وقفات مع قوله تعالى: ( قـو أنفسكم وأهليكم نارا )
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واستعدوا قبل الموت لما بعد الموت, يقول الله جل وعلا: ( يا أيها آمنوا قـوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )،
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن يقوموا بلوازم الإيمان وشروطه, ومن ذلك ما ورد في هذه الآية الكريمة من الأمر بوقاية النفس والأهل والأولاد سَخَطَ اللهِ وعذابَهِ, فبدأ أولاً بالأمر بإصلاح النفس ووقايتها عذاب الله بقوله: ( قـوا أنفسكم ) أي: أَلْزِمُوها تقوى الله, والتقوى يا عباد الله هي:
أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل الواجبات وترك المحرمات, مع التوبة عما يُسْخِط الله، ثم أمر بوقاية الأهل وهم: زوجتك وأولادك من بنين وبنات, ومَنْ تحتَ ولايتِك وتَصَرُّفِك.
فيجب عليك أن تحرص على إصلاح زوجتك, وذلك بأمرها بطاعة الله, ونهيها عن معصيته. بأمرها بالصلاة في وقتها من الفجر إلى العشاء. فإن من النساء من لا يصلين الفجر إلا بعد طلوع الشمس, وهذا محرم عليها, لأن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس, والمرأة وإن كانت غير مأمورة بحضور الجماعة كالرجل, لكنها مأمورة بأداء الصلاة في وقتها، وكذلك أمرها بالحجاب والحشمة والقرار في البيت وعدم الخلطة بغير المحارم حتى ولو كانوا من أقاربها, وتحرص على أيضاً على إصلاح أولادك ومن تحت تصرفك وولايتك وذلك بما يلي:
أولا: أمرهم بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد, وهو إفراد الله تعالى بالعبادة, لأن التوحيد هو مفتاح الجنة بعد رحمة الله, ولأن المشرك لا يدخل الجنة أبدا، وقد كان الأنبياء يهتمون بذلك اهتماما بالغاً, قال تعالى: ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك من قبل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) ثانيا: أمرهم بالتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والإقتداء به, ودراسة سيرته, ومحبته أكثر من النفس والأهل والمال والناس أجمعين.
ثالثاً: أمرهم بالصلاة إذا بلغوا السن السابعة, وضربهم عليها إذا بلغوا السن العاشرة, امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فإن كثيراً من الآباء يتساهلون في أمر أولادهم بالصلاة وضربهم عليها, وهذا هو سبب تخلف كثيرٍ منهم عنها في الكِبَر. فالواجب على الآباء أن يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فيربون أبناءهم على الصلاة التي هي عمود الدين. رابعا: أن يكون الأب قدوة لأبنائه في الخير, وذلك بأن يكون من أهل القرآن والمحافظة على الصلاة وبر الوالدين, وصلة الرحم وحسن الجوار, وإكرام الضيف, ومجالسة أهل الخير, لأن الابن يقتدي بأبيه, ويتأثر به, فإذا رآه يتخلف عن الصلاة ويشرب الدخان ويعق والديه ويقطع الرحم, ويسيء الجوار, ويجالس أهل الفسق, ويتلفظ الألفاظ البذيئة ويتابع الأفلام المحرمة والصور الخليعة فسوف يقتدي به غالباً, ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ).
خامساً: تربيتهم على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال, من البر والصلة وحسن الجوار، ونهيهم عن ضد ذلك من العقوق والقطيعة وسوء الجوار وأذية الناس.
والأذية من قِبَلِ المراهقين في هذه الأيام كثيرة بل ملفته للنظر, انظروا إلى حال كثير من أبنائنا وهم يقودون السيارات ويُضيقون على الناس بحركاتهم المخزية! انظروا إلى الجدران وما يكتبون عليها! انظروا إلى حالهم أثناء إقامة الصلاة!
الناس في المساجد وهم يسرحون ويمرحون في الشوارع إلا من رحم الله منهم.
وهؤلاء هم: أبناؤنا ـ ابني وابنك, وأخي وأخوك ـ تخرّجوا من بيوتنا ومدارسنا. مما يدل دلالة واضحة على تساهُل كثير منّا في التربية.
سادساً: تربية الأولاد على الحب في الله والبغض في الله لأن ذلك أوثق عرى الإيمان, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ).
ولأن المرء على حسب جليسه سواء كان صغيراً أو كبيرا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم منْ يخالل ).
فلا بد أن تنظر إلى جلساء أبنائك من هم؟
هل هم أهل الصلاة والقرآن والبر والصلة والكلام الطيب؟ أم هم: أهل السهر بالليل وشرب الدخان والعقوق والقطيعة والأخلاق السيئة والنوم عن الصلاة؟
وحتى إذا كانوا من الحريصين على الخير لابد أن تعرف من يجالسون.
هل يجالسون أهل الاعتدال؟ هل هم من المرتبطين بالعلماء؟ هل هم سالمون من الغلو والتكفير؟ هل ألسنتهم سالمة من النيل من العلماء وولاة الأمر؟ فإن من أبرز صفات أهل الغلو: الاشتغال بأعراض العلماء والولاة !
لابد أن تراقبهم وتراقب جلساءهم لأن المرء إذا أحب الأخيار فسوف يقتدي بهم ويُحشر معهم يوم القيامة، وإذا أحب الأشرار فسوف يقتدي بهم ويحشر معهم يوم القيامة, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( يُحشر المرء مع من أحب ).
ومن أبرز ما يمحو خصلة الحب في الله والبغض في الله من قلوبهم:
إحياء النعرات الجاهلية النَّتِنَة في قلوبهم, والفخر بالأحساب والطعن في الأنساب, وهذا مما ينشر العداوة والبغضاء بين النشء, وهو مصادم لقوله تعالى: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فالميزان هو الإيمان والتقوى, أيّاً كان حسب الشخص ونسبه ولونه ولغته وجنسيته.
سابعاً: تربية البنات على طاعة الله والمحافظة على الصلاة في وقتها, وعلى الحجاب والحشمة والقرار في البيت وعدم الخلطة بغير المحارم حتى ولو كانوا من أقاربهن, ما لم تكن بينهم محرمية رضاعة, خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن.
فالواجب على رب الأسرة أن لا يتساهل, ويجب أن يُكثر من الجلوس في بيته مع زوجته وأولاده, فإن وجوده يمنع شراً كثيراً ويُزِيل الوحشة بينه وبينهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوا أحد، فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله: ومما يجب على رب الأسرة:
أن يُطهر بيته من الوسائل المفسدة كالأغاني والصور المحرمة والمقالات المنحرفة التي تُكتَب في المجلات, كقصص وقصائد الحب والغرام, وكذلك الأفلام التي تعرض عن طريق الفيديو, أو القنوات الفضائية الفاسدة المفسدة, والتي ما زال الناس لا يبالون في وضعها في بيوتهم دون النظر إلى العواقب التي تسببها هذه القنوات من فساد في العقيدة وانحلال في الأخلاق والسلوك, والتي لو تكلمنا وحذرنا عنها في كل خطبة أو مجلس أو محاضرة, لم نكن مبالغين في التحذير في ذلك .
إن الذي يضع مثل هذه الأجهزة في بيته إنما يضع داعية يدعو أهل بيته إلى الفساد, حتى ولو حاول ربُّ الأسرة الإصلاح, وحتى لو أنشأهم على الصلاح, لأن وجود هذه الأجهزة تهدم ما بناه، فبدلاً من أن يكون رب الأسرة مُصلحاً في بيته, ينشر الكتب النافعة: كتب أهل العلم وأشرطة القرآن والمواعظ, يَضَع مثل هذا الجهاز الذي يزعم أنه يربي أهل بيته تربية عصرية! تربية تواكب الحضارة والمدنية! وهي في الحقيقة سفول وانحطاط وتخلف, لأن معصية الله لا تكون تَقَدُّماً أبداً. ( ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
اللهم وفقنا لما يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوالنا وقلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين واجعلهم هداة مهتدين يا أرحم الراحمين ، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها .
|