للخط لا للخطوط
الحمد لله القائل : } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه } لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله } بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U هي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، فهو القائل سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى الأمام أحمد والنسائي والدارمي ـ رحمهم الله تعالى ـ عن عبدالله بن مسعود t قال : خط لنا رسول الله e خطا ثم قال : (( هذا سبيل الله )) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال : (( هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه )) وقرأ قول الله تعالى : } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { .
أيها الأخوة :
في هذا الحديث الشريف العظيم ، يبين النبي e لأصحابه ولأمته من بعدهم ، مستعملا وسيلة ترسخ المعنى في أذهانهم ، أهمية التمسك بالصراط المستقيم ، وسماه سبيل الله ، أي الذي وضعه وبين معالمه ، هو الله جل جلاله ، بالأدلة من الكتاب والسنة ، بفهم السلف الصالح ، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ كما وضح ذلك النبي e بحديث العرباض بن سارية ، الحسن الصحيح ، حيث قال e : (( وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن سنته e مبنية على الوحي من السماء ، وأمره ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ من أمر الله سبحانه ، كما قال تعالى : } مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا { فالصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه وسلوكه ، والحذر من تركه ، نعرفه بقال الله تعالى ، وبقال رسوله e ، وبما كان عليه السلف الصالح ، الذين هم خير القرون بشهادة الذي لا ينطق عن الهوى ، الرسول e .
أما غيره فهو كما أخبر ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ إنما هي سبل على كل سبيل منها شيطان ، يدعو الناس إلى سلوك هذا السبيل البعيد عن سبيل الله المستقيم .
أيها الأخوة :
إن اتباع ذلك الصراط المستقيم ، والحذر من سبل الشياطين من الجن والأنس ، هو ما تحتاجه الأمة الإسلامية ، للخروج من مئازقها ، والسلامة من وهنها ، والعودة إلى عزها وكرامتها ، فقد هانت ووهنت بسبب تركه والاستجابة للسبل التي حذر منها e ، وصدق الله : } وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ { .
أيها الأخوة :
شاهدتم ما يفعله بعض المحسوبين على الإسلام والمعدودين من المسلمين ، وما تناقلته بعض وسائل الإعلام ، في الأيام الماضية ، أهؤلاء بأعمالهم المرفوضة عقلا ونقلا ، من أهل الصراط المستقيم ؟ أهكذا فعل النبي e وصحابته الكرام رضي الله عنهم بأنفسهم ؟ شيئ ـ أيها الأخوة ـ يثير الإستغراب ، ولكن الاستغراب يزول عندما نتأمل ، حديث الخط والخطوط ، بل عندما نسمع الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، حيث قال e : ((أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى إِحَدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَهَلَكَ سَبْعُونَ فِرْقَةً وَخَلُصَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً تَهْلِكُ إِحْدَى وَسَبْعُونَ فِرْقَةً ، وَتَخْلُصُ فِرْقَةٌ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ ؟ قَالَ : الْجَمَاعَةُ ، الْجَمَاعَةُ )) .
أتدرون من هم الجماعة أيها الأخوة ؟
نعم قد تلتبس الأمور ، على بعض الناس ، حيث كثرة الجماعات في هذه الأيام ، فالأخوان المسلمون جماعة ، والتبليغ أو ما يسمون أنفسهم بالدعوة والأحباب جماعة ، والجهاد جماعة ، والتكفير جماعة ، وغير ذلك كثير ، فكل جماعة تدعي أنها هي الجماعة التي ذكر النبي e !! ولكن هيهات هيهات ، النبي e ذكر وبين من هم الجماعة ، فقال في إحدى رويات الحديث السابق ـ الذي لا يحب ذكره بعضهم ، (( وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقه )) قال e : الذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي . و قال الإمام الترمذي: وتفسير الجماعة عند أهل العلم :هم أهل الفقه والعلم والحديث وقال بعضهم : الجماعة ما وافق الحق ولو قل المتمسكون به ، واستدل على ذلك بقول ابن مسعود : t الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك . وسألت اللجنة الدائمة للأفتاء في هذه البلاد عن الجماعة فكان جوابهم : هم من كانوا على مثل ما كان عليه محمد بن عبد الله e وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين .
فحري بالمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن لا يغفل عن توجيهات نبيه e ، فينزلق في سبل شياطين الجن والأنس ، سبيل الله واضح ، بين ، يقول عنه e كما في الحديث الذي صححه الألباني : (( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك )) .
أسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
قد يدور في أذهان بعضنا بعض الأسئلة ، فتلتبس عليه بعض الأمور ، وقد سمعنا منها الكثير ، كأن يقول أحدهم : أيعقل أن هؤلاء ، وهم بهذه الكثرة قد اجتمعوا على أمر باطل !
أو يقول أحدهم : أيعقل أن هؤلاء الذين لا يفترون من العباده ، المتميزون بحسن المعاملة ، المحبوبون عند كثير من عوام الناس ، على غير هدي النبي e !
أو يقول أحدهم : أيعقل أن هذا الذي يزهق نفسه ويفجرروحه أو هذا الذي يمزق جسده بسلاسله ، يكون على طريق غير صحيح !
أو يقول أحدهم : أيعقل أن هذا الذي يثير حماس الجماهير في الميادين ، لأبعاد الطواغيت عن عروشهم ، يكون على غير طريق النبي e ، أو يقول غير ذلك !
فهذه ـ أيها الأخوة ـ أسئلة نسمعها ، يقولها بعضهم بلسان حاله أو بلسان مقاله ، ولكننا نقول ، والقول ليس من عندنا أو من عند مرجعنا في الهند أو باكستان أو العراق أو مصر أو حتى في هذه البلاد ، نقول ما قاله النبي e كلها في النار إلا واحده ، ولما سأل قال : الجماعة ، وفي رواية ، الذين هم على مأ أنا عليه اليوم وأصحابي .
أيها الأخوة :
فهي دعوة اسأل الله U أن يجعلها خالصة لوجهه ، أن نتمسك بسبيل الله U وأن نحذر السبل التي على رأس كل واحدمنها شيطان يدعو إليه ، ويزين طريقه ، فهذا كتاب الله U وسنة نبيه e بيننا ، نعمل بهم كما عمل بهم سلفنا الصالح ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ يقول e : (( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ )) .
جعلني الله وإياكم من المتمسكين بكتابه ، المقتدين بنبيه ، السائرين على ما سار عليه سلفنا الصالح .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم أحفظ بلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا ودعاتنا ، اللهم وحد كلمتنا وقوي شوكتنا يا رب العالمين ، اللهم من أرادنا في هذه البلاد بسوء اللهم اشغله بنفسه ، ومن حاك لنا كيدا ، فاللهم اجعل كيده في نحره ، ومن دبر لنا شرا فاجعل تدبيره سببا في تدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|