أَعْرَاْضَنَاْ وَنِسَاْءَنَاْ ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَاْ اَلْفِتَنَ مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، يَقُوْلُ e: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ اِحْفَظْ نِسَاْءَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَرْزِقْهُنَّ اَلْعَفَاْفَ وَاَلْطُّهْرَ وَاَلْحَيَاْءَ، اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَهُنَّ بِمَكْيْدَةٍ وَفَسَاْدٍ، فَاَجْعَلْ مَكِيْدَتَهُ فِيْ نَحْرِهِ، وَتَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ، اَلْلَّهُمَّ اَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَيْهِ ، يَاْسَمِيْعَ اَلْدُّعَاْء .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |