لصوص المكرمة
الحمد لله القوي العزيز الجبار ، العظيم العليم القهار } يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { جعل الجنة لعباده الأبرار ، والنار لعصاته الفجار . } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه :
له الحمد أعلى الحمد والشكر والثنا
أعز وأزكى ما يكون وأفضل
له الحمد حمدا طيبا ومباركا
كثير فضيل حاصل متحصل
إلى الله أهدي الحمد والشكر والثنا
له الحمد مولانا عليه المعول
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، لا يغفل } عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المصطفى المختار ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار ، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقب الليل والنهار
أما بعد عباد الله :
فاتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
غلاء الأسعار ، وارتفاع ثمن أكثر السلع ، ظاهرة سيئة في المجتمع ، فبعض التجار ، أعماهم الجشع وحب الأرباح الطائلة ، مستغلين ما يتفضل به ولاة الأمر من مكرمات ، غير مبالين بما يرضي الله سبحانه ، فزادت الرواتب ، فزادوا في أسعارهم ، وأمر ببدل غلاء المعيشة ، فزادوا أسعارهم ، وصرفت الراتبين ، وزادوا أسعارهم ، فكلما أنعم الله U على أهل هذه البلاد ، بمكرمة من ولاة أمرهم ، استغل بعض التجار ، بل أكثرهم هذا الأمر ، لنهب المواطن ولهف ما بين يديه وما في جيبه ، فصار الضحية ، وصارت مكرمات ولاة الأمر ، تصب في أرصدة مملؤة ، وتأوي إلى حسابات مكدسة ، فطلع المواطن صفر اليدين ، بل بعضهم يتمنى لو رجع به العهد إلى ما كان عليه ، ليتسنى له قضاء حاجاته ، وشراء متطلبات حياته .
أيها الأخوة :
ومما يزيد الأمر خطورة ، أن الارتفاع طال الأمور المعيشية ، وما لابد منه ، فالأرز واللحوم والحليب والدقيق ، صار رب الأسرة ، تعتريه الكآبة ، ويصيبه الهم ، عندما يحتاج لشيء منها ، أما مواد البناء ، كالحديد والأسمنت فحدث ولا حرج ، ومن الطرائف ـ أيها الأخوة ـ أن حتى الأجراء زادوا في أجورهم بحجة غلاء الأسعار .
فالمجتمع يعاني من فوضى التجار وأصحاب المتاجر ، ووالله ـ أيها الأخوة ـ أن سلعة تباع في متجر بستة ريالات ، تباع في متجر آخر بستين ريالا ، والضحية نحن ـ يا عباد الله ـ .
أيها الأخوة :
إن التحكم بقوت الناس ، جريمة خطيرة ، وظلم كبير ، ومن المخالفات الشرعية التي تعرض لعقاب الله ومقته ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : (( لا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ )) والاحتكار ـ أيها الأخوة ـ وسيلة من وسائل التجار ، للحصول على الربح المضاعف والسعر الكثير ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وضعفه الألباني ، عن معقل بن يسار t قال ، قال رسول الله r : (( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة )) . وكذلك ـ أيها الأخوة ـ رفع الأسعار فيه ضرر عظيم ، وأذى كبير للمسلم ، وهذا من المحرمات شرعا ، يقول تبارك وتعالى : } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا { وفي الحديث الذي حسنه الألباني ، يقول r : ((من ضارَّ ضارَّ الله به ، ومن شاقَّ شاقَّ الله به )) .
والله ـ أيها الأخوة ـ إن المسلم ليعجب ، من تاجر مسلم ، يشهد الصلاة مع الجماعة ، في كل يوم خمس مرات ، ويتصدق ويزكي ، ولكنه لا يبالي بوضع مسلم مثله ، يعجز أحيانا عن قوته وقوت عياله !
أهكذا يأمركم دينكم معشر التجار ، إنّ من خلُق المؤمن حبَّ الخير لنفسِه ولإخوانِه المؤمنين ، فهو يحِبّ لهم ما يحِبّ لنفسِه ، ويكرَه لهم ما يكرَهُه لنفسه ، ففي الحديثِ الذي رواه البخاري يقول r : (( لا يؤمِن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه )) ، فظلمكم معشر التجار للمسلمين ، ورفع الأسعار عليهم ، فيه دليل على عدم كمال إيمانكم ، فراجعوا إيمانكم ، حتى تحبوا لإخوانكم مثل ما تحبون لأنفسكم ، وإن عجزت أنفسكم عن ذلك ، فعلى الأقل ، اتقوا الله في المسلمين ، أعيدوا ثقتهم بكم ، ففي الحديث الصحيح يقول نبيكم r : (( والمسلِم من سلِم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمِن من أمِنه الناس على دمائِهم وأموالهم )) .
فاتقوا الله معشر التجار ، واحذروا ظلم الفقراء ، الذين يعجزون عن شراء متطلبات حياتهم بسبب جشعكم وطمعكم الزائد ، فقد يدعون عليكم ودعوة المظلوم من الدعوات المستجابة .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
هي ثلاث رسائل ، أوجهها ولعلها تجد آذانا صاغية:
الرسالة الأولى : للتجار ، أن يتقوا الله U ، ولا يعمي بصائرهم حب المال ، فلن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه .
والرسالة الثانية : للمسئولين في وزارة التجارة ، فكفى غفلة ، فمسئوليتهم أمام الله لا تقل عن مسئولية التجار ، فالمتابعة والمحاسبة والمعاقبة ، أمور يستدعيها الوضع ، وتفرضها الحال ، وكلكم راع ومسئول عن رعيته .
أما الرسالة الثالثة : فهي لكم معشر الأخوة ، تعاونوا مع ولاة أمركم ، ولا تكونوا لقمة سائغة ، لتاجر جشع أو مسؤول مهمل ، فينبغي أن يكون لكم موقف إيجابي من ارتفاع بعض السلع ، حتى لو وصل الأمر إلى المقاطعة إلى حين . جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم ، يشكوا إليه من ارتفاع سعر اللحم ، فقال له أبن أدهم : أرخصوه ! فقالوا : كيف ذلك ؟ قال : لا تشتروه .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا جميعا في هذا الدين ، وان يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك حفظ امننا ، وتوفيق ولاة أمرنا ، وتسديد علماءنا ودعاتنا ، اللهم من أرادنا بسوء فاللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره ، يارب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم وحد صفهم ، وقوي شوكتهم ، اللهم اجعلهم يحكمون بكتابك وبسنة نبيك محمد r .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا تعز فيه أولياءك ، وتذل فيه أعداءك ، ويعمل فيه بطاعتك ، وينهى فيه عن معصيتك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|