رمضان فرصة للاغتنام
26/8/1434هـ
الحمد لله الرحمن الرحيم ، السميع العليم ، }الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشكره على نعمه وآلائه ، } يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، } هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ { .
أما بعد ، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لعباده الأولين والآخرين ، فهو القائل في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
ما هي إلا أيام قلائل ، ويحل علينا شهر رمضان المبارك ، أفضل شهر يمر بنا في كل عام من أعمارنا ، ففيه الصيام ، ففي الحديث الصحيح يقول النبي r ، (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ . الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ . يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخَلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )) ، يقول ابْنُ عُيَيْنَةَ : هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الأَحَادِيثِ وَأَحْكَمِهَا ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، يُحَاسِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ ، وَيُؤَدِّى مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ ، حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ الصَّوْمُ ، فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ في شهر رمضان القيام ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) وفيه ـ أيضا ـ من فطر صائما كان له مثل أجره ، يقول النبي r في الحديث الحسن الصحيح ـ كما قال الترمذي ـ : (( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ )) وفيه استجابة الدعاء ، فللصائم دعوة مستجابة ،ففي الحديث الحسن ، يقول النبي r : (( ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ ؛ دَعْوَةُ الْوَالِدِ لولده ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ )) , وفيه أيضا العمرة تعدل حجة مع النبي r ، ففي الحديث الصحيح ، يقول r : (( أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي : عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ )) بل فيه ـ أيها الأخوة ـ ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، كما قال U : } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ { .
فشهر رمضان ـ أيها الأخوة ـ وإدراكه من النعم العظيمة ، التي ينعم بها الله U على عبده المسلم ، ولكن سبحان الله ، كثير هم الذين لا يدركون هذه النعمة ، فتفوت عليهم فرصة لا يمكن تعويضها ، وتمضي من أعمارهم ، منحة ربانية لم يحسنوا استغلالها ، حالت بينهم وبينها شهواتهم وملذاتهم ، وصدتهم عنها شياطينهم وسيئاتهم ، فليس لهم من رمضان إلا رغام أنوفهم ، كما قال النبي r في الحديث الصحيح : (( رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذا الشهر العظيم ، الذي يتمناه من يريد وجه الله والدار الآخرة ، ويخطط لاستغلاله ، من يطمح للدرجات العالية ، والمنزلة الرفيعة يوم القيامة ، يستعد ويخطط أهل الغفلة للقضاء عليه ، كل على حسب شهوته وهوايته ، وهمته ووجهته ، فطائفة تعد له البرامج المتنوعة ، التي من شأنها ضياع الأوقات ، والقضاء على وسائل الأجور والحسنات ، من مسلسلات ومسابقات . وطائفة شغلها الشاغل الطعام والشراب ، وسهر الليل ونوم النهار ، الذين يصدق عليهم قول الله تعالى : } أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ { فيدخل رمضان وينتهي ، وحصيلتهم منه ، المشاهد المضحكة ، واللقطات المخجلة ، وأنواع الأطعمة والأشربة ، والساعات الطويلة سهرا ، ومثلها نوما . نحن ـ أيها الأخوة ـ معاذ الله أن نحرم ما أحل الله : } قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ { ولكننا نحذر أن يكون رمضان ، وسيلة أو غاية ، لمثل هذه الأشياء ، فينشغل بها المسلم ، عن صلاته وصيامه ، وعن تلاوة كتابه وقيامه .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ فما رمضان إلا أيام معدودة ، تمضي كما مضى غيرها من الأيام ، ولكنها إما شاهدة لنا أو شاهدة علينا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ونحن نستعد لهذا الشهر العظيم ، الذي اسأل الله U أن يوفقنا لصيامه وقيامه ، ويعيننا على استغلال لياليه وأيامه ، لنا بعض الوقفات المهمة ، التي لا بد من ذكرها والإشارة إليها ، منها ـ أيها الأخوة ـ الصيام عند رؤية الهلال ، لقول النبي r في الحديث الصحيح : (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ )) فالأصل في دخول شهر رمضان ، وبداية الصيام ، هذا الحديث ، فلا يلتفت لإرجاف المرجفين ، ولا إلى أقوال المشككين ، ونحن ـ ولله الحمد ـ في بلد التوحيد ، والمنهج السديد .
ومن الوقفات ـ أيها الأخوة ـ أو من المظاهر السيئة ، نشر البدع ، وترويج الأكاذيب ، والفتاوى مجهولة المصادر ، بل والمكذوبة أحيانا ، عن طريق رسائل الجوال ، يقول U : } وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { .
ومنها ـ أيها الأخوة ـ من المظاهر السيئة ، كثرة المتسولين في شهر رمضان ، واستغلال مشاعر المسلمين ، واستعطافهم بتسطير الحوادث والأمراض ، والكوارث والنكبات ، والنبي r يقول في الحديث الصحيح : (( مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً ؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ )) فينبغي ـ أيها الأخوة ـ التأكد من المحتاج من غيره ، لكي لا يكون ذلك مهنة للكاذبين ، ووسيلة للمحتالين .
اسأل الله U أن يبلغني وإياكم رمضان ، وأن يجعلنا فيه من الفائزين ، إنه سميع مجيب .
اللهم بلغنا رمضان ، ووفقنا فيه إلى العمل الصالح ، واجعلنا فيه من عتقائك من النار ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، اللهم وفقنا لهداك ، واجعل عملنا في رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، واقض الدين عن المدينين ، ونفس كرب المكروبين .
اللهم عجل بفرج إخواننا السنة في بلاد الشام ، اللهم عجل بفرجهم ، وكن عونا لهم ، اللهم عليك بأعداء سنة نبيك محمد r ، اللهم لا ترفع لهم راية ، ولا تحقق لهم غاية ، واجعلهم لغيرهم عبرة وآية ، يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن شهر رمضان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-132.html
|