نعمة الأمن
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، أحمده جل وعلا على منـّه وعطائه وفضله وإنعامه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
أيها المؤمنون : الأمنُ منةٌ إلهيةٌ وهبةٌ ربانيةٌ ؛ فالله جل وعلا وحده هو الذي يؤمّن الخائف ويجير المستجير نعم المولى ونعم النصير ، قال الله تعالى : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت:67]، وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش:4].
عباد الله : والأمن قرين الإيمان ولزيمه .. يزيد بزيادته .. وينقص بنقصه .. ويفقد بفقده ، قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82]، وقال تعالى : ﴿ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام:48].
وبالتوحيد - أيها المؤمنون - والإخلاص لله وإفراده جل وعلا بالعبادة يتحقق الأمن ويزول ضده ، قال الله تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور:55].
عباد الله : وإذا كان الأمن هبة من الله جل وعلا ! فإن الواجب على عبد الله أن لا يسعى في نيله ولا يطلب تحصيله إلا منه وحده جل شأنه ، وبهذا تدرك قيمة الدعاء ومكانته العلية في هذا الباب وفي كل باب ، وفي هذا يقول الله جل وعلا ذاكراً دعاء خليله عليه السلام : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم :35]، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام في كل شهر إذا رأى الهلال من أول الشهر يقول : (( اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ )) رواه الترمذي من حديث طلحة بن عبيد الله ، وثبت في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال: (( نَعَمْ ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا)) قال : فضرب الله عز و جل وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله عز وجل بالريح . وكان عليه الصلاة والسلام يقول هذه الدعوة كل يوم إذا أصبح وإذا أمسى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .
أيها المؤمنون : ومن مقومات الأمن العظيمة لزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة أمرهم ؛ لأنه لا أمن إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمام ، ولا إمام إلا بسمع وطاعة ، جاء في المسند عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) .
ومن مقومات الأمن عباد الله : الرجوع إلى أهل العلم الأكابر والعلماء الراسخين ولاسيما في قضايا الأمة الكبار التي تمس أمنها وخوفها ومصالحها العامة ، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء:83].
عباد الله : وإذا حقق المؤمن الإيمان الواجب أُمِن جانبه ، ولهذا جاء في المسند من حديث فضالة ابن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ)) .
عباد الله : وبشكر الله جل وعلا على نعمة الأمن وعموم النعم ثبات للأمن ودوام للنعم ؛ فإن نعمة الله عز وجل إذا شُكرت قرَّت ، وإذا كُفرت فرّت ، والشكر مؤذن بالمزيد قال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7]. وإذا بدل الناس الإيمان كفرا .. والطاعة عصياناً وتمردا .. بدّل الله عز وجل أمنهم خوفا قال الله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل:112].
اللهم بارك لنا في هدي كتابك العظيم وفي سنة نبيك الكريم . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : ثلاث إذا اجتمعت للعبد في هذه الحياة اجتمعت له الدنيا برُمَّتها : الأمن ، والعافية ، ورزق الإنسان وطعامه ، ثبت في جامع الترمذي وسنن ابن ماجه من حديث عبيد الله ابن محصن الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ - أي في نفسه وقيل أي في أهله وماله - مُعَافًى فِى جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) فتأملوا رعاكم الله كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأمن في هذا الحديث على العافية والرزق !! لأن العبد إن وُجدت عنده العافية وتحصّل له الرزق ولم يتهيأ له الأمن لم ينعم بعافية ولم يهنئ برزق ..
فاشكروا الله على نعمة الأمن واسألوه سبحانه وتعالى مزيداً من ذلك ومزيداً من عموم منـّه وفضله سبحانه ، وأسال الله الكريم رب العرش الكريم أن يهب لنا في أنفسنا وأهلينا وأوطاننا الأمن والأمان والعفو والعافية .
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، و بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين . اللهم وعليك باليهود المعتدين الغاصبين اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك ، وأعنه على طاعتك يا حي يا قيوم . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما تحبه وترضاه .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا . اللهم واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا .
اللهم واغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من خطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-125.html
|