الربيع ربيعنا
الحمد لله العلي الكبير ، القوي القدير ، السميع البصير ، } الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، على ما أولاه من الإنعام والخير الكثير . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، ولا ضد ولا ند ولا ظهير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته ـ سبحانه ـ لعباده الأولين والآخرين ، يقول U من قائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
من النعم العظيمة ، والمنح الربانية الكريمة ، التي يتفضل بها الله U على عبده ، أن يفسح له في عمره ، ويجعله يتمتع في كامل صحته ، لا مرض يعيقه ، ولا خوف يزعجه ، ولا قلق يشغله ، ثم يوفقه سبحانه ، ليعمل من الصالحات في حياته .
وهذه ـ أيها الأخوة ـ النعمة العظيمة ، التي نتحدث عنها ، هي ما من الله U به علينا في الأيام الماضية ، فقبل بضعة أشهر ، وفقنا الله U ، وصمنا شهر رمضان المبارك ، وانتهى ذلك الموسم العظيم ، وجاءت من بعده ست شوال ، ثم عشر ذي الحجة ، ثم الحج ، ثم يوم عرفة ، وعيد الأضحى ، وغير ذلك من الأعمال التي تقرب من الله U ، والتي من أوجب واجباتها : شكره U ، فكم من محروم ـ أيها الأخوة ـ حرم هذه المناسبات ، لانشغاله بنفسه إما لمرض ، أو لشهوة أو شبهة ، أو لتشريد وقتل وحرب ، أو لخوف وقلة أمن .
والله ـ أيها الأخوة ـ إننا في نعم لا تعد ولا تحصى ، ولا تخفى إلا على سفيه أو صاحب بدعة وهوى !
وقد وجد ، من أبناء جلدتنا ، بل ممن تعتني به بعض وسائل إعلامنا ، ويحتفي به بعض سفهائنا ، من ينكر مثل هذه النعم ، ويعلن على الملأ ، عبر تغريداته ، ودروسه ومحاضراته ، وبرامجه ومنتدياته ، إعجابه بما تورط به غيرنا في غير بلادنا ، ها هم ـ أيها الأخوة ـ يؤيدون خروج الشعوب على حكامهم ، ويشجعون على المظاهرات والمسيرات ، ويعتبرون الانتحاريين شهداء .
وهذا لا شك لمرض في نفوسهم ، وانحراف في تفكيرهم ، قدسوا ـ أيها الأخوة ـ بو عزيزي ، ونسوا أو تناسوا ما حدث لتونس بعده ، وما حل بها بسببه ، أشرقت وجوههم ، لميدان التحرير بمصر ، وجموع ليبيا ، وسلميات سوريا ، وعميت أعينهم عن الدماء التي أريقت ، والأعراض التي انتهكت ، والنفوس التي أزهقت .
بل وصل بهم الأمر ، إلى تأييد المتظاهرين في بعض الدول المجاورة ، التي تدعوا إلى إسقاط النظام وتغيير الحكام ، وهاهم ـ أيها الأخوة ـ في بعض وسائل إعلامنا ، الكلمة كلمتهم ، والمقالة مقالتهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أيها الأخوة المؤمنون :
فنحن في هذه البلاد ، وخاصة في الأيام الماضية ، وفقنا الله U ، لهذه النعمة العظيمة ، فالربيع ربيعنا ، نصلي في مساجدنا ، وندرس في مدارسنا ، نتواصل مع أقاربنا ، ونلهو ونلعب مع أطفالنا ، ونستأنس بأهلينا وأبنائنا ، وغيرنا ترمى عليهم البراميل من فوقهم ، وتزلزلهم القنابل من تحتهم ، فأي ربيع ربيعهم ؟
فنحن في نعمة عظيمة ، و كما قال النبي r ، في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد : (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنَاً فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )) .
فلم يشغلنا شيء عن طاعة ربنا ـ أيها الأخوة ـ فلنشكر الله U على ذلك ، وكما قال تعالى : } وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ { وبالشكر تدوم النعم ، والنعم إذا شكرت قرت ، وأما إذا كفرت فرت
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ { بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
وهناك أمر ينبغي للمسلم أن لا يغفل عنه ، ألا وهو المحافظة على العمل الصالح ، بل والمحافظة على الحسنات التي حصل عليها ، فقد ذكر أهل العلم بأنه من علامات قبول الحسنة ، الإتيان بحسنة بعدها ، لأن الحسنة تجر إلى الحسنة ، وكذلك السيئة ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ عندما يتمادى بها الإنسان ، وينسى التوبة ، فإنها تجره إلى سيئة مثلها ! ولذلك حذر الله عباده من اتباع خطوات الشيطان فقال } : U وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ { خطوات الشيطان ، هي المعاصي التي تأتي بالسيئات ، فكل خطوة تجر إلى خطوة أعظم منها ، حتى يصل البعيد إلى مراد الشيطان ، نعوذ بالله من الشيطان ومراده.
فالمحافظة على العمل الصالح ، ضرورة ، ولا يكون المسلم كالتي ذكر الله في كتابه : } كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً {
ألا فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنشكره على ما تفضل به علينا من نعم ، ولنحافظ على أعمالنا الصالحة ،
اسأل الله لي ولكم الهدى والتقى والعفاف والغني ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك حفظ أمننا ، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين . اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وعمل متقبل مبرور وعيب مستور يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين ، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم وفق ولاة أمرنا ، واحفظ علماءنا ، وسدد دعاتنا ، اللهم من أرادهم بسوء اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً له يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار ،عاجلاً غير آجل ، اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت .
} رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|