حاجتنا للدين
الحمد لله القائل : } وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { .
أحمده وهو للحمد أهل ، حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه : } لَهُ
الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن
سار على نهجه واقتفى أثره ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فإن تقوى الله ، هي وصيته لكم ولمن كان قبلكم ،
يقول سبحانه : } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من
عباده المتقين
أيها الأخوة المؤمنون
:
يجهل كثير من الناس حاجتهم للدين ، وأعني بالدين ديننا
الإسلام ، لأن لا دين مقبول عند الله غيره ، كما قال تبارك وتعالى : } وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ { فالدين هو الإسلام ، كما قال U
: } إِنَّ
الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ { فيجهل كثير من الناس حاجتهم لهذا الدين ، بل بعضهم
يظن أن الدين بحاجته ، فإذا فعل أمرا من أمور الدين ظن أن الدين قد استفاد من فعله
، وزاد بعمله ، كما قال تبارك وتعالى : } يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ
يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { .
أيها الأخوة :
إن حاجتنا لهذا الدين ، لتحكيمه بيننا ، وتطبيق
تعاليمه والعمل بتوجيهاته ، أشد وآكد من حاجتنا لطعامنا وشرابنا ، لأن فيه ومن
خلاله سعادتنا في دنيانا وآخرتنا ، وسلامتنا ونجاتنا من الشرور والأخطار ، ففيه
حفظ أعراضنا ، وفيه حفظ أموالنا ، وفيه حفظ عقولنا ، وفيه حفظ دمائنا ، بل وفيه
حفظ أمننا ، الذي يحاول بعض الناس زعزعته ، والقضاء عليه .
نعم ـ أيها الأخوة ـ تميزت بلادنا وعرفت ، باعتنائها
وتطبيقها وعملها بهذا الدين ، وسلامتها من الشركيات والمخالفات العقدية ، فحفظ
الله لها أمنها ، وكما قال تبارك وتعالى : } الَّذِينَ
آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ
وَهُمْ مُهْتَدُونَ { وقد
كانت ـ أيها الأخوة ـ أعني هذه البلاد ، في وضع يرثى له ، وحال تسر الشامتين ، قبل
الدعوة المباركة ، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، بمآزره من محمد بن سعود مؤسس
الدولة السعودية الأولى ، فقد وجد من يتوسل بالموتى في قبورهم ، ووجد أناس يعظمون
الأشجار والأحجار في صدورهم ، أما الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب ، فحدث ولا حرج
، حيث تأصل هذا الأمر السيئ عند كثير من سكان هذه البلاد ، وصار معيارا وضابطا
وميزانا لتعاملهم مع غيرهم ، ومما يدل على شدة تأصله ، بقاؤه إلى يومنا هذا ، فقد مر
أكثر من ثمانين عاما على القضاء على الشرك ، وعلى المظاهر المنافية للعقيدة
الصحيحة ، ولكنه باق لم ينته من نفوس كثير من الناس حتى يومنا هذا . بل تجده حتى عند
بعض من يزعم الصلاح ويدعي العلم ويهتم بأمر
العقيدة ويتحدث عنها في كلماته .
وهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ أضطر لذكره ، لتعلمون أن
الناس والمجتمعات بلا دين ، لا قيمة لها مهما كانت ، ومهما وصلت من مكانة . ولكنها
بهذا الدين ـ الصحيح ـ الغير مزعوم ، بهذا الدين الذي هو قال الله U
وقال الرسول e بفهم السلف الصالح ، تحصل على الأمن ونصرة الله
تعالى وتكون لها القيمة والمكانة بين الناس ، لأنها منصورة من عند الله سبحانه ،
وكما قال U : } وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ { .
أيها الأخوة المؤمنون
:
لقد حفظ الله هذه البلاد ، بحفظها لهذا الدين ، وجعلها
آمنة مطمئنة بين بلاد قل فيها الأمن لعدم تمسكها بدين ربها ، وتحكيمها لشرائع
بشرية ، وهذا هو الأمر الذي يميز رجال أمننا عن غيرهم من رجال الأمن ، فرجال أمننا
يعملون وفق شريعة غراء ، تستمد أنظمتها من شرع حكيم ، يصدر من رب خبير كريم رحيم ،
ولذلك وفقهم الله U لحفظ أمن البلاد والعباد ، أما غيرهم فمرجعهم
دساتيرهم ، وأوامرهم من طواغيتهم ، والنتيجة ما تشاهدون وتسمعون ، وما ينتظرهم عند
الله U أكبر وأعظم وأخطر ، وهل هناك أسوأ عاقبة من
عاقبة الكفر والظلم والفسق ؟ يقول U : } وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ { ، } وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ { ، } وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { .
أيها الأخوة المؤمنون
:
فمن الخطأ والجهل والإنحراف الخطير ، أن نظن أن ما بنا
من نعمة في هذه البلاد ، بسبب جهدنا أو شطارتنا ، إنما هو بفضل من الله U
، بسبب هذا الدين الذي لو طبقناه في جميع شئوننا ، وفي كل أحوالنا لسدنا الأمم ،
ووصلنا القمم ، فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنهتم بهذا الدين ، ولنعمل به ، ولنجعله
مرجعا لنا في كل منحى من مناحي حياتنا ! ولنحذر كل أمر ينافيه أو يخالفه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} أَوَلَمْ
نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ
رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات
والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور
الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، واشهد أن
لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي
إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون
:
ومما يهدد أمننا بسبب البعد عن ديننا ، وجود بعض
الجماعات والأحزاب والمنظمات والأفكار الوافدة ، المصدرة إلينا من بلدان خارجية
، بعضها باسم الدين وبعضها باسم الحرية
والديمقراطية ، وقد كنا ـ أيها الأخوة ـ قبل هذه الجماعات ، وتلك الأحزاب
والمنظمات والأفكار ، كتلة واحده ، وجسدا واحدا ، وما زلنا ولله الحمد ، إلا أنه
يوجد بعض المتأثرين المغرر بهم ، المخدوعين من بني جلدتنا ، الذين بسببهم صرنا
نسمع ما ينافي ديننا ، وما يخالف ما قامت عليه بلادنا حفظها الله .
أيها الأخوة :
وقد عانت بلادنا أشد المعاناة ، خلال أعوام مضت ، مما
صدر إليها ، ووفد عليها ، وآخر ذلك ما حدث في أيام مضت قريبة ، وأعلن عنه رسميا في
وسائل الأعلام ، حيث قام بعض من يستمد تعاليمه وتوجيهاته من خارج هذه البلاد ـ وما
أكثرهم الذين يرجعون لمراجع متطرفة ، خارج هذه البلاد ، إما أن تكون سياسية أو
شهوانية أو بدعية شركية ـ فأصحاب الحادثة الأخيرة من هؤلاء الذين يحاولون دس السم
بالعسل ، لزعزعة أمن بلادنا ، وتفريق كلمتنا ، وإضعاف شوكتنا ، وتمزيق وحدتنا ، ومخالفة
علمائنا ، والخروج على ولاة أمرنا ، الذين ندين الله ببيعتهم والسمع والطاعة
بالمعروف لهم .
أيها الأخوة :
فلنتق الله U في أنفسنا وفي أمتنا وفي ديننا ، فوالله الذي لا
إله غيره ، لا قيمة لنا بغير هذا الدين ، ولا مكانة لنا بغير شرع رب العالمين ،
وهي دعوة في هذا اليوم المبارك ، ومن على هذا المنبر ، لكل معجب بحزب ، أو متبن
لفكر ، أو منتمي لجماعة ، أن يتق الله U ، وليجعل ولاءه لما قال الله U
، ولما قال رسوله e ، على فهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة
ـ رضي الله عنهم أجمعين .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يجعلنا جميعا من الفقهاء
بهذا الدين ، هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء
، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم
إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من
قول وعمل ، اللهم من أرادنا بسوء اللهم أشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل
تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ،
اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم
أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا ، عاجلا غير آجل ،
غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتنفع به الحاضر والباد ، برحمتك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر
الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |