لِلْعَاْلِمِيْنَ غَيْرِ اَلْعَاْمِلِيْنَ
} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وِعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ { . وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِّيُهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أرسله : } بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { ، صَلَّىْ اللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وِأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً } إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ { .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U وَصِيْتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ اَلْقَاْئِلُ فِيْ كِتَاْبِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ - تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ-: } وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ، إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ، ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ، فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { .
اَلَّذِيْ آتَاْهُ اَللهُ آيَاْتِهِ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِيْ إِسْرَاْئِيْل ، آتَاْهُ اَللهُ اَلْعِلْمَ ، وَلَكِنَّهُ اِنْسَلَخَ مِنْهُ ، كَمَاْ تَنْسَلِخُ اَلْشَّاْةُ مِنْ جِلْدِهَاْ ، أَيْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ ، فَشَبَّهَهُ U بِاَلْكَلْبِ ، أَخَسِ اَلْحَيْوَاْنَاْتِ هِمَّةٍ ، اَلَّذِيْ يَلْهَثُ فَيْ جَمِيْعِ حَاْلَاْتِهِ ، يَقُوْلُ عز وجل: } ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا { ، يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ : بَعْدَ أَنْ سَاْقَهَاْ اَللهُ إِلِيْهِمْ ، فَلَمْ يَنْقَاْدُوْا لَهَاْ ، بَلْ كَذَّبُوْا بِهَاْ وَرَدُّوْهَاْ ، لِهَوَاْنِهِمْ عَلَىْ اَللهِ ، وَاَتْبِاْعِهِمْ لِأَهْوَاْئِهِمْ ، بِغَيْرِ هُدَىً مِنَ اَللهِ . } فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { ، فِيْ ضَرْبِ اَلْأَمْثَاْلِ ، وَفِيْ اَلْعِبَرِ وَاَلآيَاْتِ ، فَإِذَاْ تَفَكَّرُوْا عَلِمُوْا ، وَإِذَاْ عَلِمُوْا عَمِلُوْا .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِنَّ اَلْعَمَلَ بِاَلْعِلْمِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌ ، وَاَلْعِلَمُ مَعْنَاْهُ اَلْمَعْرِفَةُ وَإِدْرَاْكُ اَلْشَّيْئِ عَلَىْ حَقِيْقَتِهِ ، وَعَكْسُهُ اَلْجَهْلُ ، وَحَدِيْثُنَاْ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - عَنِ اَلْعِلْمِ اَلَّذِيْ شَبَّهَ اللهُ U ، مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ بِاَلْكَلْبِ ، اَلْعِلْمُ بِأَحْكَاْمِ اَلْشَّرْعِ ، بِمَاْ يَحِلُ وَيَحْرُمُ ، فَإِذَاْ عَرَفْتَ أَخِيْ ، مَسْأَلَةً وَعَلِمْتَ حُكْمَهَاْ فِيْ اَلْدِّيْنِ ، فَأَنْتَ عَاْلِمٌ بِهَاْ ، وَوَاْجِبٌ عَلِيْكَ اَلْعَمَلُ بِمِقْتَضَىْ ذَلِكَ اَلْحُكْمِ .
قَدْ يَأَتِيْ اَلْشِّيْطَاْنُ إِلَىْ أَحَدِنَاْ ، فَيُوَسْوِسُ لَهُ ، بِأَنْ لَاْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَاْمِ دِيْنِهِ ، لِيَسْلَمَ مِنْ تَبِعَاْتِ عِلْمِهِ ، نَقُوْلُ لَهُ: تَقْرَأَ سُوْرَةَ اَلْعَصْرِ ، اَلَّتِيْ تَحْفَظُهَاْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ، وَاَلَّتِيْ قَاْلَ عَنْهَاْ اَلْشَّاْفِعِيُ: لَوْ مَاْ أَنْزَلَ اَللهُ حُجَّةً عَلَىْ خَلْقِهِ إِلَّاْ هَذِهِ اَلْسُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ ، تَدَبَّرَ آيَاْتِهَاْ أَخِيْ ، فَقَدْ اَقْسَمَ اَللهُ U وَقَاْلَ : } وَالْعَصْرِ { اَلَّذِيْ هُوَ اَلْلَّيْلُ وَاَلْنَّهَاْرُ، مَحَلُّ أَفْعَاْلِ اَلْعِبَاْدِ وَأَعْمَاْلِهِمْ } إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ { أَنَّ كُلَّ إِنْسَاْنٍ خَاْسِرٍ، وَاَلْخَاْسِرُ ضِدُّ اَلْرَّاْبِحِ } إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ { أَيْ تَعَلَّمُوْا وَعَمِلُوْا بِعِلْمِهِمْ وَدَعُوْا غَيْرَهُمْ وَصَبَرُوْا عَلَىْ مِنْ آذَاْهُمْ بِسَبِبِ دَعْوَتِهِمْ ، كَمَاْ قَاْلَ بَعْضُ اَلْمُفَسِّرِيْنَ . فَلِكَيْ تَسْلَمْ مِنْ اَلْخَسَاْرَةِ ، اَلَّتِيْ أَقْسَمَ اَللهُ U عَلَيْهَاْ ، وَتَكُوْنُ مِنْ اَلْرَّاْبِحِيْنَ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، يَجِبُ عَلِيْكَ أَنْ تَتَعَلَّمَ أُمُوْرَ دِيْنِكَ وَأَحْكَاْمِهُ ، وَبِذَلِكَ تَكُوْنُ مِنْ اَلَّذِيْنَ أَرَاْدَ اَللهُ بِهِمْ خَيْرَاً ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) وَاَلْفِقْهُ فِيْ اَلْدِّيْنِ هُوَ اَلْعِلْمُ اَلَّذِيْ يُوَرِّثُ اَلْخَشْيَةَ فِيْ اَلْقَلْبِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَىْ اَلْجَوَاْرِحِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِنَّ قَضِيَةَ عَدَمِ اَلْعَمَلِ بِاَلْعِلْمِ ، قَضِيْةٌ خَطِيْرَةٌ ، وَهِيَ مُشْكِلَةُ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْنَّاْسِ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ ، فَمَاْ أَكْثَرَ اَلَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَلَكِنَّهُمْ لَاْ يَعْمَلُوْنَ بِعِلْمِهِمْ ، وَاَلْدَّلِيْلُ مَاْ فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ مِنْ مُخَاْلَفَاْتٍ شَرْعِيْةٍ ، وَكَبَاْئِرَ تُرْتَكَبُ بِحَقِّ اَللهِ U ، وَحَقِّ نَبِيْهِ e ، وَحَقِّ عِبَاْدِهِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَللهِ دَرُّ اَلْقَاْئِل :
لَوْ كَاْنَ لِلْعِلْمِ مِنْ دُوْنِ اِلْتُّقَىْ شَرَفٌ
لَكَاْنَ أَشْـــرَفُ خَلْقِ اَللهِ إِبْلِيْسُ
تَدْعُوْ أَحَدَهُمْ لِحُضُوْرِ مَوْعِظَةٍ أَوْ مُحَاْضَرَةٍ ، أَوْ لِسَمَاْعِ شَرِيْطٍ إِسْلَاْمِيٍ، أَوْ لِقِرَاْءَةِ كِتَاْبٍ دَيْنِيٍ، فَيَعْتَذِرُ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ عَاْلِمٌ لَاْ يَخْفَاْهُ شَيٌْْ ، وَأَنَّهُ لِيْسَ بِحَاْجَةٍ لِذَلِكَ ، لِأَنَّ أَمْرَ اَلْدِّيْنِ وَاْضِحٌ عَنْدَهُ ، وَلَكِنْ تَنْظُرُ فِيْ أَعْمَاْلِهِ ، فَتَجِدْ مِنَ اَلْمُخَاْلَفَاْتِ ، مَاْ اَللهُ بِهِ عَلِيْمٌ ، لِأَنَّهُ لَاْ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ .
تَسْتَمِعُ لَهُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ ، وُجُوْدِ اَللهِ تَعَاْلَىْ ، وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَبَعْضِ مَاْ فِيْ جَنَّتِهِ وَنَاْرِهِ ، وَثَوَاْبِهِ وَعِقَاْبِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَنْسَىْ ذَلِكَ عَنْدَ شَهَوَاْتِهِ وَمَلَذَّاْتِهِ وَرَغَبَاْتِهِ، فَيَسْتَسْلِمْ لِنَفْسِهِ اَلْأَمَّاْرَةِ بِاَلْسُّوْءِ وَشَيْطَاْنِهِ، فَتَجِدَهُ تَاْرِكَاً لِآيَاْتِ رَبِهِ، مُخَاْلِفَاً لِسُنَّةِ نَبِيِهِ، قَاْطِعَاً لِرَحِمِهِ، عَاْقَاً لِوَاْلِدِيْهِ، مُؤْذِيَاً لِجِيْرَاْنِهِ، مُغْتَاْبَاً لِإِخْوَاْنِهِ، مُضَيِّعَاً لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَوَاْجِبَاْتِهِ، مُتَهَاْوِنَاً فِيْ صَلَاْتِهِ، مَاْنِعَاً لِزَكَاْتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ يُغْضِبُ اللهَ U ، وَفَيْهِ دَلِيْلٌ وَاْضِحٌ عَلَىْ عَدَمِ عَمَلِهِ بِعِلْمِهِ ، اَلَّذِيْ سَوْفَ يَسْأَلُهُ اَللهُ U عَنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ: (( لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ )) .
فَهَذَاْ اَلْعِلْمُ اَلَّذِيْ تَعَلَّمْتَهُ، وَقَدْ تَكُوْنَ نِلْتَ بِهِ شَهَاْدَةً مِنَ اَلْشَّهَاْدَاْتِ اَلْدُّنْيَوُيْةِ، وَمُكِّنْتَ بِسَبَبِهِ مِنْ وَظِيْفَةٍ مِنَ اَلْوَظَاْئِفِ، سَوْفَ تُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، فَاَعْمَلْ بِمَاْ تَعْلَمْ ، حَتَّىْ وَلُوْ كَاْنَ فِيْ مَسْأَلَةٍ وَاْحِدَةٍ ، وَاَحْذَرْ ، فَقَدْ شَبَّهَ اَللهُ U ، اَلَّذِيْ يَعْلَمُ وَلَاْ يَعْمَلُ ، بِاَلْحِمَاْرِ اَلَّذِيْ يَحْمِلُ اَلْكُتُبَ، فَإِنَّهُ مُجَرَّدَ حَاْمِلٍ لَاْ يَسْتَفِيْدُ مِمَّاْ عَلَىْ ظَهْرِهِ ، فَقَاْلَ تَعَاْلَىْ: } مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { ، أَخِيْ اَلْمُسْلِم ، أَظُنُّكَ لَاْ تَرْضَىْ أَنْ تَكُوْنَ شَبَيْهَاً لِكَلْبٍ أَوْ حِمَاْرٍ ، فَاَحْرِصْ عَلَىْ اَلْعَمَلِ بِمَاْ تَعْلَمُ مِنْ أَحْكَاْمِ اَلْشَّرْعِ ، وَاَجْعَلْ حَيَاْتَكَ وُفْقَ دَيْنِكِ وَأَمْرِ رَبِّكَ U وَتَوْجِيْهَاْتِ نَبِيْكَ e ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْطَّبَرَاْنِيُّ فِيْ اَلْكَبِيْرِ ، يَقُوْلُ e : (( كُلُّ عِلْمٍ وَبَالٌ عَلَىْ صَاْحِبِهِ إلَّاْ مَنْ عَمِلَ بِهِ )) .
أَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً لِوَجْهِهِ خَاْلِصَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ أَهَمِّيَةِ اَلْعِلْمِ وَاَلْعَمَلِ بِهِ ، وُجُوْبُ قِرَاْءَةِ سُوْرَةِ اَلْفَاْتِحَةِ، فِيْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلَاْةٍ يُصَلِّيْهَاْ اَلْمُسْلِمُ ، وَفِيْهَاْ سُؤَاْلُ اَللهِ اَلْسَّلَاْمَةَ مِنْ طَرِيْقِ اَلْمَغْضُوْبِ عَلِيْهِمْ وَاَلْضَّاْلِيْنَ: } اِهْدِنَاْ اَلْصِّرَاْطَ اَلْمُسْتَقِيْمَ ، صِرَاْطَ اَلَّذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلَاْ اَلْضَّاْلِّيْنَ { اَلْمَغْضُوْبُ عَلِيْهِمْ: اَلْيَهُوْد ، يَعْلَمُوْنَ وَلَاْ يَعْمَلُوْنَ ، وَاَلْضَّاْلُوْنَ : اَلْنَّصَاْرَىْ ؛ يَعْمَلُوْنَ بِدُوْنِ عِلْمٍ ، فَاَلْنَّجَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمَةُ - أَخِيْ اَلْمُسْلِمُ - بِأَنْ تَتَعَلَّمَ وَتَعْمَلَ، وَتُجَاْهِدَ نَفْسَكَ عَلَىْ ذَلِكَ ، يَقُوْلُ اِبْنُ اَلْقَيْمِ - رَحِمَهُ اَللهُ - فِيْ كِتَاْبِهِ زَاْدُ اَلْمَعَاْد ، وُجِهَاْدُ اَلْنَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاْتِب :
إِحْدَاْهَاْ : أَنْ يُجَاْهِدَهَاْ عَلَىْ تَعَلُّمِ الْهُدَىْ وَدِيْنِ الْحَقِّ ، الَّذِيْ لَاْ فَلَاْحَ لَهَاْ وَلَاْ سَعَاْدَةَ فِيْ مَعَاْشِهَاْ وَمَعَاْدِهَاْ إِلَّاْ بِهِ ، وَمَتَىْ فَاْتَهَاْ عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِيْ الدَّاْرَيْنِ .
الثَّاْنِيَةُ : أَنْ يُجَاْهِدَهَاْ عَلَىْ الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، وَإِلَّاْ فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَاْ عَمَلٍ ، إِنْ لَمْ يَضُرَّهَاْ لَمْ يَنْفَعْهَاْ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يُجَاْهِدَهَاْ عَلَىْ الْدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَتَعْلِيْمِهِ مَنْ لَاْ يَعْلَمُهُ ، وَإِلَّاْ كَاْنَ مِنَ الَّذِيْنَ يَكْتُمُوْنَ مَاْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَىْ وَالْبَيِّنَاْتِ ، وَلَاْ يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ ، وَلَاْ يُنْجِيْهِ مِنْ عَذَاْبِ اللَّهِ .
الرَّاْبِعَةُ : أَنْ يُجَاْهِدَهَاْ عَلَىْ الْصَّبْرِ عَلَىْ مَشَاْقِّ الدَّعْوَةِ إِلَىْ اللَّهِ ، وَأَذَىْ الْخَلْقِ ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، فَإِذَاْ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاْتِبَ الْأَرْبَعَ ، صَاْرَ مِنَ الرَّبَّاْنِيِّينَ ، فَإِنَّ الْسَّلَفَ مُجْمِعُوْنَ عَلَىْ أَنَّ الْعَاْلِمَ ، لَاْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّىْ رَبَّاْنِيًّا ، حَتَّىْ يَعْرِفَ الْحَقَّ ، وَيَعْمَلَ بِهِ ، وَيُعَلِّمَهُ ، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ ، فَذَاْكَ يُدْعَىْ عَظِيْمًا فِيْ مَلَكُوْتِ السَّمَاْوَاْتِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
مِنْ اَلْعُلُوْمِ اَلَّتِيْ تُعِيْنُ عَلَىْ اَلْعَمَلِ بِاَلْعِلْمِ ، تَعَلُّمُ اَلْلُّغَةِ اَلْعَرَبِيْةِ ، لِغُةِ اَلْقُرَّآنِ ، كَمَاْ قَاْلَ U : } وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ { وَلَاْ شَكَّ أَنَّ تَعَلُّمَ اَلْلُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ فَرْضُ كِفَاْيَةٍ ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ اَلْعَرَبِيَّةِ مَاْ يُؤَدِّيْ بِهِ مَاْ اَفْتَرَضَهُ اَللهُ عَلِيْهِ فِيْ اَلْصَّلَاْةِ مِنَ اَلْقِرَاْءَةِ وَاَلْأَذْكَاْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَاْ يَجُوْزُ بِغَيْرِ اَلْعَرَبِيَّةِ . يَقُوْلُ اَلْإِمَاْمُ اَلْشَّاْفِعِيُ: يَجِبُ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ لِسَاْنِ اَلْعَرَبِ مَاْ يَبْلُغُ جُهْدُهُ فِيْ أَدَاْءِ فَرْضِهِ .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ - وَلْنَحْرِصْ عَلَىْ طَلَبِ الْعِلْمِ ، وَنَعْمَلُ بِمَاْ نَعْلَمُ ، نَقَلَ أَبُوْ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ اَلْسُّلَمِي، عَنْ عُثْمَاْنَ وَاَبْنِ مَسْعُوْدٍ وَأَبَيِ كَعْبٍ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ: أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ e كَاْنَ يُقْرِئَهُمْ اَلْعَشْرَ اَلْآيَاْتِ مِنْ اَلْقُرَّآنِ ، فَلَاْ يُجَاْوِزُوْنَهَاْ إِلَىْ عَشْرٍ أُخْرَىْ ، حَتَّىْ يَتَعَلَّمُوْا مَاْ فِيْهَاْ مِنْ اَلْعَمَلِ .
أَسْأَلُ اَللهَ لَيْ وَلَكُمْ اَلْهُدَىْ وَاَلْتُّقَىْ وَاَلْعَفَاْفَ وَاَلْغِنَىْ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ، وَمَنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ . اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا ، وَخَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا ، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ أَنْ نَلْقَاكَ ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلاَمِنَا مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله . بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ ، اللّهُمّ لَا إلّا إلَه إلّا أَنْتَ ، أَنْتَ الْغَنِيّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اللّهُمّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيّت اللّهُمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |