"ما علق على الإنسانية بمجردها خير وإنما علق الخير على الإسلام والإيمان"
ذكرت في الحلقة الأولى أنه لا يجوز نسبة أعمال الخير التي تصدر من المملكة إلى الإنسانية بديلاً عن الإسلام ، وفي هذه الحلقة نبين أن الإنسانية المجردة ليست محل مدح بل هي إلى الذم أقرب ، قال الله تعالى : (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34] ، (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ* وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:6-8] ، (* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:2-3] ، (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7] ، (وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72] ، وقال تعالى في الإيمان والإسلام : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35] ، وقال تعالى : (وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [الأحزاب:73] ، (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [التوبة:72] ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96] ، فالله سبحانه إنما علق صفات المدح ونيل الثواب بالإسلام والإيمان وما يصدر عن المسلم والمؤمن ، وعلق الذم والعقاب بما يصدر عن الإنسان ، والإنسانية بمجردها لا يتعلق بها مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب ، بل إن الإنسان اليوم ما عدا المسلم المؤمن إنما يصدر عنه التخريب والتدمير للإنسانية بمخترعاته الجهنمية من أسلحة الدمار والهلاك ، فهاهم في الصومال والعراق وأخيراً في الشام وليبيا واليمن ماذا يصنعون من القصف والتحريش بين الشعوب وحكامها؟ ، وهذه البلاد بلاد الإسلام والإيمان والقرآن –ولله الحمد- آمنة مطمئنة بسبب إيمانها وإسلامها وتمشيها على ما تمليه عليه عقيدتها ودينها ، وكونها لا تأخذ بنظم الغرب وكفرياته وإنما تأخذ نظامها من كتاب ربها وسنة نبيها ومنهج سلفها الصالح كما قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور:55] ، وقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ، فربط الاستخلاف في الأرض وتوفر الأمن بالإيمان والتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وهؤلاء لهم الأمن في الدنيا والآخرة بسبب إيمانهم ، كما أن الله ضمن النصر على الأعداء بنصرة دينه وتحكيم شرعه فقال : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:40-41] ، فيجب علينا أن نعتز بديننا فننسب الخير لمصدره ونعلق الأمور بأسبابها الحقيقية ونعتز بإسلامنا ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- (( نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)) ، الإسلام أمر بإطعام الفقير والمسكين والأسير .
دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، بينما غفر الله لامرأة بغي سقت كلباً ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليُحِد أحدُكم شفرته وليُرِح ذبيحته" ، وقال تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195] ، (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83] .
هذا هو الإسلام الذي أنعم الله علينا به فلماذا نعتز بغيره وننسب الخير للإنسانية ونقول مملكة الإنسانية ولا نقول المملكة الإسلامية ؟ هل هذا إلا تنكر للنعمة ، أو أنه تقبل للدعوة ضده ، قال الله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] ، هذا وأسأل الله سبحانه أن ينصر دينه ويُعليَ كلمته ويخذل أعداءه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه :
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في11/7/1432هـ |